أثّر انتشار فيروس كورونا الجديد في مصر في مختلف المنظومات الاجتماعية، وفي مقدمها المستشفيات، التي استبقت شهر رمضان بإعلانات مكثفة تدعو المواطنين للتبرع، وتقديم الزكاة والصدقة، للقطاع الصحي الذي يعاني من أوضاع سيئة في الأساس
تشهد القنوات الفضائية المصرية والصحف، فضلاً عن البريد الإلكتروني، وتطبيقات الاتصالات، ومواقع التواصل الاجتماعي، في الفترة الراهنة المتزامنة مع انتشار فيروس كورونا الجديد في البلاد، والأزمة الصحية التي يتسبب بها، حملة إعلانات للتعجيل بالتبرع بأموال زكاة رمضان، إلى المستشفيات الحكومية والجامعية، وللجمعيات المختلفة، مثل "رسالة" و"الأورمان" و"مصر الخير" وغيرها، ، ليصل الأمر إلى مبادرة علماء دين بارزين إلى حثّ المواطنين على الإسراع بالتبرع. في المقابل، يعتبر البعض هذه الحملات أقرب إلى "التسول".
اقــرأ أيضاً
تستقطب المستشفيات نصيب الأسد من حملات إعلانات التبرعات المتكررة على شاشات القنوات الفضائية، بزعم شراء المستلزمات الطبية والأدوية والأسرة وغيرها من الاحتياجات، وسط غياب للدولة التي يفترض أن يكون هذا دورها. وهو ما يعكس الوضع الصحي السيئ داخل البلاد وهشاشة الاقتصاد، في الوقت الذي تغرق فيه مختلف القنوات الفضائية بإعلانات "جمع المال". وأثارت كثرتها تساؤلات حول حقيقة هذا التكثيف الإعلاني غير الاعتيادي لهذه الحملات، وأسباب زيادتها بشكل يفوق الإعلانات التجارية، وهي الإعلانات التي يراها البعض "بروفة" قبل إعلانات شهر رمضان المكثفة للهدف نفسه.
يكشف أحد المسؤولين بمستشفى "أبو الريش" للأطفال بالقاهرة، أنّ حملات التبرع خلال العام، سواء من زكاة الفطر في رمضان أو من زكاة المال، والتي تقدّر بمليارات الجنيهات، يمكن أن يدفع حال المستشفيات الحكومية المنتشرة بالمحافظات المصرية إلى الأحسن، لكن نتيجة لحالة الفساد والفوضى، تدخل تلك المليارات إلى جيوب القائمين على خدمة المستشفيات وتحول إلى حساباتهم الخاصة بشكل غير شرعي. في المقابل، هناك قوائم انتظار للمرضى يجري تصويرها والكشف عنها في الحملات، مع استغلال هؤلاء المرضى، لضمان مزيد من التبرعات. وفي الوقت عينه، تئنُّ المستشفيات من عدم توفر أجهزة طبية، وهي الأزمة التي كشف عنها انتشار فيروس كورونا الجديد، مع غياب قواعد ومعايير الشفافية في حملات التبرع للمستشفيات. يشير المسؤول إلى ما خرج للعلن من اتهامات بالفساد ضد إدارة مستشفى "57357" المتخصص في علاج سرطان الأطفال عام 2018، والذي تعتمد ميزانيته بالكامل على التبرعات، بإهدار ملايين الجنيهات لا يعلم أحد مصيرها حتى اليوم. وهو ما أدى إلى صدمة كبيرة لدى المصريين، وتم بعدها إغلاق الملف كاملاً، إذ سيطاول عشرات من الأطباء والمسؤولين.
يطالب المسؤول، الذي فضل عدم ذكر اسمه، بضرورة تطبيق رقابة إدارية ومالية على تلك المستشفيات التي تقبل التبرعات، مشيراً إلى أنّ غالبيتها لا تقبل مريضاً سوى بالمحسوبية، ويجري علاج أو إجراء عمليات لعدد قليل من المرضى على مدى العام، بحجة عدم توفر إمكانيات ومستلزمات طبية مستوردة من الخارج. يضيف أنّه يجب أن يكون هناك صندوق لتلك التبرعات للإنفاق على المرضى من الفقراء، أما التجهيزات الطبية فيجب أن تكون من اختصاص وزارة الصحة.
