3 خيارات أمام لبنان في حالة وقف تسليم عبد الرحمن القرضاوي

08 يناير 2025
عبد الرحمن يوسف القرضاوي في تركيا، في 5 أكتوبر 2018 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تكثف الجمعيات اللبنانية والدولية جهودها لوقف ترحيل الشاعر المصري عبد الرحمن يوسف القرضاوي إلى الإمارات، معتبرة القرار انتهاكًا لحقوق الإنسان ويعرضه لخطر الاحتجاز التعسفي.
- انتقدت منظمة العفو الدولية القرار، مؤكدة على أهمية احترام حرية التعبير، واعتبر وديع الأسمر أن القرار سياسي وينتهك مبادئ القانون اللبناني والدولي.
- أوضح خبراء القانون الدولي أن الجرائم السياسية لا تخضع للتسليم وفقًا للاتفاقيات الدولية، مشيرين إلى ضرورة وجود أدلة قانونية كافية لتبرير التسليم.

تكثّف الجمعيات اللبنانية والدولية من حراكها لوقف تنفيذ قرار حكومة تصريف الأعمال في لبنان بترحيل الشاعر المصري المعارض، عبد الرحمن يوسف القرضاوي إلى الإمارات، لما فيه أولاً من جريمة بحق الإنسانية، وضرب عرض الحائط بكل الاتفاقيات الدولية، بالإضافة إلى تعريضه لخطر الاحتجاز التعسفي، وغيره من انتهاكات حقوق الإنسان.

وأعلن وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال، زياد المكاري، أمس الثلاثاء، خلال تلاوته مقررات جلسة مجلس الوزراء، أنّ "ملف القرضاوي طرح من خارج جدول الأعمال وسيتم ترحيله إلى الإمارات العربية المتحدة".

وقال محامي الدفاع عن القرضاوي، اللبناني محمد صبلوح، إنّ "رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي أقرّ تسليم موكله إلى دولة الإمارات"، واصفاً القرار بأنه "جريمة بحق الإنسانية ويضرب عرض الحائط بكل الاتفاقيات الدولية". وأضاف صبلوح لـ"العربي الجديد"، أنّه تقدّم بطعن اليوم أمام مجلس شورى الدولة لوقف تنفيذ القرار بحق موكله الذي يحمل الجنسية التركية، وبطلب إلى قضاء العجلة، خصوصاً بعد إحالته إلى مديرية قوى الأمن الداخلي، لوقف تنفيذ القرار غير الإنساني وغير القانوني، مع الإشارة إلى أنّ من حق قاضي العجلة أن يتخذ قراراً معجل التنفيذ لإيقاف هذه الجريمة لمدة معينة حتى يتسنى لنا على الأقل اتخاذ الإجراءات القانونية والطعن بها أمام المراجع المختصة".

وأضاف صبلوح "حصلت على إذن من مدعي عام التمييز بزيارة موكلي فتوجهت إلى مديرية قوى الأمن الداخلي حيث حُوّل مساء، فتركوني منتظراً حوالي الساعة وأقفلوا الباب عليّ، ومن ثم أنزلوا القرضاوي بموكب سيارات للتوجه إلى الأمن العام قبل إقلاع طائرته بعد ظهر اليوم، ولم يسمحوا لي بزيارته رغم أني محاميه"، لافتاً أيضاً إلى أنه اتصل بقاضية العجلة في بيروت وأخبرها بأن الملف بات بعهدتها فقالت إنها ستتخذ القرار غداً، فاستنكر ذلك باعتبار أن طائرة القرضاوي اليوم، مستغرباً هذه السرعة في بتّ قرار الترحيل.

ولفت كذلك إلى أن "السفارة التركية زارت القرضاوي اليوم، وأكد أن معنوياته مرتفعة، لكنه بدأ إضراباً عن الطعام منذ يوم أمس وسيستمر حتى رفع الظلم عنه، وطلب من الضابط المسؤول رؤية صور بناته فرفض وسمح له باتصال واحد فقط فيما مُنع وكلاء الدفاع من الحضور لزيارته تنفيذاً لقرار أعلى مرجعية قضائية". وشدد صبلوح على أنّ "القرضاوي حُرم من أبسط مقومات حقوق الدفاع، والموضوع لم ينته بالنسبة إلينا وسنقوم بكل الإجراءات القانونية لتحصيل حقوقه ومتابعة قضيته مع أهله، ونأمل عودته بأقرب وقت إلى عائلته".

