السويد: إعفاء مساعدي قضاة من أصل عربي بسبب "تبرئة زوج من العنف"

09 مارس 2018
أقرت بأنه عنفها لسنوات لكن المحكمة برأته (فيسبوك)
+ الخط -
"هو من أسرة جيدة وهي ليست كذلك... هذه القضايا تحل بين الأسر"، تلك كانت مبررات حكم محكمة سولنا بضواحي استوكهولم لتبرئة زوج مارس العنف بحق زوجته، منذ زواجهما "بعقد إسلامي" في 2011". هيئة القضاة، انقسمت حول الحكم، فجاء لمصلحة المتهم (37 سنة من أصل عراقي) بإصرار مساعدي قاضية، وسياسيين، من أصل عربي على تبرئته... إصرار كلّف الشخصين الطرد من حزبهما السياسي، الوسط، وإقالتهما من وظيفتهما في المحكمة، وأشعل جدلاً في كل السويد حول "محاولات تمرير الشريعة الإسلامية".

القضية انفجرت إعلامياً ومجتمعياً وسياسياً وقضائياً، وبين المنظمات والشخصيات المدافعة عن المرأة، حتى أضحت الشغل الشاغل للمجتمع بجدل هو الأكبر عن "قيم السويد" و"الشريعة الإسلامية" خلال الفترة الماضية.

وفي تفاصيل القصة التي يطلق عليها "حكم الفضيحة"، أن الشابة السويدية مريم جاسم الموسوي (26 سنة)،  تزوجت من رجل، وكلاهما من أصل عراقي، في 2011 بدون علم أهلها، بعقد زواج "حسب الشريعة"، وأن الزوج مارس العنف في حقها منذ تاريخه إلى أن تقدمت بشكوى إلى الشرطة.

عقدت المحكمة جلسة لمحاكمته وانتهت في 19 فبراير/شباط الماضي إلى "تعادل تصويت القضاة"، اثنان ضد اثنين. وبعد أن تسرب الحكم ومبرراته قبل أيام أشعل في السويد جدلاً. فاثنان من القضاة، مرشحان من حزبهما السياسي "الوسط" (يمين وسط) لمنصب مساعد قاض في المحكمة (تجري الآن مراجعة 140 قضية شاركا في الحكم فيها)، صوتا لمصلحة "المُعنِّف" لتبرئته بمبرر أغضب المستوى الحقوقي والسياسي "يبدو أن الرجل من عائلة جيدة، فيما هي ليست كذلك، فلو مارس العنف بحقها لكانت ذهبت لأسرتها منذ البداية، ومثل هذه القضايا تحل بين العوائل"، بحسب ما جاء في تسريب منطوق الحكم الذي نشرته الصحافة.

الشخصان المعنيان، مساعدا القضاة، ابتسام الديب وحسان فرانسون، من أصول عربية أيضا. وكانت مريم الموسوي قد كتبت أمس رسالة مفتوحة عبر وسائل التواصل والصحافة السويدية لمن برأ زوجها السابق، أكدت فيها أن الأمر "ليس له علاقة بالدين، بل بالحقوق والتعرض للعنف ومخالفة قوانين السويد"، وعددت طبيعة العنف الذي تعرضت له محملة القاضيين العربيين مسؤولية البراءة.


جرى ربط الحكم بتاريخ وماضي الديب، المرشحة لانتخابات برلمان السويد، التي اتهمتها الصحافة بأنها "تريد تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في السويد"، وخصوصا مع نبش التلفزيون الرسمي السويدي "تي اس في" لتصريحات في مقابلة أجريت معها في 2008 تدعو فيها إلى "ضرورة أن يتكيف القانون السويدي مع وجود المسلمين في البلد".

بقي حزبها متمسكاً بالدفاع عنها إلى أن تحولت القضية إلى "الرأي العام"، ما اضطره إلى طردها. وذهبت قيادة الحزب مراراً وتكرراً إلى تهدئة الرأي العام بالتأكيد أن "الحزب لا يقبل على الإطلاق تطبيق الشريعة الإسلامية في محاكم السويد".

