لكن في المقابل، شاع مؤخرا استخدام شجرة الكينا للوقاية ومعالجة الإصابة بفيروس كورونا، بعد تداول معلومات على مواقع التواصل الاجتماعي تفيد أن كلوروكين مشتق من الكينين (المادة الفعالة في لحاء الشجرة)، فهل ينفع منقوع الكينا بديلا عن كلوروكين؟
يعدّ كلوروكين المشتق الصنعي لمركب الكينين، المستخلص من لحاء شجرة الكينا، وتوضح الصيدلانية ريام كريم أن كلاً منهما يستعمل لعلاج الملاريا، وتقول لـ"العربي الجديد": "تتجه العديد من الدراسات حاليا لفهم آلية تأثير كلوروكين على فيروس كورونا، ومدى فعاليته، ولكنّ أيّا منها لم يشر إلى الكينين كدواء فعال".
واندفع العديد من الناس مؤخرا لشرب منقوع قشور وأوراق شجرة الكينا، أو تبخير المنزل به، معتقدين أنه فعال في علاج الإصابة بفيروس كورونا المستجد، وتؤكد كريم أنّ هذه المعلومة مغلوطة، وتقول: "حتى لو أُثبتت فعالية مادة ما لعلاج مرض، وهو ما لم يحدث بالطبع في حالة الكينين، لا يمكن استخلاصها بشكل عشوائي من النباتات".
وتوضح كريم أن ما يتداوله العرب حاليا على أنه الكينا، هو أساسا نبات آخر يدعى "الأوكاليبتوس"، وتقول: "يتشابه نباتا الكينا والأوكاليبتوس في شكلهما الظاهري، ويختلفان بالمواد الفعالة، والتأثيرات الفيزيولوجية، وأماكن النمو، إذ تنمو شجرة الكينا في المناطق المدارية فقط، أي أنها غير موجودة في الوطن العربي".
وتضيف: "لا تحوي شجرة الأوكاليبتوس على الكينين، وعلى الرغم من أنّ الدراسات المبكرة تشير إلى أنّ منقوع أوراقها يمكن أن يساعد في تخفيف التهاب القصبات البكتيري، ويقلل إفراز البلغم لدى مرضى الربو، إلا أنّنا بحاجة للمزيد من الأدلة لتقييم فعاليته في هذه الحالات، وهو حتما ليس العلاج المنشود للإصابة بفيروس كورونا".
كيف تغير تراكيز المادة الفعالة من تأثير الأدوية؟
تعد صناعة الدواء عملية معقدة جدا، حيث تمر المواد الفعالة بالعديد من المراحل، التي تتطلب دقة شديدة ومراقبة مستمرة، قبل أن تتحول إلى الشكل النهائي الذي نراها عليه في الصيدليات. وتقول كريم في هذا الصدد: "لا يمكننا أن نستغني عن الدواء لمجرد وجود مصدر نباتي لمادته الفعالة، إذ تتغير تأثيرات العديد من الأدوية بتغير جرعاتها، وهو ما لا يمكن التحكم به عند استخلاص النبات منزليا".
وكأمثلة عن تغير تأثير الأدوية بتغير تراكيز المواد الفعالة، توضح كريم: "يصنع أستيل حمض الصفصاف المعروف تجاريا باسم (الأسبرين) بالعديد من العيارات، حيث يستخدم كمضاد لتكدس الصفيحات (مميع) بجرعة معينة، وكمضاد للالتهاب ومسكن للألم بجرعة أعلى، كما يعد الديجوكسين المستخلص من نبات (الديجيتال) مادة ذات هامش علاجي ضيق، أي أنّ تضاعف الجرعة العلاجية لمرة واحدة فقط قد يتسبب بقتل المريض".
هل علينا أن نتناول كلوروكين إذاً؟
تحذر الصيدلانية كريم من تناول كلوروكين من دون وصفة طبية، لما له من تأثيرات جانبية، منها ما قد لا يسترعي اهتماما طبيا، ومنها ما قد يهدد حياة المريض ما لم يراقب ضمن المستشفى، كاضطراب كهربائية القلب، وانخفاض سكر الدم، وانحلال الدم. وتقول: "لهذا الدواء العديد من المحاذير، وقائمة طويلة من التداخلات الدوائية، التي لا يلم بها إلا الطبيب، هذا لا يعني أنه دواء مختلف، فالعديد من الأدوية لها تأثيرات جانبية، ولكنه لا يجب أن يستخدم عشوائيا، أو يوصف خارج المستشفيات، كما تتوجب متابعة حالة المريض من قبل الأطباء المعالجين".
وتضيف: "سوّق مؤخرا لكلوركين كعلاج سحري، على الرغم من عدم وجود أدلة سريرية كافية على فعاليته وأمانه، وهذا الأمر خطير جدا، لأنّه قد يؤثر على استجابة الناس لإجراءات الحظر المطبقة، فالتباعد الاجتماعي حتى هذه اللحظة هو خط الدفاع الأول".