يكثر الحديث اليوم عن ضرورة التباعد الاجتماعي أو العزلة الاجتماعية من أجل كسر حلقة تفشي فيروس كورونا الجديد حول العالم. لكنّ الأمر يبدو مستحيلاً في بعض المجتمعات أو التجمّعات السكانية، ولا سيّما تلك الأشدّ فقراً.
في واحدة من القرى الأشدّ فقراً في مركز الصفّ بمحافظة الجيزة، شمالي مصر، تقطن أمّ محمد وأسرتها الصغيرة في "عشّة" من الخوص والحطب مدعّمة بالطوب من الخارج، أمّا سقفها فألواح مرصوفة من الصفيح تحمي من حرارة الشمس لكنّ مياه الأمطار تتسرّب من بينها. وأمّ محمد التي تصرّح بأنّها تعيش "على باب الله"، تتلقّى مساعدة من أهل الخير بين الحين والآخر، فيما ابنها الذي يقطن معها هو وزوجته وأبناؤه يعمل في أفران الطوب الأحمر التي تكثر في هذه المدينة والتي يعمل فيها السكان بمعظمهم.
منذ الصباح الباكر، تجلس أمّ محمد على عتبة بابها في حين ينطلق أحفادها مع بقيّة أطفال القرية للعب في الشوارع حفاة الأقدام مشعثي الشعر. هم لا يكترثون لأيّ شيء في الحياة سوى انتصاراتهم الصغيرة في الألعاب والبهجة التي يخبرونها والتي لا يقطعها إلا نداء أمهاتهم من حين إلى آخر. وأسرة أمّ محمد لم تصلها أيّ من نداءات التوعية المطالبة بملازمة المنازل وعدم الخروج إلا للضرورة، على خلفيّة فيروس كورونا الجديد التي ينتشر في البلاد فيما صُنّف وباءً عالمياً. هي سمعت بهذا الفيروس من خلال الأحاديث المنتشرة بين أهل القرية والتي تُتداول عادة مصحوبة بضحكات سخرية.
وحال هذه الأسرة لا تختلف عن أحوال ملايين الأسر المصرية في القرى والأحياء الفقيرة في كلّ محافظات البلاد، مع الانتشار الواسع والمتمدّد للفقر في كل الأنحاء. وكان البنك الدولي قد بيّن في تقرير له في العام الماضي (يوليو/ تموز 2019) أنّ نحو 60 في المئة من سكان مصر إمّا فقراء وإمّا عرضة للفقر. من جهته، كشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر (مؤسسة حكومية) ارتفاع معدلات الفقر في البلاد لتصل إلى 32.5 في المائة من عدد السكان بنهاية عام 2017 - 2018، في مقابل 27.8 في المائة لعام 2015 - 2016.
اقــرأ أيضاً
وبحسب تقرير البنك الدولي، تصدّر صعيد مصر (جنوب) قائمة المحافظات الأكثر فقراً في الجمهورية، فسجّلت محافظة أسيوط نسبة فقر بين مواطنيها بلغت 66.7 في المائة، تلتها محافظة سوهاج مع نسبة 59.6 في المائة، ثمّ الأقصر 55.3 في المائة، والمنيا 54 في المائة، وقنا 41 في المائة. وتتراوح نسبة الفقر في 46 قرية بمحافظتَي أسيوط وسوهاج، في صعيد مصر، ما بين 80 و100 في المائة، فضلاً عن معاناة 236 قرية في سوهاج من جرّاء الفقر، أي ما نسبته 87 في المائة من قرى المحافظة. بالتالي تُسجّل هنا النسب الأعلى بين أفقر ألف قرية في مصر.
