لا يخفي أهالي السويداء السورية مخاوفهم من تفاقم الأوضاع فيها، لا سيّما بعد الاحتجاجات الأخيرة التي قامت قبل أسبوع واحد في وجه النظام السوري الذي عمد إلى استنهاض شارع في وجه آخر في محاولة لإبقاء سيطرته على المنطقة.
غير اعتيادية تبدو الحركة في سوق الشعراني، وسط مدينة السويداء في جنوب سورية، والذي يصل امتداده إلى ساحة سلطان باشا الأطرش حيث يقع مقرّا محافظة السويداء وقيادة الشرطة. عند أبواب المحال التجارية، يقف أصحابها والعاملون فيها ويراقبون المارة القلائل في الشارع فيما تدور النقاشات بينهم حول التظاهرات الأخيرة التي انطلقت يوم الأحد الماضي في السابع من شهر يونيو/ حزيران الجاري وحول توقّعاتهم لردود فعل النظام السوري، وذلك فيما أثار إجبار النظام الموظفين والطلاب على الخروج في مسيرة مؤيّدة له يوم الأربعاء الماضي في العاشر من الشهر نفسه تخوّفاً كبيراً. فالأمر يُفسّر على أنّه توجّه من قبل النظام إلى خلق حالة صدام بين المتظاهرين المعارضين وهؤلاء الموالين من أبناء المحافظة الواحدة، علماً أنّ تلك مسيرة انتهت بإطلاق عنصر أمني النار على أحد الناشطين المشاركين في التظاهرات من دون إصابته عقب محاولة اعتقال فاشلة.
ينادي سامر معروف (اسم مستعار) وهو شاب عشريني، على بضاعته المكدّسة على بسطة لبيع الملابس في شارع الشعراني. وسامر خسر دراسته الجامعية، علماً أنّه استنكف عن الخدمة العسكرية الإلزامية في القوات النظامية. يقول لـ"العربي الجديد": "يريدون أن يذبح بعضنا بعضاً. النظام يريد أن يخلق اقتتالاً داخلياً بين الدروز أنفسهم". وهذه المخاوف يتشاركها دروز السويداء بمعظمهم، نظراً إلى ما يتميّز به هذا المجتمع من روابط عائلية متشابكة مستندة إلى العقيدة الدينية، الأمر الذي حمى أبناءه من الاعتقال ومن هجمات المجموعات المتشددة في خلال السنوات الأخيرة. يضيف معروف أنّ "النظام يجبر الموظفين وطلاب الجامعات على النزول إلى الشارع بالتهديد والوعيد، إن بالفصل أو الملاحقة، وقائمة الاتهامات جاهزة لكلّ شخص. وهو يجبرهم على الهتافات المؤيّدة له ويدفعهم إلى التصادم مع المتظاهرين، ليأتي في النهاية ويفرض سيطرته الأمنية على المحافظة". ويلفت إلى أنّ "المجتمع في السويداء محكوم بعلاقات عائلية ومناطقية، وأيّ صدام بين أبناء العائلات أو المناطق يشكّل خطراً في ما يتعلق بوقوع انقسامات، على الرغم من أنّ العقلاء والوجهاء المحليين ما زالوا قادرين حتى اليوم على احتواء مثل هذه النزاعات".
من جهته، يشعر أبو إبراهيم (63 عاماً)، وهو صاحب محل تجاري في سوق الشعراني، بالقلق من أن تعيش السويداء تجارب سبق أن عاشتها المحافظات السورية بمعظمها في خلال السنوات الأخيرة. ويقول لـ"العربي الجديد": "كأنّني أرى اليوم أحداث عام 2011 تُستعاد. مجموعة شباب تتظاهر فيردّ النظام بالاعتقالات والترهيب، ثمّ تقام مسيرات تأييد لإظهار جماهيرية النظام، وبعدها يبدأ العنف فيُقتل شخص من هنا وآخر من هناك. عندها تتسارع الأحداث لتتحوّل إلى معارك". يضيف أبو إبراهيم أنّ "وضع الناس والبلد لا يحتمل حرباً جديدة ودماراً جديداً، ويقع الجوع والعوز إلى جانب الحرب والنزوح، وفي النهاية يغدرنا المجتمع الدولي. ونحن في السويداء، خيار النزوح ليس مطروحاً أمامنا، بالتالي نصير جميعاً في مواجهة السلطة".