ما أثار الشارع السويدي، بمختلف اتجاهاته، هو الجملة التي علل بها الشخصان من أصول عربية الديب وفرانسون، تصويتهما بالبراءة، على أساس "الخلفية الأسرية الجيدة" لشخص مارس العنف الجسدي؛ الذي أثبته الطب الشرعي، إذ إن القاضية الرئيسة في المحكمة، لينا اغلين، أكدت أن المداولات أسفرت بالفعل عن كلام هذين القاضيين بأن "مثل هذه الأمور تحل في الأسرة عادة"، بعد إنكار المعنيين لذلك في كل أحاديثهما مع الصحافة. وتؤكد هذه القاضية للتلفزيون السويدي "لم أر في حياتي مثل هذا الأمر القائم على الحكم على أساس الخلفية الأسرية أو من أين أتى الشخص المحكوم".

الديب رفضت قرار الإقالة الخميس، وأكدت أن "خلف هذه الحملة أجندة خفية"، وأنها ستستأنف القرار، متهمة البعض "بتضخيم القضية وتسميتها حكم فضيحة في الرأي العام رغم أني لم أوقع على قرار الحكم الذي كتب بصيغة أخرى غير ما جرى تداوله في المحكمة".

خلق الحكم وما تبعه من جدل مستمر عن مسلمي السويد، بلبلة كبيرة ولغطا حول المقصود بأن تذهب المرأة المعنفة إلى أهلها لحل القضية، واتهامات عن " أجندة خفية لتمرير الشريعة في السويد"، بحسب ما ذهبت إليه الصحف والقنوات التلفزيونية نقلا عن سياسيين.

وبالرغم من أن "حزب الوسط" يعتبر السويد متعددة الأعراق، ويرشح مسلمين على قوائمه، إلا أنه لم يستطع أن يدافع عن أي تلميح حول تطبيق أحكام تقوم "على غير القيم السويدية"، بحسب ما ذهب السكرتير العام للحزب، ميكال أرثورسون. ويرفض "الوسط" أي تلميح إلى القبول بتطبيق الشريعة الإسلامية على مسلمي السويد.

واستعانت القنوات التلفزيونية بخبراء ليدلوا برأيهم في "الحكم الفضيحة"، وقد رأى الباحث في المركز الدنماركي للدراسات الدولية، هانس مورتيزن أن "هذه القضية تثير الآن جدلاً عن القيم السويدية، ففي السياسة السويدية هناك ورطة الآن، إذ من ناحية يقولون إنه يجب الأخذ بالاعتبار التنوع، وفي الأخرى يضيفون دون المساس بالقيم السويدية". وهذه الورطة التي يشير إليها هذا الخبير هي ما أعادت الجدل الذي تلقفته أحزاب اليمين المتشدد، مثل حزب ديمقراطيي السويد والحزب الجديد "البديل لأجل السويد" لطرح رأيهم عن ضرورة "حماية القيم السويدية بسياسة هجرة صارمة قبيل انتخابات سبتمبر/أيلول المقبل.

ومنذ وصول نحو 163 ألفا في 2015، وآلاف آخرين في السنوات التالية، وتغيرات ملحوظة تشهدها مواقف السويديين تجاه المهاجرين "بمزيد من التركيز على القيم السويدية أكثر مما كان قبل سنوات التدفق الكبير للمهاجرين"، بحسب قول مورتيزن لوسائل الإعلام السويدية الخميس.


ويرى المراقبون في السويد أن هذه القضية جاءت لتصب في مصلحة الخطاب المتشدد الذي انتهجه حزب ديمقراطيي السويد، بزعامة جيمي أوكسون، الذي وصفه رئيس وزراء السويد، ستيفان لوفين، بأنه "نازي وعنصري" وبأنه "لا يمكن التعاون معه في تشكيل حكومات السويد، وهو موقف اتفق معه أيضا يمين الوسط سابقا.

 وتظهر الاستطلاعات، إثر هذه القضية تقدماً في شعبية اليمين المتشدد مع كثير من الحرج لأحزاب الوسط، بما فيها الاجتماعي الديمقراطي، وحزب الوسط المحافظ باتهام المتشددين لهم بأنهم "تراخوا كثيرا مع بيئات المهاجرين".

ويرى خبراء في شأن الهجرة في السويد، أن اليمين المتشدد "يضغط الآن على اليسار ويسار الوسط لانتهاج سياسة أكثر تشددا، وخصوصا أن السويد ذاهبة لانتخابات تشريعية خلال نصف سنة".