وأسرة أمّ محمد لا تختلف عن آلاف الأسر في التجمّعات العشوائية في محافظتَي القاهرة والجيزة، حيث يعيش سكان تلك التجمعات في "عشش" أو مبانٍ ضيقة مؤلّفة من غرفة واحدة لكلّ أسرة وحمّام مشترك لسكان المبنى. بحسب نمط الحياة بهذه التجمعات، في الظروف العادية، يقصد الصغار في الصباح المدرسة قبل أن ينخرطوا في دوامة اللعب في الشارع التي تتخللها الدروس الخصوصية، فيما الآباء ينامون في الفترة الصباحية ويعملون ليلاً. وتعيش أسر كاملة في مثل هذه الوحدات، في معظم الأحيان. هكذا يمكن اختصار حياة سكان الدرب الأحمر ومنشية ناصر والوراق والفسطاط وصفط اللبن وغيرها من المناطق العشوائية المنتشرة في القاهرة والجيزة. وتبيّن أرقام تقرير البنك الدولي أنّ ما بين 12 مليون مواطن و20 مليوناً في مصر يعيشون في مناطق عشوائية، وهو ما يعادل ربع السكان تقريباً.
يُذكر أنّ بيانات التعداد السكاني في مصر لعام 2017 تشير إلى إنّ نحو 5.9 ملايين من سكان مصر يعيشون في غرفة واحدة مستقلة، فيما يعيش نحو 2.2 مليون شخص في غرفة أو أكثر في داخل وحدة سكنية. ويعيش في "دكان" نحو 77.7 ألف شخص، و2 مليون و4 آلاف شخص في "حوش" أو "مدفن" وجميعهم في الحضر، فيما يقطن 51.9 ألف شخص في "كشك" أو "عشّة" أو خيمة أو عربة ثابتة.
وفي تقرير البنك الدولي المشار إليه آنفاً، يتبيّن أنّ مصر في حاجة إلى بناء نحو 300 ألف وحدة سكنية جديدة للأسر الحديثة سنوياً، فيما تحتاج الآن إلى توفير 254 ألف وحدة إضافية كي يتسنّى تجاوز النقص في المساكن والذي تراكم في خلال السنوات الخمس الماضية.
اقــرأ أيضاً
وتتزايد خطورة انتشار فيروس كورونا الجديد في مثل تلك الظروف السكنية غير الملائمة، وبالتالي قد تنهار كلّ الجهود الحكومية والشعبية للحدّ من العدوى على أعتاب تلك "العشش" والبيوت، لا سيّما مع غياب الوعي الكافي في ما يتعلّق بأبسط وسائل الوقاية. ويزداد التخوّف من تفشي الفيروس في مثل تلك المناطق، مع التصريح الخطير الذي أدلت به وزيرة الصحة المصرية، هالة زايد، في مداخلة تلفزيونية إذ قالت "بعد تسجيل ألف حالة إصابة، سيصعب تعقّب الحالات ويخرج الوضع عن السيطرة".
منذ الصباح الباكر، تجلس أمّ محمد على عتبة بابها في حين ينطلق أحفادها مع بقيّة أطفال القرية للعب في الشوارع حفاة الأقدام مشعثي الشعر. هم لا يكترثون لأيّ شيء في الحياة سوى انتصاراتهم الصغيرة في الألعاب والبهجة التي يخبرونها والتي لا يقطعها إلا نداء أمهاتهم من حين إلى آخر. وأسرة أمّ محمد لم تصلها أيّ من نداءات التوعية المطالبة بملازمة المنازل وعدم الخروج إلا للضرورة، على خلفيّة فيروس كورونا الجديد التي ينتشر في البلاد فيما صُنّف وباءً عالمياً. هي سمعت بهذا الفيروس من خلال الأحاديث المنتشرة بين أهل القرية والتي تُتداول عادة مصحوبة بضحكات سخرية.
وحال هذه الأسرة لا تختلف عن أحوال ملايين الأسر المصرية في القرى والأحياء الفقيرة في كلّ محافظات البلاد، مع الانتشار الواسع والمتمدّد للفقر في كل الأنحاء. وكان البنك الدولي قد بيّن في تقرير له في العام الماضي (يوليو/ تموز 2019) أنّ نحو 60 في المئة من سكان مصر إمّا فقراء وإمّا عرضة للفقر. من جهته، كشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر (مؤسسة حكومية) ارتفاع معدلات الفقر في البلاد لتصل إلى 32.5 في المائة من عدد السكان بنهاية عام 2017 - 2018، في مقابل 27.8 في المائة لعام 2015 - 2016.
