قبل حلول شهر رمضان، تأثّرت الكثير من المهن في قطاع غزة بالتدهور الاقتصادي بالتوازي مع أزمة كورونا. ونتيجة فرض حالة الطوارئ، تعطلت أعمال كثيرة. كل ما سبق انعكس أيضاً على المهن الموسمية في القطاع، التي يتّكل عليها العاملون فيها لتأمين الرزق لأشهر عدة. إحدى أبرز المهن الموسمية في غزة هي بيع النباتات والحشائش أو ما يُسمّى بـ"الذهب الأخضر" في القطاع. مهنة تعتاش منها الكثير من الأسر ذات الدخل المحدود، وتُباع في مختلف الأسواق. لكن هذا العام، تراجع البيع، ولم يكن أمام الباعة غير التجوّل بين الأحياء والأسواق علّهم يظفرون ببعض الزبائن.
خلال العام الماضي، وعلى الرغم من القصف الإسرائيلي على مدار ثلاثة أيام، كان البيع جيداً نسبياً في الأسواق والتقاطعات. يقول البائع أحمد السكني (41 عاماً) إنه كان هناك نحو 50 بائعاً يعملون في سوقي الزاوية وفراس اللذين يعتبران من أهم الأسواق التاريخية في القطاع. لكنّ هذا العام، تراجع عدد البائعين. السكني من الذين يعملون في هذه المهنة الموسمية خلال شهر رمضان منذ عشر سنوات. يبيع البقدونس والجرجير والجرادة الخضراء والكزبرة والفجل والبصل الأخضر، إلا أن الظروف الاقتصادية المتردية صعّبت المهمة عليه هذا العام.
يقول السكني لـ"العربي الجديد": "سكان غزة يعتبرون هذه النباتات بمثابة مُحلّيات لموائد الإفطار والسحور، بل إنها من الأساسيات. لكن هذا العام تراجع الإقبال عليها بمعدل النصف. للأسف الحركة خفيفة. في أول يوم من رمضان عدت إلى المنزل ومعي 50 ربطة من هذه النباتات، واضطررت إلى بيعها مساء عند تقاطع الشجاعية من دون ربح".
العاملون في هذه المهنة الموسمية يتجولون في الأحياء والأسواق لبيع هذه الحشائش، على عكس العام الماضي، إذ كانوا يتمركزون في نقاط معينة ويأتي الناس إليهم للشراء. مثل السكني، يعمل موسى الإمام (39 عاماً) وأبناؤه في بيع الحشائش في شارع عمر المختار في غزة. يقول لـ"العربي الجديد": "لم أبع الكثير في أول يومين، ولا يمكن تركها تبيت. لذلك، قررت ألا أبقى أمام البسطة. عند الساعة الثالثة عصراً، أتجول في الأحياء لبيعها، وكذلك يفعل أبنائي في حي الشجاعية".
كلفة ربطة النباتات أقل من نصف دولار، كما يوضح السكني. كان معظم أهالي القطاع يقبلون على شرائها من السوق. وكان البعض يأتي إلى الأسواق لعيش أجواء رمضان وشراء بعض الحاجيات منها الحشائش، إلا أن هذا العام قد يكون الأسوأ. وبائعو الحشائش والنباتات يعانون، حالهم حال البائعين الآخرين في الأسواق. إضافة إلى ضعف الإقبال على الشراء، واجهوا صعوبات في جلب بذور هذه الحشائش بسبب إغلاق عدد كبير من المشاتل الزراعية إثر حالة الطوارئ. وعادة ما تُزرع في مشاتل صغيرة قرب المنازل أو في المزارع المستأجرة.
يقول جهاد النجار (32 عاماً) إنه يجلب تلك الحشائش من أحد أصحاب المشاتل في جنوب قطاع غزة. حالة الطوارئ المعلنة في الوقت الحالي أدّت إلى ضعف الإقبال على شرائها، علماً أنه يملك أربع بسطات في سوق الشيخ رضوان في مدينة غزة وسوق جباليا شمال قطاع غزة. قلّل النجار من الكمية التي يعرضها للبيع هذا العام بعد اليوم الثالث من رمضان، وقد اضطر إلى رمي ثلث الكمية التي جلبها في صباح اليوم الأول من شهر رمضان. ويشير إلى أن الناس هذا العام لم يشتروا التمور أو المشروبات التي عادة ما تكون أساسية خلال رمضان. وهو، حاله حال الكثير من الباعة، تضرّر في ظل عدم قدرة الناس على الشراء. ويوضح النجار لـ"العربي الجديد": "نحن العاملون في المهن الموسمية الأكثر تضرراً. كنّا ننتظر شهر رمضان لأن رزقه يكفينا لأكثر من شهر. لكن للأسف، فإن جائحة كورونا لم ترحم أحداً ولم تفرق بين رمضان وغيره. لكن نحاول بيع ما تيسّر لتأمين الاحتياجات الأساسية لعائلاتنا".
تجدر الإشارة إلى أنّ الجهاز المركز للإحصاء الفلسطيني أعلن أن عدد العاطلين من العمل لدى الفئة العمرية 15 سنة فما فوق بلغ 334,100 شخص في الربع الثالث من عام 2019، بواقع 217,100 شخص في قطاع غزة و117,000 شخص في الضفة الغربية. وما زال التفاوت كبيراً في معدل البطالة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، إذ بلغ 45 في المائة في قطاع غزة مقارنة بـ 13 في المائة في الضفة الغربية.