أصدرت مؤسسة حرية الفكر والتعبير المصرية تقريراً بعد مرور سبع سنوات على ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، استعرضت فيه ما آل إليه أرشيف القمع منذ "فرْم المستندات" في مقر جهاز أمن الدولة المصري (الأمن الوطني حالياً) في مارس/ آذار 2011.
وأوضحت المؤسسة أن تقريرها الصادر، اليوم الأحد، هو محاولة جديدة للتوقّف عند حدث يتذكره ملايين المصريين، وعايشه المئات في خضم الثورة، من انتهاكات لحقت بمتظاهرين، وتهديد نشطاء سياسيين، والأهم كان اختفاء الأرشيف الأمني لكل تفاصيل الانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان خلال عقود حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك.
وتطرّق إلى حلّ جهاز أمن الدولة ومحاسبة ضباطه آنذاك، وانتشار أنباء عن تخلّص قطاع مباحث أمن الدولة من المستندات التي تدين ضباطه، ما أدى إلى تجمهر مواطنين أمام مقار جهاز أمن الدولة في محافظات عدة لمنع التخلّص من المستندات، لما تحويه من إثباتات على جرائمهم. إلا أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي تولّى إدارة الحكم في تلك المرحلة الانتقالية، أسهم في وضع نهاية لذلك.
وأشار التقرير إلى القرار الرسمي الصادر آنذاك، بإنشاء جهاز بديل عن أمن الدولة تحت اسم "الأمن الوطني"، ولم يُحاسَب أي من ضباط الجهاز على الجرائم التي ارتكبوها بحق المواطنين، بل كلّف النائب العام حينها المستشار هشام بركات نيابة أمن الدولة العليا، بعد 3 سنوات من واقعة "اقتحام" مقار أمن الدولة، بفتح التحقيق في البلاغ رقم 205 لسنة 2014، المقدم ضد عدد من النشطاء السياسيين، يتهمهم بالتورّط في عملية اقتحام مقار الجهاز، وسرقة بعض الملفات الخاصة بالأمن القومي، إضافة إلى التهديدات باتهام نشطاء وسياسيين في القضية المعروفة إعلامياً بالقضية 250.
حكايات التعذيب في أمن الدولة
اعتبر التقرير أن الاعتقالات والتعذيب في السجون من أبرز أسباب اندلاع ثورة 25 يناير 2011، وأن كشف قضايا التعذيب وفضح ممارساته وطرقه أثرا في مسار الحراك السياسي، خصوصاً أن جهاز أمن الدولة كان يعتمد سياسة ممنهجة في التعذيب البدني والنفسي في عهد مبارك.
كذلك، بيّن أن سقوط هذا الجهاز كان نصراً رمزياً، ترك المساحة مفتوحة أمام المنتمين إلى التيار الإسلامي كي يشاهدوا حكايات التعذيب أمام مقار أمن الدولة في الإسكندرية والقاهرة. واستعرض التقرير بعضاً من تلك الشهادات.
وذكر أنه بعد انتشار أنباء الاقتحام، ناشدت السلطات المصرية المتظاهرين، الذين أنقذوا المستندات، تسليم الأوراق للأجهزة المعنية، حفاظاً عليها من خطر انتشار أسرار تمسّ أمنها القومي، إلا أن أغلب الشهادات التي وثقتها مؤسسة حرية الفكر والتعبير أكدت أن المستندات المهمة جرى التخلّص منها بالفعل، وأن أغلب ما وجدوه لا يمسّ أمن مصر القومي، بل يتعلق بتفاصيل متابعة ضباط أمن الدولة للعلاقات الشخصية للسياسيين ورجال الأعمال.
وأكد التقرير أن المتظاهرين ومؤسسات الدولة القضائية سلّموا أغلب المستندات التي نجحوا في إنقاذها من الحرق أو الإتلاف إلى قوات الجيش، أو إلى النيابة العامة، وهم يهتفون "أمانة... أمانة"، و"الشعب خلاص أسقط النظام". حدث ذلك بعد أن تلقوا وعوداً بفتح التحقيق في تاريخ انتهاكات أمن الدولة.
ولفت التقرير إلى وثيقة نُشرت على صفحات التواصل الاجتماعي، عُثر عليها أثناء اقتحام مقر أمن الدولة بمدينة نصر، تضمّنت خطة استيعاب الغضب الجماهيري ضد الجهاز.
وجاء في متنها "في خضم الأحداث المتصاعدة والأصوات المرتفعة ذات التوجهات الخاصة المطالبة بحلّ جهاز أمن الدولة، من دون اعتبار مقتضيات المصلحة القومية والأمن القومي، هناك رؤية يمكن طرحها لاستيعاب المطالب المطروحة... وتتبلور هذه الرؤية: أولاً، إعلان حل جهاز أمن الدولة صورياً أو إعلامياً. ثانياً، تغيير اسم الجهاز إلى جهاز الأمن الداخلي، أو جهاز المعلومات الوطنية، أو جهاز الأمن الوطني... إلخ".
وأضاف التقرير "بعد تسريب الوثيقة بأسبوع، أعلن المتحدث الرسمي لوزارة الداخلية، في 15 مارس/ آذار 2011، أن اللواء منصور العيسوي، وزير الداخلية، أصدر قراراً بإلغاء جهاز مباحث أمن الدولة بكافة إداراته وفروعه ومكاتبه بجميع محافظات الجمهورية، وأن قطاعاً جديداً في الوزارة يسمى "قطاع الأمن الوطني" حلّ بديلاً عن أمن الدولة، بهدف الحفاظ على الأمن الوطني وحماية سلامة الجبهة الداخلية ومكافحة الإرهاب، وفقاً لأحكام الدستور والقانون ومبادئ حقوق الإنسان وحرياته".
وانطلق التقرير من وثائق رسمية هي أوراق قضية فرم المستندات، في الدعوى القضائية التي حاولت من خلالها جهات التحقيق إثبات إتلاف مستندات جهاز أمن الدولة، التي تحوي أقوال قادة وضباط، ومعاينات للنيابة العامة، وتفاصيل تشكّل جانباً آخر مهماً من صورة ما حدث.
وأعاد الاعتبار ﻷهمية معرفة مصير الأرشيف الأمني، أو هكذا يحاول، وإتاحته للمواطنين، كونه يتطرق إلى التاريخ القمعي لجهاز أمن الدولة في مصر، بمسمياته المتغيّرة، وممارساته الثابتة، مشيراً إلى أن الأرشيف الأمني يمكن أن يكون أداة للحفاظ على الذاكرة، وتحقيق العدالة الانتقالية.