ليس التغلب على كورونا سهلاً. فجأة، تغيرت يوميات الناس، وصاروا ممنوعين من الخروج، ما ينعكس بلا شكّ على صحتهم النفسية
بعد انتشار فيروس كورونا الجديد، فرضت حكومات الدول حول العالم إغلاقاً شبه تام للحد من انتشار الفيروس (وإن بدأ التخفيف تدريجياً من هذه الإجراءات أخيراً)، بيد أنّ هذا التغيير الإلزامي والمفاجئ لسلوك الناس كان له ثمن باهظ طاول جوانب مختلفة من الحياة الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، وزاد معدّلات البطالة والطلاق والعنف المنزلي وحالات الاكتئاب وإيذاء الذات حول العالم. فكيف يمكن التخفيف من تداعيات هذه الأزمة على الصحة النفسية؟ وما هي أسباب اللجوء إلى السلوكيات السلبية؟ وهل يمكن أن نصل إلى مرحلة تصبح معها حالة الإغلاق أكثر خطراً على المجتمع من فيروس كورونا؟
يقول المتخصّص في علم النفس والمعالج بالتنويم المغناطيسي ومدير عام مؤسسة الرازي للتشخيص والعلاج والتأهيل علي بدارنة، لـ "العربي الجديد": "المرحلة التي نمرّ بها اليوم يمكن تصنيفها ضمن الحالات الطارئة، مثل الكوارث الطبيعية كالزلازل أو انفجار البراكين، مع فارق هو الغموض الذي يكتنفها. حتى اليوم، ما زلنا نجهل ما ستؤول إليه الأمور، ونعجز عن تحديد مدّة هذه الجائحة ونقطة نهايتها. أمام هذا الشعور بالعجز، نرى الناس يتخبّطون ويفكّرون في سيناريوهات متنوّعة، منها عودة الفيروس في فصل الشتاء أو السنوات المقبلة. ويحاول كلٌّ من موقعه إيجاد الحلول مثل السياسيين والعلماء والأطبّاء".
اقــرأ أيضاً
ويلفت بدارنة إلى أنّ الغموض يزيد أيضاً من حالات الخوف والقلق وانعدام الأمان، فضلاً عن إحساسنا بالعجز عن السيطرة على هذه الأزمة. ويوضح أنّ تعامل كل منّا مع الحالات الطارئة يختلف، حتى لو كنّا نعيش التجربة ذاتها. ويؤكّد أنّ "إرغامنا على تغيير سلوكياتنا يؤثّر علينا بوسائل مختلفة، لأنّه لم يأت بمشيئتنا أو اختيارنا، مثل البقاء في المنزل ووضع الكمامة، بل فُرض علينا بحسب كل دولة. وهذا الوضع يختلف عن تبديل سلوكياتنا في الحالات الطارئة الأخرى، إذ نختار بمشيئتنا ما نريد القيام به بعد الاستماع إلى توجيهات وإرشادات المعنيين بالموضوع".
ومن الطبيعي بروز سلوك آخر جديد بعد انتهاء هذه الأزمة. يقول: "يمكن تقسيمه إلى قسمين؛ الأوّل إيجابي، إذ سيكتفي الناس بعد انتهاء هذه الجائحة بالقليل وسيقدّرون قيمة الأشياء أكثر، كما سيعيدون النظر في سلوكياتهم الاستهلاكية، من خلال نظرتهم إلى المستقبل وكيفية مساهمتهم في حماية البيئة، خصوصاً بعدما لمسوا انخفاض مستويات التلوّث في العالم. والثاني سلبي، ويمكن أن يجد البعض صعوبة في العودة إلى حياتهم الطبيعية، لأسباب تتعلّق بالمناعة الاقتصادية والاجتماعية والنفسية وكيفية تعامل كلّ شخص مع الجائحة".
