"عقد الإيد"... فلسطينيات في مواجهة كورونا

20 ابريل 2020
المهمّة سهلة... توفير وجبة منزلية لمن يحتاجها (العربي الجديد)
+ الخط -
وسط أزمة كورونا وحالة التعبئة العامة المفروضة في لبنان، تضرّر كثيرون من سكان البلاد فراحت تُسجّل مبادرات لمساعدة الفئات الأكثر ضعفاً. والمساعدات التي تأتي غذائية بشكل أساسي، تقدّمها أطراف مختلفة، منها جمعيات وأحزاب سياسية وما إليهما. لكن ثمّة مبادرات أخرى تُسجّل غير مؤطّرة، يتعاون في خلالها أفراد لمساندة آخرين أكثر عوزاً، استناداً إلى تبرّعات.

حملة "عقد الإيد" واحدة من تلك المبادرات، وقد أطلقتها مجموعة من نساء مخيّم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في مدينة صيدا، جنوبي لبنان. والحملة التي تقوم على تحضير وجبات منزلية وتوزيعها على العائلات الأكثر فقراً، بادرت إليها نسرين، وهي من سكّان المخيّم، فلاقت موافقة من نساء أخريات رحّبنَ بالفكرة. وانطلقت النساء في حملتهنّ، ورحنَ يجمعنَ بعض المواد الأساسية من أجل تأمين وجبات الطعام، من قبيل الأرزّ والدجاج واللحم والخضار والبقوليات، علماً أنّ الحملة لا تتطلّب من المتطوّعات فيها إلا تحضير الوجبات المنزلية لمن يحتاجها.

ونسرين، مطلقة الحملة، تتحدّر من بلدة صفورية في فلسطين المحتلة، وهي كانت عاملة تنظيفات مياومة في وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، غير أنّها اضطرت إلى التوقّف عن العمل بسبب الحجر المطلوب وسط التعبئة العامة على الأراضي اللبنانية كافة. تقول لـ"العربي الجديد": "في ظلّ الأوضاع الصعبة التي يعيشها أهل مخيّم عين الحلوة، ومن خلال احتكاكي بجيراني وأهل مخيّمي، اتّضح لي أنّ عائلات كثيرة لا تحصل على أيّ سلال غذائية من تلك التي تُوزَّع على الناس هنا. كذلك فإنّ ثمّة عائلات غير قادرة على تأمين قوت يوم أولادها، وأحياناً حتى رغيف الحبز تعجز عن توفيره".



تضيف: "من هنا، وبعيداً عن ضجّة الجمعيات، رغبت في تقديم شيء لتلك العائلات. ولأنّني لا أملك القدرة المادية لمدّها بمساعدات، اتّصلت بسيّدة فلسطينية رحّبت بالفكرة فتواصلنا مع أخريات قدّمنَ المساعدة. كذلك، فإنّ ثمّة طالباً جامعياً تبرّع بمبلغ من المال لشراء الخبز".

وتشير نسرين إلى أنّها لاحظت كيف "كان أشخاص يتحجّجون بزيارة آخرين ليتمكّنوا من تناول بعض الطعام"، مؤكدة أنّ "الأمر صعب جداً وآلمني". وتتابع: "كوني لست امرأة غنية وتعيش من كدّ يومها ولدّي ولدان من ذوي الإعاقة، يصعب عليّ التواصل مع أشخاص مقتدرين والطلب منهم تأمين مساعدات للمحتاجين. لكنّني أصررت على أن أقدّم ما أستطيع بطريقتي". وتكمل نسيرين: "بعدما تواصلت مع عدد من النساء اللواتي قدّمنَ مواد عينيّة فيما إحداهنّ قدّمت منزلها ليكون مقرّاً لتحضير الوجبات، تمكّنّا من تأمين وجبات غداء لخمس عشرة عائلة فلسطينية في داخل المخيّم. وقد اختيرت تلك العائلات بحسب الحالات الأشدّ احتياجاً، مع العلم أنّ الوجبة تصل إلى بيت كلّ عائلة من دون تكليفها عناء المجيء إلينا".

وتشدّد نسرين على أنّهنّ لا يلتقطنَ الصور وينشرنَها عبر وسائل التواصل الاجتماعي "مثلما تفعل مؤسسات وجمعيات مختلفة". وتتمنّى نسرين أن يتمكنَّ من "جمع أكبر كميّة من المواد العينيّة التي نستطيع من خلالها تقديم وجباتنا، لنتمكّن من الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الناس".



أمّا نادين، وهي كذلك من سكّان مخيم عين الحلوة، فقد تطوّعت في حملة "عقد الإيد". تقول الشابة لـ"العربي الجديد": "حجم معاناة الأسر الفلسطينية في المخيّم، بمعظمها، كبير، لا سيّما مع حرمان كثيرين من أعمالهم، وأنا واحدة منهم. وقد أتت أزمة كورونا أخيراً وحالة التعبئة العامة المفروضة لتفاقم تلك المعاناة، علماً أنّه ليس في المخيّم أيّ أساس لبنية اقتصادية يستطيع الفلسطينيون الاعتماد عليها". تضيف نادين أنّ "الذين كانوا يعملون في السابق هم مياومون، واليوم فقدوا أعمالهم. وأعرف أشخاصاً صاروا يبيعون ملابسهم من أجل تأمين علبة حليب لأولادهم الصغار، في حين أنّ جمعيات عدّة لا توزّع مساعداتها على المحتاجين بشكل عادل، علماً أنّ الناس جميعهم صاروا في حاجة إلى تلك المساعدات في داخل مخيّماتنا". وتكمل نادين: "لذلك قرّرت التطوّع لخدمة أهل مخيّمي بعدما اتصلت بي نسرين وأخبرتني عن فكرتها. وأنا اليوم أساهم في عمليّة إعداد الطعام".

من جهتها، استقبلت أمّ محمد، وهي فلسطينية سبعينية، المتطوّعات في بيتها في مخيّم عين الحلوة، لإعداد الطعام المقرّر توزيعه على من يحتاجه. تقول لـ"العربي الجديد": "من خلال ذلك أستطيع الوقوف إلى جانب شعبي. لا بدّ لنا من أن نشعر مع العائلات الفقيرة وتلك التي يعاني أفراد منها من جرّاء مرض ما"، مؤكّدة أنّ "منزلي مفتوح من أجل خدمة الناس".