وكانت وزارة التعليم العالي في مصر أطلقت حملة، نادت من خلالها بتوجيه المواطنين لتخصيص الزكاة لصالح المستشفيات الجامعية؛ بهدف تعزيز الخدمات التي تقدمها تلك المستشفيات للمواطنين، وقالت الوزارة: "لمن ستكون زكاتك وصدقتك هذه السنة؟ كلّ واحد فينا بيسأل نفسه في مثل هذه الظروف، كيف يمكن أن أساعد؟ ونحن نقول لك إنّ كلّ شيء من الممكن أن يعوَّض إلا الصحة. أدِّ زكاتك وصدقتك هذه السنة للمستشفيات الجامعية". وأوضحت أنّ هناك 113 مستشفى جامعياً على مستوى مصر، فيها 35 ألف سرير، تقدم الخدمة إلى 21 مليون مواطن سنوياً. بدورها، نظمت جامعة "القاهرة" حملة لدعم المستشفيات التابعة لها، والتبرع لتجهيز الاستقبال والطوارئ بمستشفى "قصر العيني" بالإضافة إلى حملات أخرى لدعم مستشفيات العزل والحجر الصحي والحمّيّات لتوفير المستلزمات الطبية.
يعترف الدكتور عادل حسين، أستاذ المسالك البولية بجامعة "عين شمس" بغياب قواعد ومعايير الشفافية، لوصول الأموال القائمة على التبرعات إلى المستشفيات الجامعية والحكومية، وبالتالي تعتبر أموال تلك التبرعات "مسكّنات" ليس لقلتها، بل هي أموال كثيرة جداً من الداخل والخارج، ومن مصريين وغيرهم، لكنّها لا تنفق بالطرق الشرعية في تطوير المستشفيات وشراء الأجهزة، ولا تذهب إلى مكانها الصحيح، والنتيجة أزمات مستمرة داخل تلك الكيانات، والمتضررون الأوائل من تلك الأزمات هم الفقراء، الذين لا مأوى لهم سوى تلك المستشفيات للعلاج بها. يحذر من خطورة استمرار العجز في تمويل القطاعات الصحية داخل البلاد، وتزايد تحايل المستشفيات على حساب إصلاح المنظومة الطبية، مؤكداً على أهمية دور الحكومة في بناء المستشفيات وتجهيز البنية التحتية كاملة، طبقاً لمواد الدستور، وزيادة الأموال المخصصة من ميزانية الدولة للقطاع الصحي؛ إذ إنّ تحديد نسبة 3 في المائة من الدخل القومي لمصر لا يكفي للإصلاح الصحي.
من جهته، يصف الدكتور إيهاب الطاهر، أمين عام نقابة الأطباء، اعتماد المستشفيات على التبرعات بـ"المخزي" في ظلّ التسول من أهل الخير عبر الإعلانات للإنفاق على المنظومة الصحية داخل البلاد، إذ لا يصح أن يكون تقديم الخدمة الطبية قائماً على التبرعات. يتساءل: "أين دور الدولة إذاً في تقديم الخدمات الطبية؟ وفي حال توقف تلك التبرعات هل سيجد المريض من يعالجه"؟ يؤكد أنّ ما يحدث سلبي ويمثل اعترافاً بفشل الحكومة في القيام بدورها بتقديم الخدمات الطبية لمواطنيها، مطالباً بضرورة الإسراع بوقف حملات الإعلانات تلك، لخطرها، فضلاً عن عدم استفادة المستشفيات منها.
اقــرأ أيضاً
يحذر الطاهر من خطورة استمرار العجز في تمويل القطاعات الصحية داخل البلاد، وتزايد تحايل المستشفيات على حساب إصلاح المنظومة الطبية، مؤكدا أهمية دور الحكومة في بناء المستشفيات وتجهيز البنية التحتية كاملة طبقا لمواد الدستور، وزيادة الأموال المخصصة من ميزانية الدولة للقطاع الصحي؛ حيث إن تحديد نسبة الـ3% من الدخل القومي لمصر لا تكفي للإصلاح الصحي.