و"المناعة الاقتصادية" بحسب بدارنة، تعني خسارة عدد كبير من الناس وظائفهم وبالتالي فقدان الأمان الاقتصادي. يلفت إلى أن "هؤلاء قد يعجزون عن العودة إلى حياتهم الطبيعية، لذلك ينبغي عليهم الانتقال من العجز إلى البحث عن بديل يقوم على الفعل والمبادرة والانشغال، فالوضع الطارئ يتطلب منا اليوم تعاملاً مختلفاً". ويرى أنه "من المفيد جداً من الناحية الصحية أن يحافظ الإنسان على الأمان الاقتصادي ولو جزئياً، أي أن يعمل في أي مهنة"، ما يعني أنّ الإنسان أمام خيارين: القيام بأمر ما أو الاستسلام والشعور بالعجز والاكتئاب والخوف وفقدان الأمان وبالتالي اللجوء إلى العنف. يضيف أنّه يعرف أشخاصاً رفضوا الاستسلام، وبدأوا بالفعل تعلّم مهن جديدة، مثل الكتابة أو الطبخ أو القيام بأبحاث، ما يعني أنّهم اختاروا الانشغال بأمور مفيدة وتطوير الذات من خلال خوض تجارب جديدة لم يفكّروا بها من قبل أو لم يسمح لهم الوقت بالقيام بها. ويكمل أنّه، كلّما تمتع الإنسان بمناعة نفسية أقوى، وتعامل بشكل علمي وبهدوء أكبر مع هذا الوضع الطارئ لجائحة كورونا، عاد بسرعة أكبر لحياته الطبيعية في ما بعد.
ويتحدث بدارنة عن الدور الذي يلعبه الخوف، قائلاً إن الإنسان يموت أحياناً من الخوف وليس من المرض. يضيف: "يمكن ألّا نموت من كورونا، لكن الخوف والحذر الشديدين والمبالغ فيهما يمكن أن يساهما في أذيتنا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة". ويقول إنّه من الناحية الطبية، العيش في حالة توتر وهلع يؤدي إلى إفرازات في الجسم، إذ تفرز بواسطة الغدة الكظرية هورمون الكورتيزول المسؤول عن مستويات التوتر في الجسم، ما قد يؤدي إلى زيادة السكر في الدم ورفع ضغط الدم وأمراض ومشاكل في القلب والجهاز العصبي. لكن في إمكاننا مواجهة هذه الظروف أو تجنّبها عبر الهدوء والتنفّس بشكل صحيح، إذ إن قدرة الإنسان على التقليل من إفراز الكورتيزول وزيادة إفراز الهورمونات الإيجابية تهدئ من دقات القلب وتجعل الشخص أكثر هدوءاً.
ويُحذّر بدارنة من تداعيات الحجر الذي زاد من حدّة العنف داخل الأسرة، والعنف ضد النساء والأطفال. ويقول: "المشكلة أنّ العنف سيستمر حتّى بعد انتهاء كورونا، وأنّه لن يكافح عالمياً كما يفعل العالم في مواجهة كورونا، بل سيستمر وسيكون هناك الكثير من الضحايا من الأطفال والنساء وكبار السن والضعفاء". ويلفت إلى أنه "ما من معيار للشخص العنيف بل يمكن أن يكون أي شخص، بغض النظر عن المستوى الثقافي أو العمر أو الوظيفة". ويدعو الطواقم الطبية التي تستقبل المرضى في المستشفيات للانتباه إلى حالات العنف في حال حضور أطفال أو نساء أو أشخاص مستضعفين.
اقــرأ أيضاً
وعن شرائح المجتمع الأكثر تضرراً، يقول بدارنة إنّ الفقراء هم بالتأكيد الأكثر تضرراً من كلّ وباء أو مشكلة أو كارثة تواجه المجتمعات، لأنّ مناعتهم الاقتصادية والنفسية والمجتمعية أقل، وعناية السلطات بهم أقل. ويختم بدارنة قائلاً: "في حال عودة الفيروس، سيتعامل الناس معه بحدة أقل، كونهم طوّروا مناعة نفسية وأصبحوا أكثر استعداداً له، كما أن السلطات أصبحت على دراية في كيفية التعامل معه".