وبحسب تقرير البنك الدولي، تصدّر صعيد مصر (جنوب) قائمة المحافظات الأكثر فقراً في الجمهورية، فسجّلت محافظة أسيوط نسبة فقر بين مواطنيها بلغت 66.7 في المائة، تلتها محافظة سوهاج مع نسبة 59.6 في المائة، ثمّ الأقصر 55.3 في المائة، والمنيا 54 في المائة، وقنا 41 في المائة. وتتراوح نسبة الفقر في 46 قرية بمحافظتَي أسيوط وسوهاج، في صعيد مصر، ما بين 80 و100 في المائة، فضلاً عن معاناة 236 قرية في سوهاج من جرّاء الفقر، أي ما نسبته 87 في المائة من قرى المحافظة. بالتالي تُسجّل هنا النسب الأعلى بين أفقر ألف قرية في مصر.
وأسرة أمّ محمد لا تختلف عن آلاف الأسر في التجمّعات العشوائية في محافظتَي القاهرة والجيزة، حيث يعيش سكان تلك التجمعات في "عشش" أو مبانٍ ضيقة مؤلّفة من غرفة واحدة لكلّ أسرة وحمّام مشترك لسكان المبنى. بحسب نمط الحياة بهذه التجمعات، في الظروف العادية، يقصد الصغار في الصباح المدرسة قبل أن ينخرطوا في دوامة اللعب في الشارع التي تتخللها الدروس الخصوصية، فيما الآباء ينامون في الفترة الصباحية ويعملون ليلاً. وتعيش أسر كاملة في مثل هذه الوحدات، في معظم الأحيان. هكذا يمكن اختصار حياة سكان الدرب الأحمر ومنشية ناصر والوراق والفسطاط وصفط اللبن وغيرها من المناطق العشوائية المنتشرة في القاهرة والجيزة. وتبيّن أرقام تقرير البنك الدولي أنّ ما بين 12 مليون مواطن و20 مليوناً في مصر يعيشون في مناطق عشوائية، وهو ما يعادل ربع السكان تقريباً.
يُذكر أنّ بيانات التعداد السكاني في مصر لعام 2017 تشير إلى إنّ نحو 5.9 ملايين من سكان مصر يعيشون في غرفة واحدة مستقلة، فيما يعيش نحو 2.2 مليون شخص في غرفة أو أكثر في داخل وحدة سكنية. ويعيش في "دكان" نحو 77.7 ألف شخص، و2 مليون و4 آلاف شخص في "حوش" أو "مدفن" وجميعهم في الحضر، فيما يقطن 51.9 ألف شخص في "كشك" أو "عشّة" أو خيمة أو عربة ثابتة.
وفي تقرير البنك الدولي المشار إليه آنفاً، يتبيّن أنّ مصر في حاجة إلى بناء نحو 300 ألف وحدة سكنية جديدة للأسر الحديثة سنوياً، فيما تحتاج الآن إلى توفير 254 ألف وحدة إضافية كي يتسنّى تجاوز النقص في المساكن والذي تراكم في خلال السنوات الخمس الماضية.
وتتزايد خطورة انتشار فيروس كورونا الجديد في مثل تلك الظروف السكنية غير الملائمة، وبالتالي قد تنهار كلّ الجهود الحكومية والشعبية للحدّ من العدوى على أعتاب تلك "العشش" والبيوت، لا سيّما مع غياب الوعي الكافي في ما يتعلّق بأبسط وسائل الوقاية. ويزداد التخوّف من تفشي الفيروس في مثل تلك المناطق، مع التصريح الخطير الذي أدلت به وزيرة الصحة المصرية، هالة زايد، في مداخلة تلفزيونية إذ قالت "بعد تسجيل ألف حالة إصابة، سيصعب تعقّب الحالات ويخرج الوضع عن السيطرة".