ما بعد الإقفال... عودة ترسمها قواعد الوقاية من كورونا

16 يونيو 2020
تنظيف وتعقيم ووقاية (حسين بيضون)
+ الخط -

بلدان كثيرة تعود إلى الحياة بعد إقفال عام لكثير من القطاعات، طوال أسابيع وربما أشهر، مع حجر منزلي، وحظر تجول. إقفال كان هدفه السيطرة على انتشار كورونا، فماذا عن تدابير ما بعد فتح القطاعات؟

لم تكن عودة الحياة وإن بشكل تدريجي في معظم دول العالم، نقلة عادية، في ظلّ استمرار انتشار وصعود فيروس كورونا الجديد، في كثير من الدول، وعدم التوصل إلى علاج جذري لهذا الوباء العالمي، فقد باتت الكمامة من ضروريات الحياة اليومية ودخلت حتى في عالم الموضة والأزياء. وفي وقت بدأت غالبية مدن العالم استعادة دورتها الاقتصادية وحركتها اليومية المعتادة ما قبل كورونا، تبلورت هواجس ومشاعر القلق لدى البعض حول سلامة الخروج من المنزل وكيفيّة التصرّف والوقاية، في حين رحّب البعض الآخر بانتهاء فترة الحجر المنزلي وانطلاقه مجدّداً إلى الحياة، وانبرى آخرون يردّدون شكوكهم حول حقيقة وجود هذا الفيروس أو عدمها، ما يدخل في نظريات المؤامرة التي كثرت في الآونة الأخيرة، وأصابت واحدة منها مؤسس شركة "مايكروسوفت" بيل غيتس، المتهم بمحاولات جعل التلقيح ضد الأمراض إلزامياً، وبمحاولة زرع شرائح إلكترونية في أجساد البشر. وهو ما اضطره للردّ ونفي كثير من العناصر التي قال إنّ بعضها مضحك حتى.

مواجهة فردية
في اتصال مع "العربي الجديد"، تؤكّد الاختصاصية في الأمراض الجرثومية والمعدية، الدكتورة غنوة الدقدوقي، من لبنان، أنّ "العودة إلى الحياة العادية يجب أن تكون بشكل تدريجي مع الحفاظ على معايير عديدة من بينها وضع الكمامة كون فيروس كورونا الجديد، ينتقل عبر التنفس، مع التزام التباعد الاجتماعي والجسدي، وغسل الأيدي، وتنظيف المسطّحات، وتعزيز جهاز المناعة من خلال النوم الجيد والغذاء الصحي". تتابع: "إن لم نلتزم بهذه المعايير، فإنّ العودة ستكون كارثية، لا سيّما مع استمرار تسجيل إصابات يومية بالفيروس"، لافتةً إلى أنّ "معظم دول العالم بدأت بإعادة فتح مرافقها ومؤسّساتها لكن ضمن ضوابط معيّنة، لكنّ الخطأ الذي سنرتكبه جميعاً، وقد بدأ البعض بارتكابه، هو الشعور بأنّ الفيروس ليس سوى كذبة أو مؤامرة فهو غير موجود بنظرهم... نؤكّد أنّها أفكار خاطئة، إذ إنّ فيروس كورونا خطر حقيقي يهدّد العالم والصحة، وقد رأينا انتشاره الواسع حول العالم وكيف شلّ الاقتصاد وسجّل نسبة وفيات مرتفعة".

تتوجّه الدقدوقي بنصيحة مفادها "عدم التوجّه إلى المسابح والمجمعات والأماكن المكتظة، فمشكلة المسابح تكمن في انعدام التباعد الاجتماعي الآمن، وسنشهد تقارباً فيها بين الأشخاص على مسافة أقل من مترين، سواء ضمن بركة السباحة أو خارجها، ما يسبّب انتقال العدوى من شخص قد يكون مصاباً من دون عوارض، ما يعني أنّ الكلور في المياه لن يحلّ المشكلة". وتعتبر أنّ "أيّ مكان مكتظ هو مكان خطير على صحة الإنسان، وبالتالي علينا التنبّه والتزام القواعد العامّة والحيطة والحذر، مثلاً عدم ارتياد المطاعم التي لا تلتزم بنسبة 50 في المائة من الإشغال، لا سيّما بعض المطاعم الضيقة غير الآمنة، والباصات ووسائل النقل العام غير الملتزمة بمعايير الوقاية. كذلك، يجب الامتناع عن دخول أيّ محل تجاري مكتظ إنّما الانتظار خارجاً، ناهيك عن الأماكن المخصّصة لألعاب الأطفال والتي يجب تفاديها في هذه الفترة، كون آلية تعقيمها وتنظيفها بشكل مستمر غير عملية". وتختم الدقدوقي بالقول: "يتمثّل عنوان هذه المرحلة بضرورة التحلّي بالمسؤولية الفردية لمواجهة فيروس كورونا".