بعد انتشار فيروس كورونا الجديد، فرضت حكومات الدول حول العالم إغلاقاً شبه تام للحد من انتشار الفيروس (وإن بدأ التخفيف تدريجياً من هذه الإجراءات أخيراً)، بيد أنّ هذا التغيير الإلزامي والمفاجئ لسلوك الناس كان له ثمن باهظ طاول جوانب مختلفة من الحياة الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، وزاد معدّلات البطالة والطلاق والعنف المنزلي وحالات الاكتئاب وإيذاء الذات حول العالم. فكيف يمكن التخفيف من تداعيات هذه الأزمة على الصحة النفسية؟ وما هي أسباب اللجوء إلى السلوكيات السلبية؟ وهل يمكن أن نصل إلى مرحلة تصبح معها حالة الإغلاق أكثر خطراً على المجتمع من فيروس كورونا؟
يقول المتخصّص في علم النفس والمعالج بالتنويم المغناطيسي ومدير عام مؤسسة الرازي للتشخيص والعلاج والتأهيل علي بدارنة، لـ "العربي الجديد": "المرحلة التي نمرّ بها اليوم يمكن تصنيفها ضمن الحالات الطارئة، مثل الكوارث الطبيعية كالزلازل أو انفجار البراكين، مع فارق هو الغموض الذي يكتنفها. حتى اليوم، ما زلنا نجهل ما ستؤول إليه الأمور، ونعجز عن تحديد مدّة هذه الجائحة ونقطة نهايتها. أمام هذا الشعور بالعجز، نرى الناس يتخبّطون ويفكّرون في سيناريوهات متنوّعة، منها عودة الفيروس في فصل الشتاء أو السنوات المقبلة. ويحاول كلٌّ من موقعه إيجاد الحلول مثل السياسيين والعلماء والأطبّاء".
ويلفت بدارنة إلى أنّ الغموض يزيد أيضاً من حالات الخوف والقلق وانعدام الأمان، فضلاً عن إحساسنا بالعجز عن السيطرة على هذه الأزمة. ويوضح أنّ تعامل كل منّا مع الحالات الطارئة يختلف، حتى لو كنّا نعيش التجربة ذاتها. ويؤكّد أنّ "إرغامنا على تغيير سلوكياتنا يؤثّر علينا بوسائل مختلفة، لأنّه لم يأت بمشيئتنا أو اختيارنا، مثل البقاء في المنزل ووضع الكمامة، بل فُرض علينا بحسب كل دولة. وهذا الوضع يختلف عن تبديل سلوكياتنا في الحالات الطارئة الأخرى، إذ نختار بمشيئتنا ما نريد القيام به بعد الاستماع إلى توجيهات وإرشادات المعنيين بالموضوع".
ومن الطبيعي بروز سلوك آخر جديد بعد انتهاء هذه الأزمة. يقول: "يمكن تقسيمه إلى قسمين؛ الأوّل إيجابي، إذ سيكتفي الناس بعد انتهاء هذه الجائحة بالقليل وسيقدّرون قيمة الأشياء أكثر، كما سيعيدون النظر في سلوكياتهم الاستهلاكية، من خلال نظرتهم إلى المستقبل وكيفية مساهمتهم في حماية البيئة، خصوصاً بعدما لمسوا انخفاض مستويات التلوّث في العالم. والثاني سلبي، ويمكن أن يجد البعض صعوبة في العودة إلى حياتهم الطبيعية، لأسباب تتعلّق بالمناعة الاقتصادية والاجتماعية والنفسية وكيفية تعامل كلّ شخص مع الجائحة".