تشهد القنوات الفضائية المصرية والصحف، فضلاً عن البريد الإلكتروني، وتطبيقات الاتصالات، ومواقع التواصل الاجتماعي، في الفترة الراهنة المتزامنة مع انتشار فيروس كورونا الجديد في البلاد، والأزمة الصحية التي يتسبب بها، حملة إعلانات للتعجيل بالتبرع بأموال زكاة رمضان، إلى المستشفيات الحكومية والجامعية، وللجمعيات المختلفة، مثل "رسالة" و"الأورمان" و"مصر الخير" وغيرها، ، ليصل الأمر إلى مبادرة علماء دين بارزين إلى حثّ المواطنين على الإسراع بالتبرع. في المقابل، يعتبر البعض هذه الحملات أقرب إلى "التسول".
تستقطب المستشفيات نصيب الأسد من حملات إعلانات التبرعات المتكررة على شاشات القنوات الفضائية، بزعم شراء المستلزمات الطبية والأدوية والأسرة وغيرها من الاحتياجات، وسط غياب للدولة التي يفترض أن يكون هذا دورها. وهو ما يعكس الوضع الصحي السيئ داخل البلاد وهشاشة الاقتصاد، في الوقت الذي تغرق فيه مختلف القنوات الفضائية بإعلانات "جمع المال". وأثارت كثرتها تساؤلات حول حقيقة هذا التكثيف الإعلاني غير الاعتيادي لهذه الحملات، وأسباب زيادتها بشكل يفوق الإعلانات التجارية، وهي الإعلانات التي يراها البعض "بروفة" قبل إعلانات شهر رمضان المكثفة للهدف نفسه.
يكشف أحد المسؤولين بمستشفى "أبو الريش" للأطفال بالقاهرة، أنّ حملات التبرع خلال العام، سواء من زكاة الفطر في رمضان أو من زكاة المال، والتي تقدّر بمليارات الجنيهات، يمكن أن يدفع حال المستشفيات الحكومية المنتشرة بالمحافظات المصرية إلى الأحسن، لكن نتيجة لحالة الفساد والفوضى، تدخل تلك المليارات إلى جيوب القائمين على خدمة المستشفيات وتحول إلى حساباتهم الخاصة بشكل غير شرعي. في المقابل، هناك قوائم انتظار للمرضى يجري تصويرها والكشف عنها في الحملات، مع استغلال هؤلاء المرضى، لضمان مزيد من التبرعات. وفي الوقت عينه، تئنُّ المستشفيات من عدم توفر أجهزة طبية، وهي الأزمة التي كشف عنها انتشار فيروس كورونا الجديد، مع غياب قواعد ومعايير الشفافية في حملات التبرع للمستشفيات. يشير المسؤول إلى ما خرج للعلن من اتهامات بالفساد ضد إدارة مستشفى "57357" المتخصص في علاج سرطان الأطفال عام 2018، والذي تعتمد ميزانيته بالكامل على التبرعات، بإهدار ملايين الجنيهات لا يعلم أحد مصيرها حتى اليوم. وهو ما أدى إلى صدمة كبيرة لدى المصريين، وتم بعدها إغلاق الملف كاملاً، إذ سيطاول عشرات من الأطباء والمسؤولين.
يطالب المسؤول، الذي فضل عدم ذكر اسمه، بضرورة تطبيق رقابة إدارية ومالية على تلك المستشفيات التي تقبل التبرعات، مشيراً إلى أنّ غالبيتها لا تقبل مريضاً سوى بالمحسوبية، ويجري علاج أو إجراء عمليات لعدد قليل من المرضى على مدى العام، بحجة عدم توفر إمكانيات ومستلزمات طبية مستوردة من الخارج. يضيف أنّه يجب أن يكون هناك صندوق لتلك التبرعات للإنفاق على المرضى من الفقراء، أما التجهيزات الطبية فيجب أن تكون من اختصاص وزارة الصحة.