من جهتها، قالت نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، سارة حشاش، لـ"العربي الجديد"، إنّنا قرأنا قرار الحكومة اللبنانية بتسليم الشاعر عبد الرحمن يوسف القرضاوي إلى السلطات الإماراتية، ولاحظنا تكرار لذكر حقوق الإنسان، وأن دولة الإمارات موجودة في مجلس حقوق الإنسان، مع التمني عليها احترام هذه الحقوق عند التعامل مع القرضاوي الموقوف، لكن كنا نتمنى لو بدأ لبنان باحترام التزاماته بحقوق الإنسان لجهة عدم ترحيل شخص لمكان قد يتعرض فيه لخطر انتهاك حقوقه، بدءاً من التوقيف التعسفي، وهو انتهاك لحقوق الإنسان.

ولفتت حشاش إلى أنّ "كل ما حُكي عن أسباب توجب توقيف القرضاوي حتى الساعة مرتبطة بأقوال وتصريحات انتقد فيها السلطات الإماراتية والسعودية والمصرية، علماً أن انتقاد السلطات، ومهما كان مسيئاً، فإن الحق بحرية التعبير يحميه، طالما أنه لا يحضّ على العنف والكراهية، وهذا الحق لبنان ملتزم به". وشددت حشاش على أنّ "الحق بحرية التعبير يحمي تحديداً الأفراد وليس كرامات السلطات التي يجب عليها مهما علت مناصبها أن يكون لديها مساحة أكبر لتعرّضها للانتقاد حتى لو كان الكلام مسيئاً".

من جانبه، يقول وديع الأسمر، رئيس المركز اللبناني لحقوق الإنسان لـ"العربي الجديد"، إنّ "قرار ترحيل القرضاوي كان صادماً ومفاجئاً لأنه ينتهك كل مبادئ القانون اللبناني كما الدولي وحرية التعبير". ويعتبر الأسمر أن "القرار ليس قضائياً، بل هو سياسي بحت، وصدر نتيجة ضغوط ترهيبية وترغيبية مورست على السلطات اللبنانية، وهنا لا ألوم الإمارات العربية المتحدة التي تعمل لمصلحتها، بغض النظر أني أعتبر أن معاقبة أي إنسان لرأي يدلي به هو أمر غير قانوني، لكن ألوم الدولة اللبنانية من رئيس الحكومة والوزراء الذين كانوا متحمّسين وصوّتوا لصالح القرار الذي يحتاج إلى أكثرية من مجلس الوزراء، وذلك ربما لحماية مصالح خارج لبنان، أو لضمان مصالح مستقبلية بعد انتهاء عهد الحكومة".

ويلفت إلى أن "هناك إشكاليات على صعيد التصويت، فالتوقيف جرى بناء على طلب نعتبره غير مكتمل وغير صالح للتوقيف، فهو مجرد ادعاء لسبب إبداء الرأي، كذلك وبحسب معلوماتنا فإن طلب الاسترداد الإماراتي أتى ناقصاً، وأُكمِل على وجه السرعة، وثالثاً، نحن نتكلم عن جريمة رأي لكنهم غلفوها بمادة إثارة النعرات، علماً أنه لم يحرّض أو يتكلم طائفياً، بل فقط أدلى بموقف سياسي".

ويشير أيضاً إلى أنه "إذا كان هناك إرادة بمحاكمته، فيحاكم إما في سورية أو تركيا أو لبنان، مع العلم أن لا اختصاص للبنان، والحكومة التي تقول إن لا اختصاص لها بمحاكمته تقوم بالوقت نفسه بترحيله إلى دولة لا اختصاص لها بمحاكمته، فهو مواطن تركي دخل إلى الأراضي اللبنانية بجنسية تركية، ولم يدخل كذلك بالجنسية المصرية".

ويشدد الأسمر على أنّ "القرار سياسي ومجحف بحق لبنان ويناقض واحدة من الأمور التي كنا نفتخر بها لبنانياً باعتبار البلد ملجأ للمضطهدين بسبب التعبير عن رأيهم لكن للأسف نرى اليوم عكس ذلك"، لافتاً إلى أن "هناك تحركاً كبيراً من جمعيات دولية ولبنانية لم يعطِ للأسف حتى الساعة نتيجة، لكننا نحاول مع محامي القرضاوي لنرى ما الإمكانيات لتنظيم طلبات بنقض القرار إن كان أمام مجلس الشورى أو قضاء العجلة".

ويؤكد الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي وعضو الجمعيتين الأميركية والأوروبية للقانون الدولي، أن قضية تسليم الناشط والشاعر عبد الرحمن القرضاوي تخضع لمبدأ تعدد الولايات القضائية في القانون الدولي، نظراً لارتباط القضية بأكثر من دولة. وأوضح الدكتور مهران في تصريحات لـ"العربي الجديد" أن المبادئ العامة في القانون الدولي تمنح الأولوية في التسليم للدولة التي ارتُكبت الجريمة على أراضيها، أو الدولة التي تضررت مصالحها بشكل مباشر من الجريمة المزعومة، مشيراً إلى أن هذا المبدأ مكرس في معظم الاتفاقيات الدولية للتعاون القضائي.