و"المناعة الاقتصادية" بحسب بدارنة، تعني خسارة عدد كبير من الناس وظائفهم وبالتالي فقدان الأمان الاقتصادي. يلفت إلى أن "هؤلاء قد يعجزون عن العودة إلى حياتهم الطبيعية، لذلك ينبغي عليهم الانتقال من العجز إلى البحث عن بديل يقوم على الفعل والمبادرة والانشغال، فالوضع الطارئ يتطلب منا اليوم تعاملاً مختلفاً". ويرى أنه "من المفيد جداً من الناحية الصحية أن يحافظ الإنسان على الأمان الاقتصادي ولو جزئياً، أي أن يعمل في أي مهنة"، ما يعني أنّ الإنسان أمام خيارين: القيام بأمر ما أو الاستسلام والشعور بالعجز والاكتئاب والخوف وفقدان الأمان وبالتالي اللجوء إلى العنف. يضيف أنّه يعرف أشخاصاً رفضوا الاستسلام، وبدأوا بالفعل تعلّم مهن جديدة، مثل الكتابة أو الطبخ أو القيام بأبحاث، ما يعني أنّهم اختاروا الانشغال بأمور مفيدة وتطوير الذات من خلال خوض تجارب جديدة لم يفكّروا بها من قبل أو لم يسمح لهم الوقت بالقيام بها. ويكمل أنّه، كلّما تمتع الإنسان بمناعة نفسية أقوى، وتعامل بشكل علمي وبهدوء أكبر مع هذا الوضع الطارئ لجائحة كورونا، عاد بسرعة أكبر لحياته الطبيعية في ما بعد.
ويتحدث بدارنة عن الدور الذي يلعبه الخوف، قائلاً إن الإنسان يموت أحياناً من الخوف وليس من المرض. يضيف: "يمكن ألّا نموت من كورونا، لكن الخوف والحذر الشديدين والمبالغ فيهما يمكن أن يساهما في أذيتنا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة". ويقول إنّه من الناحية الطبية، العيش في حالة توتر وهلع يؤدي إلى إفرازات في الجسم، إذ تفرز بواسطة الغدة الكظرية هورمون الكورتيزول المسؤول عن مستويات التوتر في الجسم، ما قد يؤدي إلى زيادة السكر في الدم ورفع ضغط الدم وأمراض ومشاكل في القلب والجهاز العصبي. لكن في إمكاننا مواجهة هذه الظروف أو تجنّبها عبر الهدوء والتنفّس بشكل صحيح، إذ إن قدرة الإنسان على التقليل من إفراز الكورتيزول وزيادة إفراز الهورمونات الإيجابية تهدئ من دقات القلب وتجعل الشخص أكثر هدوءاً.
ويُحذّر بدارنة من تداعيات الحجر الذي زاد من حدّة العنف داخل الأسرة، والعنف ضد النساء والأطفال. ويقول: "المشكلة أنّ العنف سيستمر حتّى بعد انتهاء كورونا، وأنّه لن يكافح عالمياً كما يفعل العالم في مواجهة كورونا، بل سيستمر وسيكون هناك الكثير من الضحايا من الأطفال والنساء وكبار السن والضعفاء". ويلفت إلى أنه "ما من معيار للشخص العنيف بل يمكن أن يكون أي شخص، بغض النظر عن المستوى الثقافي أو العمر أو الوظيفة". ويدعو الطواقم الطبية التي تستقبل المرضى في المستشفيات للانتباه إلى حالات العنف في حال حضور أطفال أو نساء أو أشخاص مستضعفين.
وعن شرائح المجتمع الأكثر تضرراً، يقول بدارنة إنّ الفقراء هم بالتأكيد الأكثر تضرراً من كلّ وباء أو مشكلة أو كارثة تواجه المجتمعات، لأنّ مناعتهم الاقتصادية والنفسية والمجتمعية أقل، وعناية السلطات بهم أقل. ويختم بدارنة قائلاً: "في حال عودة الفيروس، سيتعامل الناس معه بحدة أقل، كونهم طوّروا مناعة نفسية وأصبحوا أكثر استعداداً له، كما أن السلطات أصبحت على دراية في كيفية التعامل معه".