وكانت وزارة التعليم العالي في مصر أطلقت حملة، نادت من خلالها بتوجيه المواطنين لتخصيص الزكاة لصالح المستشفيات الجامعية؛ بهدف تعزيز الخدمات التي تقدمها تلك المستشفيات للمواطنين، وقالت الوزارة: "لمن ستكون زكاتك وصدقتك هذه السنة؟ كلّ واحد فينا بيسأل نفسه في مثل هذه الظروف، كيف يمكن أن أساعد؟ ونحن نقول لك إنّ كلّ شيء من الممكن أن يعوَّض إلا الصحة. أدِّ زكاتك وصدقتك هذه السنة للمستشفيات الجامعية". وأوضحت أنّ هناك 113 مستشفى جامعياً على مستوى مصر، فيها 35 ألف سرير، تقدم الخدمة إلى 21 مليون مواطن سنوياً. بدورها، نظمت جامعة "القاهرة" حملة لدعم المستشفيات التابعة لها، والتبرع لتجهيز الاستقبال والطوارئ بمستشفى "قصر العيني" بالإضافة إلى حملات أخرى لدعم مستشفيات العزل والحجر الصحي والحمّيّات لتوفير المستلزمات الطبية.
يعترف الدكتور عادل حسين، أستاذ المسالك البولية بجامعة "عين شمس" بغياب قواعد ومعايير الشفافية، لوصول الأموال القائمة على التبرعات إلى المستشفيات الجامعية والحكومية، وبالتالي تعتبر أموال تلك التبرعات "مسكّنات" ليس لقلتها، بل هي أموال كثيرة جداً من الداخل والخارج، ومن مصريين وغيرهم، لكنّها لا تنفق بالطرق الشرعية في تطوير المستشفيات وشراء الأجهزة، ولا تذهب إلى مكانها الصحيح، والنتيجة أزمات مستمرة داخل تلك الكيانات، والمتضررون الأوائل من تلك الأزمات هم الفقراء، الذين لا مأوى لهم سوى تلك المستشفيات للعلاج بها. يحذر من خطورة استمرار العجز في تمويل القطاعات الصحية داخل البلاد، وتزايد تحايل المستشفيات على حساب إصلاح المنظومة الطبية، مؤكداً على أهمية دور الحكومة في بناء المستشفيات وتجهيز البنية التحتية كاملة، طبقاً لمواد الدستور، وزيادة الأموال المخصصة من ميزانية الدولة للقطاع الصحي؛ إذ إنّ تحديد نسبة 3 في المائة من الدخل القومي لمصر لا يكفي للإصلاح الصحي.
من جهته، يصف الدكتور إيهاب الطاهر، أمين عام نقابة الأطباء، اعتماد المستشفيات على التبرعات بـ"المخزي" في ظلّ التسول من أهل الخير عبر الإعلانات للإنفاق على المنظومة الصحية داخل البلاد، إذ لا يصح أن يكون تقديم الخدمة الطبية قائماً على التبرعات. يتساءل: "أين دور الدولة إذاً في تقديم الخدمات الطبية؟ وفي حال توقف تلك التبرعات هل سيجد المريض من يعالجه"؟ يؤكد أنّ ما يحدث سلبي ويمثل اعترافاً بفشل الحكومة في القيام بدورها بتقديم الخدمات الطبية لمواطنيها، مطالباً بضرورة الإسراع بوقف حملات الإعلانات تلك، لخطرها، فضلاً عن عدم استفادة المستشفيات منها.
يحذر الطاهر من خطورة استمرار العجز في تمويل القطاعات الصحية داخل البلاد، وتزايد تحايل المستشفيات على حساب إصلاح المنظومة الطبية، مؤكدا أهمية دور الحكومة في بناء المستشفيات وتجهيز البنية التحتية كاملة طبقا لمواد الدستور، وزيادة الأموال المخصصة من ميزانية الدولة للقطاع الصحي؛ حيث إن تحديد نسبة الـ3% من الدخل القومي لمصر لا تكفي للإصلاح الصحي.