في خلال أزمة كورونا التي تطاول مختلف مناطق مصر، تبدو الحاجة ملحة إلى مبادرات فردية أو جماعية، بعيداً عمّا تقدّمه الجهات الرسمية المعنية. ويظهر ذلك واضحاً في صعيد مصر حيث الإهمال واضح في أكثر من مجال.
مع ازدياد حدّة انتشار فيروس كورونا الجديد في قرى صعيد مصر في خلال الأيام الماضية، لا سيّما في محافظات المنيا وسوهاج وقنا والأقصر وأسوان، عمد أهالي تلك القرى إلى عزلها بأنفسهم وتعقيم شوارعها، وسط قلق بين السكان. وقد أتى ذلك من خلال تبرّعات أهل الخير، فتلك القرى تعاني من جرّاء الفقر ونقص الخدمات وافتقارها إلى أبسط متطلبات الحياة، من مرافق مياه وصرف صحي ورعاية صحية وتعليم، فيما البطالة والأمية تسيطران على حياة السكان الذين يتلقّون الوعود من دون جدوى.
ومنع شبان القرى دخول كلّ من هو من خارجها ولو كان من قرية مجاورة، مستعينين بمصدّات حديدية، فيما لجأوا إلى المعقمات في الشوارع كخطوة تساهم في الحدّ من العدوى. وذلك بعدما فشلت كلّ محاولات الاتصال بالجهات المسؤولة، سواء الإدارات الصحية أو المحليات من خلال رؤساء المدن والقرى، لمدّهم بدعم ولو بسيط.
ضياء محمد، وهو من سكان محافظة الأقصر، يشكو لـ"العربي الجديد"، إذ إنّ "مستشفى الأقصر المركزي رفض استقبال أيّ حالات جديدة من قرية الريانية التي سُجّلت فيها إصابات عدّة، بحجّة عدم توفّر أسرّة مجهّزة لذلك". يضيف أنّ "الاستهتار وصل إلى درجة عدم استجابة مديرية الصحة في المحافظة لشكاوى الأهالي والردّ عليها، وهو ما دفع بعض المقتدرين إلى نقل مصابين إلى مستشفيات خاصة، فيما فُرض على آخرين حجر منزلي وزُوّدوا بأدوية خاصة بنزلات البرد والحرارة". ويوضح محمد أنّ "كلّ ما نفعله هو محاولة للحؤول دون انتشار الفيروس في منازل أخرى وقرى مجاورة. وهو ما دفع الأهالي في القرى المجاورة إلى عزل قراهم والتوعية بأهمية النظافة الشخصية، في ظلّ الفوضى الموجودة في مستشفيات محافظات الصعيد".
ويعبّر عدد من أهالي قرى المحارزة ونجع الربة والبوصة وبخانس، في مركز أبو تشت بمحافظة قنا، عن غضبهم إزاء عدم تحرّك الجهات المسؤولة للإحاطة بأزمة كورونا فيها. ويخبر محمد عبده، وهو موظف، بأنّ "الأهالي جمعوا المال بعد نداءات عبر مكبّرات الصوت في مساجد القرى تطالب بتبرّعات لشراء المنظفات الكحولية والمعقمات وأجهزة الرشّ خوفاً من انتشار الوباء. وقد انخرط الشبّان في عمليات الرشّ وكذلك حراسة مداخل القرى للحؤول دون دخول الغرباء أو تبادل الزيارات بين القرى المجاورة، خصوصاً تلك التي سُجّلت فيها إصابات، فيما راح آخرون يوفّرون حاجيات الأسر من سلع غذائية وغيرها". ويشير عبده إلى "تكتّم شديد من قبل الدولة على ما يحدث في قرى الصعيد، وسط غياب إعلامي، كأنّما نحن في كوكب آخر مجهول".
من جهته، يقول محمد رشاد، لـ"العربي الجديد"، إنّه فرض على نفسه حجراً منزلياً وامتنع عن استقبال الزوار، مضيفاً "وأهملت زراعة أرضي فتدهورت الأحوال الاقتصادية. فقد حُذف اسمي من قائمة المستفيدين من دعم قيمته 500 جنيه مصري (نحو 32 دولاراً أميركياً)، للعمالة غير المنتظمة، كوني أملك 10 قراريط أرض يعيش منها خمسة أفراد، بمن فيهم ابنة أستعدّ لتزويجها".
في سياق متصل، يقرّ أحد الأطباء في محافظات الصعيد، وقد اكتفى بالتعريف عن نفسه باسم ياسر أ. في حديث لـ"العربي الجديد"، بأنّ "الأزمة التي تواجهها مستشفيات العزل حالياً خطرة بسبب كثرة أعداد المصابين وقلّة الإمكانيات"، مشيراً إلى أنّ "المصابين بالفيروس يكثرون في قرى الصعيد نظراً إلى قلّة إلمامهم بالعدوى وعدم اهتمامهم بالعناية الشخصية مثلما هي الحال في المدن". يضيف أنّ "محافظتَي الأقصر وأسوان تضمّّان فقط ثلاثة مستشفيات للعزل، هي الأقصر المركزي ومستشفى إسنا الجديد ومستشفى الصداقة في أسوان"، موضحاً أنّه "أمام كثرة الإصابات يُرفض استقبال حالات جديدة. بالتالي يتوجّه الناس إلى المستشفيات الخاصة أو ينجحون في الدخول من خلال المحسوبية".
ويلفت الطبيب نفسه إلى أنّ "لا بوادر لفتح مدن جامعية في الصعيد لاستقبال مصابين، أسوة بمحافظات الوجه البحري. وثمّة من طالب بفتح مدارس في القرى لهذا الغرض، لكنّ الأمر يحتاج إلى دعم مالي كبير لتجهيزها بالأسرّة، فضلاً عن عجز في طواقم التمريض". وإذ يؤكد أنّ "الانتهاء من هذه الأزمة يحتاج وقتاً طويلاً"، يحكي عن "مطالبات بتبرّعات على شكل أدوية ومستلزمات طبية لمستشفيات العزل في محافظات الصعيد، خصوصاً أنّ البنى التحتية في معظم المستشفيات هناك سيئة جداً، وتحتاج إلى صيانة شاملة". ويتابع أنّ "ثمّة خوفاً من تفاقم الأزمة من خلال ارتفاع أعداد المصابين بشكل كبير في خلال الأيام المقبلة، وهو ما سوف يمثّل ضغطاً على الطواقم الطبية".