كشف محامون متطوعون للدفاع عن المتظاهرين في لبنان، اليوم الخميس، أنّ عدداً من أعمال مكافحة الشغب التي قامت بها الأجهزة الأمنية والعسكرية، منذ انطلاق انتفاضة 17 أكتوبر/تشرين الأول، "اتخذ شكل جرائم تعذيب".
وأشاروا إلى أنّ "بعض ضباط وعناصر الجيش وقوى الأمن الداخلي وشرطة مجلس النواب، ارتكبوا جنحاً وجنايات خطيرة بحق الثوار، بينها التعذيب الجسدي والنفسي ومحاولة القتل والإخفاء القسري والإيذاء القصدي والتعدي على الحقوق المدنية وإهانة الكرامة الإنسانية".
ولفت المحامون، خلال مؤتمر صحافي عُقد، الخميس، في مقر نقابة المحامين بالعاصمة بيروت، إلى أنّ "الأجهزة الأمنية لم تكتفِ بإلقاء القبض على المتظاهرين وتوقيفهم بظروف غير لائقة، بل استمرّت بضربهم وتعنيفهم، حتّى بعد الإمساك بهم، أو إفقادهم وعيهم". واعتبروا أنّ "أخطر ما شهدته الفترة الأخيرة، هي محاولات الإخفاء القسري عبر توقيف المتظاهرين عن طريق الخطف، ومنعهم من التواصل مع أهلهم أو حتى مع محامٍ".
وأعلنت المحامية غيدا فرنجية أنّ "عدد الإصابات بين صفوف المشاركين في الانتفاضة الشعبية، منذ 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019 ولغاية أول الشهر الحالي، بلغ 553 إصابة، بينها 13 قاصراً و50 شابّة وامرأة، ومن ضمنها 35% تمّ احتجازهم. أمّا الاعتداء فكان بنسبة 64% من قبل قوى الأمن الداخلي ومكافحة الشغب، وبنسبة 18.7% من قبل الجيش والاستخبارات، و8.5% من قبل مدنيّين، و7.8% من قبل شرطة مجلس النواب، و1% لم يتضح من المعتدي".
وأضافت فرنجية: "تنوّعت وسائل الاعتداء بين العصي، والرصاص المطّاطي، والغاز المسيل للدموع، وكعب البندقية، وحدائد وسكاكين، والأيدي، والأقدام. أمّا الإصابات الموثقة من تقارير أطباء شرعيين، فنجد بينها إصابات خطيرة أدّت إلى ضرر دائم وتستوجب عمليات جراحية".
ولفتت إلى أنّه "تمّ توثيق كسور وارتجاجات في العمود الفقري، وكسر لمحجر العين، وفقدان النظر في إحدى العينين، وكسر الأصابع واليد والأنف والأسنان وعظم الساق، وثقب في طبلة الأذن وانخفاض في السمع، وجرح في الرأس، وأضرار في الكلى، وجروح عميقة في الشفاه، وجروح وكدمات عديدة في الظهر والجذع وحول العينين، ورضوض متعدّدة في مختلف أنحاء الجسم".
وأسفت فرنجيّة كون "الأجهزة الأمنية والعسكرية التي من المفترض أن تحمي المواطن، لجأت إلى أسلوب انتقامي ترهيبي، واتخذ العنف طابع العقوبة الفورية قبل التحقيق والمحاكمة والإدانة". وكشفت أنّ "بعض العناصر والضبّاط ارتكبوا اعتداءاتٍ وانتهاكاتٍ، من محاولات التحرّش الجنسي، والتهديد بالقتل والاغتصاب والسحل والدعس على الرأس، وضرب المتظاهرين بعيداً عن الإعلام وسلب هواتفهم وحتى أموالهم أحياناً".
بدوره، ركّز المحامي فاروق المغربي على عنوان المؤتمر "كيف تعامل القضاء مع شكاوى ضحايا التعذيب خلال الانتفاضة؟"، وقال: "تقدّمنا بـ15 شكوى أمام النيابة العامة التمييزية عن 17 مدّعياً بجرم التعذيب والإخفاء القسري والتعدّي على الحقوق المدنية للمتظاهرين، غير أنّ مخالفات عدّة لحقت بهذه الشكاوى، إذ تمّت إحالتها إلى مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية، كما تمّت إحالة مضمون الشكاوى إلى القطع الأمنية المعنية، فهل يُعقل أن يُستدعى الشاكي للمثول أمام الجهاز الأمني الذي يدّعي عليه طالباً الاقتصاص منه؟".
وتابع: "أمّا المخالفة الثالثة فكانت بحفظ الشكاوى من قبل معاون مفوض الحكومة، وكأنّ قرار الحفظ اتخذ طابعاً مقصوداً أكثر منه قانونياً".
وطالب المغربي "الجهات القضائية المختصة بتحمّل مسؤولياتها ومعاقبة جميع المرتكبين"، ودعا قادة الأجهزة الأمنية إلى "تفعيل المحاسبة المسلكية وإعادة التدريب على مفهوم حقوق الإنسان".
من جهته، وصف المحامي مازن حطيط الارتكابات بأنّها "سادية، والأخطر محاولات التغطية على جرائم التعذيب، ومحاولات شيطنة الثورة، وللأسف القضاء شريك في ذلك. يتّهمون المتظاهرين بجرائم كبيرة تصل إلى عقوبة الإعدام، في حين يقف القضاء ساكتاً أمام ناهبي الأموال العامة وسارقي الأملاك البحرية العامة، وأمام تجّار السرطان، والفاسدين، وأصحاب المصارف، والبلطجيّة؟".
وناشد حطيط القضاة "العودة إلى ضميرهم لتحرير الشعب من هذه الطغمة الحاكمة، وإلى استخلاص العِبر من جرأة المنتفضين". وعلق: "كونوا مع حقوقهم، لا تمزّقوا مستقبلهم وأحلامهم، لا تكونوا شركاء في تعنيف هذا الشعب، فالقضاء يحكم الأمن وليس العكس".
ويعيش لبنان منذ 17 أكتوبر/ تشرين الأول، على وقع حراك شعبي غير مسبوق ضد الطبقة السياسية المتهمة بالفساد وبالمسؤولية عن أسوأ أزمة اقتصادية منذ الحرب الأهلية بين 1975 و1990.