ولفت إلى أن المسألة تخضع لمنظومة قانونية متعددة المستويات، تشمل الاتفاقيات الدولية متعددة الأطراف، وخاصة اتفاقية الرياض العربية للتعاون القضائي، والتي تنص صراحة على عدم جواز التسليم في الجرائم السياسية، إضافة إلى الاتفاقيات الثنائية بين الدول المعنية، والقوانين الوطنية المتعلقة بتسليم المواطنين والأجانب.

وبيّن الخبير الدولي أنه في حالة وقف عملية التسليم، فإن الموقف القانوني يتيح عدة خيارات، منها إما محاكمة القرضاوي في لبنان إذا كانت الجريمة تخضع للولاية القضائية اللبنانية، أو إطلاق سراحه إذا لم تتوفر أسباب قانونية للاحتجاز، أو منحه حق اللجوء السياسي إذا توافرت شروطه القانونية.

كما أضاف مهران أنه في حالة تنفيذ التسليم للإمارات، فإن الإطار القانوني يتيح للإمارات محاكمة القرضاوي وفقاً لقوانينها، مع التزامها بمبدأ خصوصية التسليم الذي يمنع محاكمة الشخص عن جرائم غير تلك التي سُلم من أجلها، كما يحفظ لمصر حقها في المطالبة بتسليمه لاحقاً باعتباره مواطناً مصرياً، فضلاً عن أن حصول القرضاوي على الجنسية التركية يضيف بُعداً قانونياً جديداً للقضية، حيث يحق لتركيا أيضاً التدخل لحماية مواطنها والمطالبة بحقوقه القانونية.

خبراء قانون: الجرائم السياسية لا تخضع للتسليم حتى مع وجود اتفاقيات ثنائية

وأكد أستاذ القانون الدولي أن قرار التسليم يجب أن يستند إلى وجود أدلة قانونية كافية على ارتكاب جريمة محددة تستوجب التسليم، وأن تكون هذه الجريمة منصوصاً عليها في الاتفاقيات الثنائية أو متعددة الأطراف بين الدول المعنية. وشدد الدكتور مهران على أن القانون الدولي يشترط في حالات التسليم أن تكون الجريمة المطلوب التسليم من أجلها معاقباً عليها في قوانين جميع الدول المعنية، وأن تكون العقوبة المقررة لها متناسبة في هذه الدول.

وفي السياق ذاته، أضاف الخبير الدولي أن وجود اتفاقيات ثنائية للتعاون القضائي بين الدول المعنية يحدد آليات وإجراءات التسليم، مؤكداً أن هذه الاتفاقيات تضع ضوابط محددة لعملية التسليم وتضمن حقوق المتهم في المحاكمة العادلة. كما أشار مهران إلى أن المبدأ المستقر في القانون الدولي هو عدم جواز التسليم في الجرائم السياسية، مؤكداً أن هذا المبدأ يعد من النظام العام الدولي ولا يجوز مخالفته حتى في حال وجود اتفاقيات ثنائية.

وشدّد على أن الفصل في قضية التسليم يجب أن يراعي الأدلة القانونية المتوفرة وطبيعة الجريمة المزعومة وجسامتها وارتباطها بالدول المختلفة، مع ضرورة احترام الضمانات القضائية وحقوق الإنسان الأساسية. وأنهى مهران حديثه بأن مصر تمتلك الحق القانوني في المطالبة بتسلم القرضاوي باعتباره مواطناً مصرياً، مرجحاً إمكانية تسليمه لمصر لاحقاً بعد استكمال الإجراءات القانونية في الإمارات، خاصة في ظل العلاقات الثنائية القوية والتنسيق الأمني المستمر بين البلدين، ووفقاً لوقائع سابقة.

وهو الأمر ذاته الذي أيده رئيس قسم القانون العام بكلية الحقوق جامعة القاهرة الدكتور رأفت فودة، والذي أكد في تصريحات لـ"العربي الجديد" أن المسألة الفاصلة والحاكمة في هذا الأمر هو تصنيف التهمة الموجهة إلى عبد الرحمن يوسف القرضاوي، فإذا كانت قضية جنائية فالقوانين والاتفاقيات الدولية تبيح عملية التسليم، أما إذا كانت القضية ذات خلفية أو بعد سياسيين، فإنه في هذه الحالة لا يجوز التسليم والمحاكمة.

كما أكد الخبير القانوني والمحامي الحقوقي ناصر أمين، رئيس المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة بمصر، في تصريحات لـ"العربي الجديد" أن المسألة الحاكمة والمنظمة لمسألة تسليم المطلوبين تخضع إلى اتفاقية القضاء العربي الموقعة عام 1967.

المساهمون