لكن أبو عيشة بقي بعيداً عن الحضور إلى حين انتهاء الحجر الصحي مدة 14 يوماً ضمن إجراءات منع تفشي فيروس كورونا الجديد، وهو أمر بات يتبعه عديد الأسرى حين تحررهم من سجون الاحتلال.
وكان إسماعيل قد وصل في سيارة إسعاف إلى باحة مبنى محافظة نابلس، أمس الثلاثاء، بعد تحرره من سجون الاحتلال التي سرقت ثمانية عشر عاماً من عمره، وكان يرتدي كمامة على وجهه، وخرج من السيارة بانتظار وصول عائلته التي تأخرت قليلاً. وخلال فترة الانتظار، وجه أبو عيشة كلمة عبّر فيها عن فرحه بالحرية، لكنه أعرب في الوقت عينه عن حزنه على من تركهم خلف القضبان، مبيناً أنّ "إدارة مصلحة سجون الاحتلال الإسرائيلي لا تتابع ملف كورونا بالجدية المطلوبة، ولا تلقي بالاً لمخاوف الأسرى الفلسطينيين من وصوله إليهم".
ويضيف أبو عيشة أنه "حتى مواد التعقيم لا تدخل أقسام الأسرى إلا بشق الأنفس، ويتم سحبها وتقليصها بشكل كبير، لذلك يأخذ الأسرى على عاتقهم حماية أنفسهم وتقليل الاختلاط بالسجانين الإسرائيليين إلا بأضيق الحدود".
ولم يتمالك الأسير المحرر أبو عيشة نفسه وكاد يبكي وهو يوجه حديثه لأقاربه الذين ابتعدوا مترين على الأقل عن سيارة الإسعاف، وقال: "نفسي أحضنكم جميعاً، اشتقت لكم جداً لكن لأجل صحتكم وصحتي ولأجل أن نقاوم الفيروس ونتغلب عليه مثلما تغلبنا على الاحتلال، سأبقى بعيداً، ولن أستقبل مهنئين إلا بعدما أنهي الحجر المنزلي بعد أسبوعين"، وهنا صفق الحاضرون، مؤكدين على مدى الوعي الذي بات يملكه الأسرى المحررون وإدراكهم لأهمية الالتزام بالتعليمات الصحية والوقائية.
ولم يكد يكمل أبو عيشة حديثه، حتى أطلت خطيبته إكرام التي وضعت بدورها كمامة أيضاً على وجهها وتقدمت نحوه ليتبادلا باقات الزهور ويسلما على بعضهما البعض وسط همسات لم يسمعها القريبون، ثم علت التكبيرات والتصفيق، لينتهي المشهد سريعا، ويعود إسماعيل لسيارة الإسعاف التي انطلقت مسرعة.
إكرام، وهي شقيقة الاستشهادية دارين أبو عيشة التي نفذت عملية فدائية قبل نحو 19 عاما، أكدت لـ"العربي الجديد" قناعتها بأهمية تطبيق الإجراءات الصحية لخطيبها، "حيث تم تجهيز منزلنا وتوفير ما يلزم إسماعيل خلال فترة الحجر".
وأكدت إكرام التي ارتبطت بإسماعيل قبل عدة سنوات ولم تزره في سجنه إلا مرات قليلة، "اتفقنا على هذه الإجراءات في زيارتنا الأخيرة، ولم يمانع، بل كان يشد من أزري بقوله (انتظرتِ كل هذه السنوات، فلتصبري أسبوعين إضافيين، لنعيش بعدها معا في صحة وعافية)".
وتضيف إكرام، "كنا نخطط للاحتفال بزواجنا بعد فترة وجيزة، وندخل المنزل عروسين، لا أن يدخله وحده للحجر الإجباري، لكن هذا قدرنا ونحن نرضى به".
وكانت عائلة أبو عيشة قد عملت على تجهيز "عش الزوجية" والتحضير لأجواء الفرحة بالإفراج عنه، وفرحة زفافه المرتقبة، بينما قبيل دخوله المنزل، سلك إسماعيل درب المقبرة في قريته، ليضع إكليلًا من الزهور على قبر والديه اللذين توفيا خلال سنوات اعتقاله.