من يُعلّم ويُطعم ويحمي تلاميذ أميركا؟

14 ابريل 2020
التلاميذ باتوا في منازلهم (جون مور/ Getty)
+ الخط -
لا شك أنّ أثر انتشار فيروس كورونا الجديد على المستويين الصحي والاقتصادي هو الأكثر بروزاً لدى الجميع في الولايات المتحدة. وبالرغم من أولوية هذين المستويين، فإنّ مستوى ثالثاً لا يتصدر العناوين، بالرغم من أنّه حيوي ومهم، وهو قطاع التعليم إذ جرى تعطيل المدارس والجامعات.

عشرات آلاف المدارس أقفلت أبوابها، على امتداد البلاد، وعشرات ملايين التلاميذ بقوا في منازلهم. لكنّ الجدل حول إغلاق المدارس في ولاية نيويورك كان طويلاً ومعقداً، ربما بسبب النسبة المرتفعة للتلاميذ الفقراء في مدينة نيويورك بالذات، ممن يؤمّون المدارس العامة ويعتمدون على وجبات الغذاء التي تقدم فيها لتغذيتهم بشكل متزن. إغلاق المدارس منذ 16 مارس/ آذار الماضي يعني أنّ هؤلاء التلاميذ قد لا يتمكنون من الحصول على وجباتهم الغذائية الضرورية. وربما يرتبط الأمر بالأهل المضطرين للاستمرار في مزاولة أعمالهم، لكن من دون إمكانية لترك أطفالهم مع شخص قريب أو حضانة. من ضمن هؤلاء العاملون في القطاع الصحي، وعمال النظافة، وعمال قطاع النقل العام، والعاملون في المتاجر، وغيرهم من العاملين في قطاعات أساسية. وعلى الرغم من تردد عمدة نيويورك، بيل دي بلازيو، في إغلاق المدارس فالخطورة وانتشار الفيروس وإعلان حالة الطوارئ اضطرته لإغلاق المدارس العامة مع تخصيص أماكن مختلفة يمكن للأطفال من العائلات الفقيرة أو ذات الدخل المحدود التزود بالطعام منها.



تلعب المدارس في الولايات المتحدة، خصوصاً العامة، دوراً يتعدى التعليم أو حتى وجبات الطعام المجانية، فقد أصبحت تشكل شبكة أمان للعائلات الفقيرة أو ذات الدخل المحدود، كما تشرح لـ"العربي الجديد" مولي ليون، وهي معلمة في مدرسة عامة في نيويورك، للتلاميذ ذوي الإعاقة. تفسر: "هناك نسبة عالية من العائلات الفقيرة، وذات الدخل المحدود، التي تعتمد على المدارس لتقديم المساعدة للأطفال بما فيها الخدمات الاجتماعية أو حتى تحسين النطق والعلاج الطبيعي، وغيرها كثير من الخدمات المتوفرة في المدارس العامة ولا توفرها أيّ برامج اجتماعية. وحتى حين تتوفر ستكون مغلقة في حالة الطوارئ هذه". وعلى الرغم من اعتماد تقنيات التعليم عن بعد وغيرها فمن الصعب تقديم تلك الخدمات عن طريق هذه التقنيات وتتطلب أن يكون والد أو والدة التلميذ حاضراً في البيت وأن يستوعب تلك التمارين ويتمكن من القيام بها مع الأطفال، وهو ما لا يتوفر دائماً.

يصل عدد التلاميذ المشتركين في "برنامج الغداء المدرسي الوطني" في الولايات المتحدة إلى ثلاثين مليوناً. وفيه يجري تمويل وجباتهم بالكامل أو جزئياً، بحسب آخر إحصائيات رسمية تعود إلى عام 2016، ومن المتوقع أن تكون النسبة قد زادت مع انتخاب دونالد ترامب رئيساً. وتعمل نسبة عالية من أهالي هؤلاء الأطفال لكنّ الأجور لا تكفي لسدّ حاجات العائلة الأساسية من دون الحصول على دعم ومساعدات.

في ولاية نيويورك وحدها أكثر من مليون تلميذ أغلبهم يذهبون إلى مدارس عامة. وفي مدينة نيويورك، بدءاً من عام 2017-2018 باتت الوجبات الغذائية المجانية متاحة لجميع تلاميذ المدارس العامة. لكنّ إحصائيات سنوات سابقة تظهر أنّ سبعين في المائة من هؤلاء التلاميذ كانوا بحاجة لوجبات مجانية أو مساعدة مادية لتمويل وجبات، وهذا يظهر نسبة الحاجة والغلاء في المدينة.

وقف المدارس وممارسة التعليم عن بعد، يشكلان تحدياً آخر، خصوصاً لدى الشرائح الضعيفة. وتشرح ليون عن ذلك: "هناك أولياء أمور مستوى تعليمهم ضعيف وليس بإمكانهم متابعة الدروس مع أطفالهم أو تدريسهم. وهناك من هم من أصول مهاجرة ولا يتقنون جميعهم الإنكليزية، فكيف سيتمكن هؤلاء من تعليم أطفالهم ومواكبة ما يطلب منهم. كانت هناك برامج تعليم بعد الدوام المدرسي نقدم فيها الفعاليات الرياضية كما نراجع دروس الأطفال، لكنّ كلّ هذا توقف الآن في حالة الطوارئ ولا ندري إلى متى".



وتواجه المدارس تحدياً آخر خصوصاً إذا كان للعائلة أكثر من طفل، إذ لا تتوفر لدى الجميع أجهزة كومبيوتر، وكثير من العائلات لا تملك أكثر من جهاز واحد. حاولت بعض المدارس في نيويورك تدارك الأمر والعمل مع شركات مختلفة لتوفير جهاز أي باد لكل طالب لكن لا يوجد أعداد كافية. ولعلّ الفارق يصبح أكثر وضوحاً كما تشرح ليون التي تداوم ابنتها في مدرسة خاصة وتقول: "في مدرسة ابنتي أعطوا كل طفل آيباد منذ بداية السنة. جزء من التدريس والمنهاج والوظائف المنزلية كانت تجري بشكل طبيعي عن طريق الآيباد. وستجد ابنتي سهولة بالتعلم عن بعد. لكن، كيف سيتمكن الأطفال من العائلات ذات الدخل المحدود الذين لم يكن لديهم جهاز كومبيوتر أساساً في البيت، بين ليلة وضحاها، من التعامل مع الواقع الجديد"؟
المساهمون