أمّا أبو فارس الخمسيني فيرى أنّ "النظام يترقّب الفرصة لينتقم من السويداء التي حجّمت سطوته الأمنية، وقد منعته حركة رجال الكرامة وبعض الفصائل المحلية من اعتقال المعارضين السياسيين والمستنكفين عن الخدمة العسكرية، وأشعرته بعجزه". ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ "النظام يحاول دائماً تهديد السويداء عبر أزلامه وما ينشرونه بين الناس، من قبيل أنّه إذا خرج من المحافظة وقطع طريق الشام فسيموت أهالي السويداء من الجوع. يُضاف إلى ذلك التهديد بقطع رواتب الموظفين وفصلهم من العمل، في حين تُعَدّ شريحة الموظفين الكبرى بين العاملين في المحافظة".
بالنسبة إلى المهندس جلال الثلاثيني الذي تحفّظ عن ذكر اسم عائلته، وهو موظف في إحدى مؤسسات الدولة، فإنّه "تخشى شريحة واسعة من أهالي السويداء أن يعمد النظام إلى معاقبة السويداء على خلفيّة التظاهرات الأخيرة، عبر تهديد موظفيها بالفصل أو فرض حصار غير معلن عليها للضغط على المجتمع لقمع المتظاهرين". ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ "النظام يحاول الضغط على الموظفين للنزول إلى الشارع ووضعنا أمام المتظاهرين. المشكلة تكمن في أنّ الوضع الاقتصادي سيئ جداً، والراتب هو مصدر الدخل الوحيد لموظفين كثيرين، على الرغم من أنّه مبلغ زهيد بالمطلق وقيمته الشرائية باتت شبه معدومة، لكنّه يسمح للفقير أن يشتري الخبز على أقلّ تقدير". وعن الإجراءات التعسفية بحقّ الموظفين أخيراً، يشير إلى أنّ "النظام فصل في خلال الأيام الماضية موظفيَن اثنَين، الأوّل لمشاركته في الوقفات الاحتجاجية التي قامت قبل أشهر عدّة والثاني لأنّه كتب منشوراً ينتقد فيه مسؤولي النظام على صفحته الشخصية على موقع فيسبوك، علماً أنّه سبق أن فصل مئات الأشخاص في خلال السنوات الماضية بسبب آرائهم".
وتكثر المخاوف بين أهل المحافظة وفق ما يؤكد خالد العشريني الذي تحفّظ عن ذكر اسم عائلته، وهو ناشط من أبناء مدينة السويداء. ويشير لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "المخاوف لا تتلخّص بتوفير المأكل والمشرب، إنّما الخشية هي من افتعال النظام مشكلة أمنية كبيرة تهزّ المحافظة، كأن يفتح الطريق أمام تنظيم داعش الإرهابي في الريف الشرقي مثلاً، وهو سبق أن أوصل دواعش جنوب دمشق إلى ريف السويداء الشرقي بعد أن خفّف من وجوده العسكري في المنطقة حتى سمح لهم بارتكاب مجزرة راح ضحيتها أكثر من 250 شخصاً، استشهدوا بمعظمهم وهم يدافعون عن الجبل بأسلحة خفيفة وسط غياب القوات النظامية. وقد تسبّب ذلك باشتباك ما بين عناصر الفيلق الخامس في بصرى الشام بريف درعا الشرقي وأهالي قرية القريا، وحتى اليوم لم يحرّك ساكناً لإرجاع الأراضي التي سيطر عليها الفيلق إلى الفلاحين".
وتشهد السويداء منذ أيام عدّة حالة من القلق والتوتّر من جرّاء خروج تظاهرات مناهضة للنظام استحضرت شعارات الثورة السورية في بداياتها، فطالبت بإسقاط النظام ورحيل رئيسه بشار الأسد وخروج إيران وروسيا من سورية. وعلى الرغم من عدم وقوع صدامات مع الأجهزة الأمنية، فإنّ دورية مشتركة من الأمن الجنائي والأمن السياسي قامت باعتقال الناشط رائد الخطيب؛ أحد المشاركين في التظاهرات، يوم الثلاثاء الماضي، فيما دعا النظام إلى وقفة تضامنية مع رأس النظام بعدها بيوم واحد، في حين كان عشرات المتظاهرين يهتفون ضدّ النظام على بعد عشرات الأمتار. يُذكر أنّ السويداء شهدت في خلال الأشهر الماضية وقفات احتجاجية عدّة بعد تدهور في الأوضاع المعيشية بسبب ارتفاع الأسعار بشكل جنوني بالتزامن مع انهيار قيمة الليرة السورية، وآخرها قبل أسابيع، إلا أنّ مخاطر تفشّي فيروس كورونا الجديد دفعت المنظمين إلى تعليق النشاط.