تغيير السلوك
من جهته، يؤكّد رئيس مختبر ميكروبيولوجيا الصحة والبيئة التابع للمعهد العالي للعلوم والتكنولوجيا وكلية الصحة العامة في "الجامعة اللبنانية" الدكتور منذر حمزة، أنّنا "كنّا في البداية في مرحلة الصدمة الوبائية وكان الحجر المنزلي ضرورياً باعتباره الحلّ المنطقي والعلمي الوحيد، ولو لم يتمّ ذلك لكنّا شهدنا وضعاً كارثياً وانهياراً كاملاً للمؤسّسات الصحية والاستشفائية". يقول لـ"العربي الجديد": "لن يكون بإمكان الأفراد ملازمة منازلهم فترة سنة، فذلك يؤدّي إلى تداعيات اقتصادية واجتماعية كارثية، لذلك لا بدّ من عودة الحياة تدريجياً لكن مع تغيير سلوكنا الاجتماعي، لناحية الحذر والتنبّه ووضع الكمامة بشكل أساسي في الأماكن المغلقة وأماكن التجمع والاكتظاظ واعتبارها جزءاً أساسيّاً من حياتنا اليومية، إذ إنّ الوباء ما زال موجوداً والفيروس يُعدّ جديداً ولا يوجد له حتى اليوم أيّ لقاح أو علاج فعّال". 



يشدّد على "أهمية التحلّي بالمسؤولية الأخلاقية لناحية النظافة الشخصية وغسل اليدين باستمرار، وعدم إقامة التجمّعات الضخمة، والالتزام بالتباعد الاجتماعي، واحترام مفهوم العدد المحدّد في كلّ مكان، إذ إنّ المكان الأخطر لانتقال العدوى هو كلّ مكان مغلق يتجمّع فيه الأفراد من دون كمامات، سواء في المصارف، والمدارس والجامعات، ووسائل النقل، والمطاعم والمقاهي، وصالات الأفراح والمناسبات، أو غيرها، خصوصاً أنّ تشغيل أجهزة التكييف صيفاً يمكن أن يتسبّب في انتقال العدوى إلى الجميع".

يدعو حمزة المرافق السياحية والتجارية والمسابح والمطاعم كافة إلى إلزام موظّفيها بالكمامات والتعقيم والنظافة وتوزيع الطاولات وغيرها وفق التباعد المطلوب على مسافة متر ونصف متر ومنع الازدحام، كما إقامة الفعاليات والمناسبات في مساحات خارجية مفتوحة مع التزام المعايير الوقائية من قياس حرارة كلّ شخص عند المدخل والاستفسار عن صحته وإن كان يشكو من عوارض الفيروس. ويعتبر أنّ "الحضانات والأماكن المخصّصة لألعاب الأطفال تبقى مسألة دقيقة وجدلية تتطلّب كثيراً من الاحتياطات، إذ لا يمكن إلزام الأطفال بالتباعد الاجتماعي".



قلق من المجهول
وفي سياق متصل، تتحدث المتخصصة في علم النفس الاجتماعي، جومانة الأعور جِفرز، عن "انعكاسٍ حتمي لهذه المرحلة على غالبية الشعوب لا سيّما بعد فترة الحجر المنزلي القسري التي فرضت خيار ملازمة البيوت من دون سواه في ظلّ إغلاق تام لمفاصل الحياة كافة، غير أنّ المرحلة الحالية على إيجابيّتها لناحية عودة الحياة، تثير لدى العامّة شعور القلق والخوف من المجهول ومن الاحتكاك والاكتظاظ، إذ يتساءلون عن السلوكيات السليمة وعن ما يجب تفاديه والحذر منه". وتعتبر في اتصال مع "العربي الجديد" أنّ "التغيير المفاجئ المتمثل بعودة الحياة في معظم دول العالم بدا كأنّه صفعة تتطلّب الوقت الكافي للتأقلم معها خصوصاً في ظلّ الضبابية السائدة، ما يحتّم علينا سلوكيات تراعي قناعاتنا وتعزّز طمأنينتنا، بينها تفادي المصافحة والمعانقة والقبلات، والاعتذار بشكل لطيف عن تلبية الدعوات، والاكتفاء بزيارة الأشخاص الذين يتّبعون الإجراءات الوقائية، والالتزام بالتباعد الاجتماعي كحقيقة ثابتة لا يمكن تجاهلها، واعتماد الكمامة وطرق الوقاية والتعقيم باعتبارها عادات مجتمعية يومية ونمط حياة دائماً، في ظل استمرار انتشار الفيروس".

تتابع الأعور جِفرز: "تبقى العودة الآمنة لحياتنا الطبيعية مرهونة بمدى اتباعنا الإجراءات الاحترازية والتنبّه سواء في المطاعم والمقاهي أو الأسواق التجارية أو المسابح والشواطئ أو الحدائق العامة أو أيّ مكان آخر، ففي النهاية كلنا نحتاج إلى الشمس والحياة والتجدّد لكن برفقة الكمامة ومواد التعقيم. ولا خجل من مغادرة المطعم أو المسبح أو غيره في حال عدم وضع النادل والموظفين الكمامات والقفازات أو انعدام التباعد المطلوب بين الطاولات. كما أنّ من الأفضل تفادي هذه الأماكن خلال إجازة نهاية الأسبوع نظراً لازدحامها".



وعن الأماكن المخصّصة لألعاب الأطفال، توضح أنّ "من الأفضل تعقيم الألعاب وأيادي الأطفال قبل وبعد انتهاء كلّ لعبة، كما تزويدهم بالكمامات وتوعيتهم حول سبل الوقاية لكن من دون زرع الخوف في قلوبهم". تؤكد على أهمية "عدم اصطحاب الأطفال إلى الأماكن المكتظة وفي نفس الوقت عدم احتجازهم في المنزل، إنّما اصطحابهم إلى الحدائق للتمتّع بأجواء الطبيعة، لا سيّما إن كانوا يعيشون في شقق سكنية كما هي حال سكان المدن".
دلالات