يخضع ثلاثة قضاة فلسطينيون، أعضاء في المجلس الأعلى للقضاء النظامي والشرعي، إلى التحقيق على خلفية التعبير عن الرأي وحضور ورش عملٍ وإجراء مقابلاتٍ صحافية. فيرى المعنيّون بالتالي أنّ هيبة القضاء الفلسطيني باتت على المحكّ.
قبل نحو أسبوع، أحيل القاضي الفلسطيني عزت الراميني إلى التحقيق على خلفية مشاركته في جلسة حوار دعت إليها الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في الثامن من فبراير/ شباط الجاري، والهدف تأسيس ائتلاف شعبي لحماية استقلال القضاء الفلسطيني.
خلال العام الماضي، أحيل القاضي عبد الله غزلان إلى التحقيق، وجرى إقصاؤه من عضوية مجلس القضاء الأعلى، على خلفية مقال كتبه ينتقد فيه الوضع المتدهور للسلطة القضائية. أتى ذلك على الرغم من رأي قضاة المحكمة العليا بغالبيتهم، الذين صمموا على بقاء القاضي غزلان في عضوية المجلس القضائي. كذلك، أحال مجلس القضاء الأعلى القاضية الشرعية الفلسطينية خلود الفقيه إلى التحقيق، على خلفية إجرائها مقابلة صحافية مع صحيفة "الحدث" الفلسطينية.
في السياق، يتحدّث المستشار القانوني لمؤسسة "الحق" الفلسطينية، عصام عابدين، لـ"العربي الجديد"، عن "خطورة إحالة قضاة في المحكمة العليا إلى التحقيق، على خلفية حقهم في ممارسة حرية الرأي والتعبير المكفول في الاتفاقيات الدولية والتشريعات الفلسطينية"، ويؤكد "وجود خلل بنيوي مزمن في منظومة العدالة في فلسطين". ويعيد عابدين ما يجري إلى "أسباب عدّة، أبرزها أنّ مجلس القضاء الأعلى كان وما زال يمثّل العنوان الأبرز لتدخلات السلطة التنفيذية بمختلف أشكالها في القضاء. وكذلك هي الحال بالنسبة إلى عدد من قضاة المحكمة العليا. وهذه المشكلة لا تطاول فقط القضاء النظامي وإنّما القضاء الشرعي كذلك".
ويلفت عابدين إلى أنّه "أمام خطورة الوضع الحالي، دعت مؤسسة الحق إلى عقد لقاء جمع عشرات مؤسسات المجتمع المدني لبحث التدهور الخطير والنزيف المستمر الحاصل في منظومة القضاء والعدالة"، مضيفاً أنّ "تلك المؤسسات الفلسطينية أجمعت على إدانة القرارات التي اتخذها القضاء النظامي الشرعي بهذا الخصوص، وطالبت مجلس القضاء الأعلى بسحب تلك القرارات التي تخالف الاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها دولة فلسطين، خصوصاً العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. كذلك هي تخالف المبادئ الأساسية الدولية بشأن استقلال القضاء التي أقرّتها الأمم المتحدة في عام 1985".
تجدر الإشارة إلى أنّ إجراءات مجلس القضاء الأعلى تخالف المادة رقم 19 في القانون الأساسي الفلسطيني التي تنصّ على حرية الرأي والتعبير، وتخالف قانون السلطة القضائية في ما يتعلق بضمانات استقلال القضاء، والأكثر أهمية أنّها تخالف بنود مدوّنة السلوك القضائي الصادرة عن المجلس الأعلى للقضاء نفسه في عام 2016 والتي أكدت على حقّ القضاة في إبداء رأيهم في الشأن العام.
ومن المتوقّع بحسب عابدين، أن "تذهب الأمور في اتجاهات بعيدة، في حال قرّر مجلس القضاء الأعلى أن يذهب هو الآخر بعيداً في موضوع مسألة تأديب القضاة الذين أحيلوا إلى التحقيق. فالمؤسسات الفلسطينية جاهزة للدفاع عن القضاة، وقد اتخذت قرارها بوضع كل خبراتها تحت تصرّفهم للدفاع عنهم".
ويوضح عابدين أنّه "في حال قرر القضاء أن تكون جلسات محاكماتهم التأديبية علنية (قانون القضاء الفلسطيني ينصّ على المحكمة السرية، لكنّهم يستطيعون طلب أن تكون جلساتهم علنية) فإنّ المؤسسات الفلسطينية سوف تشارك عبر حضور مكثّف في تلك الجلسات، وسوف تتواصل مع شركائها الصحافيين لإعلامهم بموعد الجلسات بهدف تغطيتها مباشرة على الهواء. بالنسبة إلينا، هي قضية رأي عام".
يتابع عابدين أنّه "في حال قرر المجلس القضائي إنزال عقوبات في حقّ القضاة الذين أحيلوا إلى التحقيق على خلفية ممارستهم لحقهم في حرية الرأي والتعبير، فإنّ الأمور سوف تأخذ منحى التوجّه إلى الأمم المتحدة". ويشرح أنّ "مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني تلوّح بإحالة ملف القضاة إلى المقرر الخاص للأمم المتحدة حتى يتابع الموضوع مع الجانب الفلسطيني". ويرى عابدين أنّه لا بدّ من طرح سؤال في السياق، فيقول: "كيف يمكن للقضاء الفلسطيني أن يحمي الحقوق والحريات والكرامة الإنسانية، إذا كان القضاة أنفسهم لا يستطيعون أن يعبّروا عن رأيهم؟".