أحيا فرض تركيا حظراً للتجول على كبار السن، أواخر الشهر الماضي، بسبب انتشار كورونا، بعض العادات، منها التسوّق بالسلال من نوافذ المباني، فيما خصصت بعض المحال عمالتها لإيصال احتياجات المسنين إلى منازلهم.
كشف التركيز على المسنين في تركيا، من خلال قرار حظر تجول من هم في الخامسة والستين وما فوق، في أواخر مارس/ آذار الماضي، لحمايتهم من فيروس كورونا الجديد، حجم الشيخوخة، في البلاد. وعلى الرغم من أنّ حظر التجول امتد هذا الشهر ليشمل من هم دون العشرين عاماً أيضاً، مع ما في ذلك من انعدام للتمييز، ترفض حتى اليوم السيدة التركية، تفيدة، من منطقة درامان بإسطنبول، الجلوس في البيت، وتصرّ على الذهاب للتسوق بالرغم من التحذيرات الرسمية وحملات التوعية، ومخاطر إصابة كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة، التي تصل إلى حدّ الوفاة. تقول لـ"العربي الجديد": "كنت أوصل حفيدي يومياً إلى باص المدرسة وأعيده ظهراً وكنت أذهب إلى السوبرماركت لإحضار الطعام ومستلزمات المنزل، والآن أصاب بالملل لكثرة الجلوس في المنزل، بعد إغلاق المدارس وتقييد حركتنا". تؤكد أنّ نزولها إلى الشارع تراجع كثيراً واقتصر على احضار المستلزمات الضرورية جداً.
تروي السيدة تفيدة (67 عاماً) كيف حاصرها وأقرانها الوباء وحدّ من حركتها: "كنا نحضر دروس القرآن ونتبادل الزيارات، لكنّ الخوف من المرض أجلسنا في بيوتنا وتجمدت جميع نشاطاتنا". تشير إلى أنّها في حاجة للتحرك كلّ يوم، وإن إلى السوبرماركت لإحضار الـ"إكميك" (خبز) ساخناً، مبدية تفهمها لحرص الدولة والمجتمع على المسنين، لكن "سنموت إن لم نتحرك وربما لا يشعر الشباب بمعاناة بقائنا في المنازل".
أظهرت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي كيف يهرب كبار السن من دوريات الشرطة ومراقبي البلديات، فيما يصممون على الذهاب إلى الحدائق، قبل أن يلزمهم قرار وزارة الداخلية بحظر التجول. وقيدت الوزارة خروج المسنين ممن يبلغون 65 عاماً وما فوق، وكذلك خروج المصابين بأمراض مزمنة، من المنازل، وحظرت تنقلهم في الأماكن العامة مثل الحدائق، والركوب بوسائل النقل العام، بموجب المادة 11 من قانون الإدارة المحلية، والمادة 27 من قانون السلامة الصحية العامة. وعلقت بلديات تركية، على رأسها العاصمة أنقرة، وأنطاليا، التنقل المجاني بشكل مؤقت للمسنين في المواصلات العامة، وأقدمت بلديات أخرى، مثل قضاء أسكودار في إسطنبول، وجبزة في قوجيلي، على إزالة مقاعد الجلوس في الحدائق العامة، لدفع الناس لا سيما المسنين، إلى التزام بيوتهم وعدم الخروج إلى الأماكن العامة.
تسابقت المبادرات لتأمين احتياجات المسنين في منازلهم بهدف عدم خروجهم وتعرضهم للمخاطر، فأسست إحدى المجموعات الكبيرة للدعم الاجتماعي، فروعاً لها في جميع ولايات إسطنبول لتلبية احتياجات المسنين والمصابين بأمراض مزمنة، وجرى تخصيص أرقام "112 و155 و156" لتأمين متطلبات المسنين الصحية والخدمية والطوارئ.
وظهرت مبادرات من بعض البلديات لتوصيل احتياجات المسنين الطبية والغذائية للمنازل، كما فعلت بلدية ميرام، بولاية قونيا، التي خصصت رقماً خاصاً، يطلب عبره المسنون حاجياتهم اللازمة، فضلاً عن توزيع المعقمات والكمامات عليهم بالمجان وتسهيل دفع ثمن الأغذية والأدوية، لأصحاب الدخل المحدود بحسب تصريحات صحافية لرئيس البلدية، مصطفى كافوش. وبادرت فرق بلدية ألطين داغ، في العاصمة أنقرة، إلى مساعدة المسنين في تلبية حاجياتهم الضرورية، وذلك عبر شرائها وتسليمها لهم بالمنازل، ويقول رئيسها، عاصم بالجي: "يكفي المسنين الاتصال بالرقم المخصص، وطلب الأغراض التي يحتاجونها، وفرق البلدية ستتولى الباقي".
أعاد كورونا إحياء عادة الشراء عبر سلال تُدلّى من نوافذ الطوابق العليا بحبال، فيأتي البقال المجاور، ليقرأ الورقة في السلة، ثم يملأها بالمستلزمات، فيسحبها المسنون لطوابقهم العليا. ويقول البقال، جزمي أرال، من منطقة الفاتح بإسطنبول لـ"العربي الجديد": "كنا قبل كورونا نتلقى بعض الطلبات من مسنين أو سيدات ونوصل لهم احتياجاتهم، خاصة الأكميك إلى السلال، لكن اليوم، اضطررت لتشغيل ابن أخي لتوصيل الطلبات إلى السلال، لكثرة الطلبات عبر الهاتف".
تحذر الباحثة في جامعة "محمد الفاتح" في إسطنبول، عائشة نور، من مخاطر ارتفاع عدد المسنين بتركيا، خصوصاً مع تراجع الإنجاب، لأنّ ذلك برأيها سيزيد من تكاليف الرعاية الصحية والاجتماعية ورواتب المتقاعدين الذين لا يعملون، ما يدخل تركيا في أزمات اجتماعية وإنتاجية لم يحسب لها حساب "وأظهرها وباء كورونا اليوم للجميع". وتقدر الأكاديمية التركية نور، عدد المسنين بتركيا بأكثر من 6.3 ملايين نسمة من أصل 83 مليون نسمة، لكنّ العدد يتزايد، و"من المتوقع أن تصل نسبة من هم فوق الخامسة والستين خلال مئوية تأسيس الجمهورية عام 2023، إلى 10 في المائة، ما يعني أنّ تركيا دخلت في طور الدولة العجوز". وحول أسباب ارتفاع عدد كبار السن في تركيا، تقول الباحثة: "تأتي الرعاية الصحية وحسن التغذية بمقدمة ارتفاع سنّ الأتراك، إذ ارتفع متوسط الوفيات من 65 إلى نحو 74 عاماً، وارتفعت سنّ التقاعد من 60 إلى 65 عاماً، ما يعني أنّ مؤشرات الدولة العجوز بدأت تدخل إلى تركيا بوتائر عالية بالرغم من إجراءات الدولة بالتشجيع على الزواج والإنجاب وتقديم القروض والميزات.
يشير معهد الإحصاء التركي إلى ارتفاع عدد سكان تركيا بنسبة 13 بالألف العام الماضي، بتراجع 1 بالألف عن 2018، وارتفاع نسبة المسنين إلى أكثر من 8.5 في المائة من أصل السكان، مع توقعات بأن تصل نسبتهم إلى 10 في المائة عام 2023 عندما يصل عدد السكان إلى نحو 87 مليون نسمة. أما عام 2040 فتشير التوقعات إلى أنّ نسبة المسنين ستصل إلى 16.3 في المائة من أصل أكثر من 100 مليون نسمة.