موريتانيا.. الشباب يقلدون بو عزيزي

16 ديسمبر 2014
لم تستمر التظاهرات ضد النظام طويلا (فرانس برس)
+ الخط -


انطلق الربيع العربي وموريتانيا تعاني آثار انقلابين عسكريين ومرحلتين انتقاليتين، تفصل بينهما سنة واحدة من حكم أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا في البلاد (سيد محمد ولد الشيخ عبد الله)، والذي لم تخل مرحلة حكمه من الاضطرابات السياسية والأمنية، ما جعل موريتانيا تستقبل الربيع بحماسة وتفاؤل حذر.

ربما تأخر الربيع بالنسبة لموريتانيا، ويرى البعض أن انقلاب 2005 وما أعقبه من إصلاحات سياسية ودستورية كانت هي الربيع الموريتاني. لكن الساحة السياسية الموريتانية تفاعلت مع الربيع العربي وتأثرت به، بل وارتبطت به مدا وجزرا، ألقا وانحسارا.

كانت البداية بحراك شبابي انطلق بعد سقوط نظام بن علي في تونس ومبارك في مصر، حيث أعلنت حركة 25 فبراير الشبابية تنظيم مظاهرات واعتصامات ضد النظام في حين تريثت أحزاب المعارضة، فيما اعتبر حينها تكتيكا لإعطاء فرصة للشباب.

واجهت قوات الأمن المظاهرات الشبابية بالقمع، ولكن بشكل محسوب وكان المعتقلون يتم إطلاق سراحهم بعد وقت وجيز من اعتقالهم، وكان النظام حريصا على ألا يعطي فرصة لخصومه، ولا يمنح مبررا للثورة عليه.

ومن مظاهر تأثر المجتمع الموريتاني بالربيع العربي، إقدام عدد من الشباب الموريتاني على حرق أنفسهم، وكان أول موريتاني أقدم على إحراق نفسه بعد انطلاق الربيع بفترة وجيزة هو يعقوب ولد دحود، الذي أضرم النار في جسده أمام القصر الرئاسي في 17 يناير/كانون الثاني 2011 وتوفي بعدها بأيام متأثرا بحروقه، كما انتشرت ثقافة الاحتجاج والاعتراض على السلطة بشكل غير مسبوق في المجتمع التقليدي، الذي لم يتعود على معارضة السلطة، فضلا عن التظاهر ضدها.

وارتفعت وتيرة المظاهرات الشعبية والفئوية في موريتانيا خلال الأعوام الثلاثة اللاحقة، بشكل كبير، فاندلعت مظاهرات عمالية في مدينة أكجوجت ضد الشركة الموريتانية للنحاس، وأدى تدخل قوات الحرس إلى مقتل أحد العمال، واندلعت مظاهرة عمالية في مدينة زويرات شمال البلاد وأحرق العمال الغاضبون مقر الولاية وعدداً من المباني والمنشآت الرسمية، وردت السلطات بإقالة الوالي حينها.


والأبرز كان انتشار المنظمات الحقوقية والحركات السياسية الشبابية، وظهور وسائل الإعلام المستقلة، بعد قرار السلطات تحرير الفضاء السمعي البصري، مما فتح الباب أمام القنوات والإذاعات والمواقع الالكترونية الخاصة، إضافة إلى وسائل التواصل الاجتماعي التي انتشرت بشكل غير مسبوق، وأصبحت جزءا أساسيا من صناعة الرأي العام.

لم تلبث أحزاب المعارضة أن التحقت بالحراك الثوري المطالب بإسقاط النظام، بعد أن اكتفت في البداية بالبيانات والتصريحات، نظمت مسيرة كبيرة في وسط العاصمة نواكشوط في مارس/آذار 2012، اعتبرت المظاهرة الأكبر في تاريخ البلاد، وحاولت المعارضة تحدي النظام عبر تنظيم اعتصام جماهيري بعدها، حضره الآلاف وسط العاصمة في مايو/أيار، غير أن قوات الأمن فرقت المعتصمين بالقوة دون وقوع قتلى، ما اعتبر نجاحا في مساعي إجهاض أي تحرك شعبي.

وقعت المعارضة الموريتانية في فخ رتابة الوسائل النضالية، حيث أصبحت مظاهراتها المرخصة من النظام، والتي تنطلق من دار الشباب وتنتهي في ساحة "ابن عباس" عملا روتينيا، لا يخيف النظام ولا يستثيره، وتعرضت لانتقادات الشباب الثوري من جهة وانتقاد النظام لها بالترويج للفتنة والسعي لزعزعة استقرار البلاد من جهة ثانية.


في نهاية 2013 غيرت المعارضة طريقة تعاطيها مع النظام، وجنحت إلى قبول الحوار وتخلت عن المطالبة برحيله، فيما يبدو أنه تفاعل مع حالة "تعثر" الربيع العربي في عديد من الدول العربية. وفي تعليله لذلك قال رئيس حزب تواصل محمد جميل ولد منصور: "ما يمكن أن يُسمّى مرحلة "الرحيل" أعتقد أنه "قوس" وأنه أُغلِق بالمعني المتعلق بالشعار وبخطاب تلك المرحلة، المعارضة الموريتانية الآن في عمل سياسي يأخذ قوته من موقفها، ولكنه أيضا يتميز بمستوى كبير من العقلانية والموضوعية".

أما المنسق السابق لحركة 25 فبراير الشبابية، عبد الفتاح ولد حبيب، فيقر هو الآخر بفشل خطط إسقاط النظام الموريتاني عبر الثورة، ويضيف لـ"العربي الجديد": "هناك عوائق داخلية ظهرت جلية، منها التنوع العرقي والقبلي، وانعدام الثقة بين المكونات المختلفة، وكذلك الخلافات العميقة بين أهم أحزاب المعارضة، وغياب استراتيجية شاملة للتعامل مع مختلف الاحتمالات".

وتزامن الربيع مع إطلاق الرئيس ولد عبد العزيز العديد من "الشعارات والإصلاحات" التي لاقت صدى وقبولا شعبيا، خاصة فيما يتعلق بمحاربة الفساد وتعبيد الطرق وتخطيط الأحياء العشوائية، ومنح قطع من الأراضي للمواطنين الفقراء، فضلا عن المكتسبات السياسية التي أعقبت انقلاب 2005، كحرية العمل السياسي وانتشار وسائل الإعلام المستقلة، وهي المكتسبات التي حافظ عليها ولد عبد العزيز بعد انقلابه على الرئيس ولد الشيخ عبد الله عام 2008.

ورغم القبضة الأمنية التي يحكم بها النظام وخلفيته العسكرية، فإن تصدي قوات الأمن للمظاهرات التي أعقبت الربيع العربي لم يسفر عن خسائر بشرية (باستثناء قتيل واحد في فض مظاهرات عمال شركة النحاس)، ولا عن اعتقالات سياسية، مما أفقد المعارضين المبررات المعتادة لتشريع تحركاتهم ضد النظام.