تسربات الغاز في الجزائر تسببت في مقتل 12 شخصاً منذ بداية السنة الجارية. وفي هذا الإطار، حذّرت المديرية العامة للدفاع المدني من تزايد حالات الاختناق بالغاز المنزلي. وكشفت المديرية عن حصيلة، تمثلت في وفاة 145 شخصاً، السنة الماضية، بتسرب الغاز أو انفجارات الغاز، عدا عن إنقاذ 775 شخصاً من الموت اختناقاً للسبب نفسه.
وقد كثّفت جمعيات حماية المستهلك في البلاد، في الأيام الأخيرة، من الأنشطة الموجهة لتوعية الأسر من مخاطر تسرب الغاز، إذ نظمت لقاءً إعلامياً بالتنسيق مع المؤسسة الوطنية للغاز والكهرباء، للتوعية بمخاطر الاستخدام السيئ للغاز في المنازل. وتفيد الجمعيات حماية بأنّ هناك مسألة تتعلق بالمباني السكنية في حدّ ذاتها، إذ طالب محمد أوجانة، العضو في "جمعية المستهلك والحفاظ على البيئة" في العاصمة الجزائرية، بالكشف المكثف على مدى مطابقة تمديدات الغاز في الأحياء السكنية الجديدة لمعايير السلامة العامة.
وتجتمع عوامل وأسباب عدة في الوفيات الناجمة عن تسرب الغاز في الجزائر، منها عوامل أسرية وأخطاء في البناء والتمديدات، خصوصاً إذا ما تعلّق الأمر بتجهيز الحمامات والمطابخ وآلات التدفئة، إذ أعلنت لجنة ضبط الكهرباء والغاز الجزائرية أنّ السبب الرئيس في حوادث الاختناق بالغاز في الجزائر هو نوعية الأجهزة المستخدمة من مدافئ وسخانات مياه، لافتة إلى مدى خطورة بعض تلك الوسائل. ويذكر رئيس اللجنة عبد القادر شوال، لـ"العربي الجديد"، أنّ من أسباب الحوادث المتصلة بالغاز افتقار المدافئ المستوردة وأجهزة الغاز (البوتاغاز) المستخدمة في المنازل إلى معايير السلامة، موضحاً أنّ اللجنة أجرت تحقيقاً ميدانياً تحت إشراف عدد من الكوادر، حول البحث في أسباب حوادث الاختناق من الغاز في المنازل. يتحدث شوال عن "خبايا مخاطر الغاز"، مؤكداً أنّ اللجنة التي توجهت إلى المباني الآهلة بالسكان، والمنازل المجهزة بالغاز الطبيعي، توصّلت إلى أنّ ضعف جودة الأجهزة تبقى في المرتبة الأولى بين أسباب حوادث الاختناق بالغاز، مشيراً إلى أنّ التحقيقات الميدانية أثبتت أموراً خطيرة تتعلق بطريقة البناء وتمديدات الغاز في الشقق السكنية، والتي تهدد الصحة، فضلاً عن عيوب التهوية التي ترتبط بالغاز غير المشتعل، وكذلك بالغاز المشتعل. وكشفت التحقيقات الميدانية، بحسب شوال، أنّ غياب مقاييس السلامة من بين الأسباب التي تؤدي إلى عدد من الحوادث، مضيفاً أنّ "نقص الوعي بمخاطر تسرب الغاز في المنازل غير المزودة بالتهوية، خصوصاً في فصل الشتاء، يأتي في المرتبة الثانية بين الأسباب". يدعو إلى ضرورة التوعية الكاملة بضرورة تثبيت الأجهزة العاملة على الغاز في أماكن تتوفر على التهوية.
وتطالب فعاليات عدة تنشط في مجال الحماية المدنية والدفاع عن المستهلك بزيادة حملات توعية المواطنين، وحثهم على حماية أنفسهم وعائلاتهم، وإدخال التوعية في المدارس والجامعات. وتعتبر أنّ من الضروري أن يكون دور الإعلام كبيراً في هذا المجال.
ومن بين الحلول المقدمة لتفادي مخاطر تسرب الغاز، يقترح رئيس "المنظمة الجزائرية لإرشاد المستهلك" بلعباس حمزة، إلى تجهيز المنازل بجهاز كاشف تسرب الغاز أو "مونوكسيد"، وهو الجهاز الذي ينذر بتسرّب الغاز في المنازل، مضيفاً أنّ هذا الجهاز هو من بين الحلول الناجحة للتقليل من الحوادث التي باتت تحصد الأرواح، وموضحاً أهمية تخصيص دوريات رقابية منتظمة، يشرف عليها خبراء من قطاع الشركة الجزائرية للكهرباء والغاز، للمنازل، وذلك لمراقبة كيفية ربطها بشبكة الغاز وطرق التهوية فيها، على امتداد مختلف الأحياء السكنية، خصوصاً في المدن الآهلة بالسكان، بما فيها من مبانٍ مشيدة بطرق فوضوية.
من جهته، يقول المتخصص في الأجهزة الكهربائية المنزلية، المهندس سمير عيساني، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الأجهزة المستعملة هي الخيار المتاح للعائلات متوسطة الدخل، بالرغم من المخاطر التي تحيط بها، وذلك بسبب كلفتها غير الباهظة. يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ النوعية الجيدة تحيلنا إلى الحديث عن القدرة الشرائية للجزائريين، وضرورة توعية الأسر بأهمية الجودة، لأنّها تساوي الحياة.
لكنّ المواطن الذي لا يتعدى دخله الشهري 30 ألف دينار جزائري (250 دولاراً أميركياً) لا يسأل عن جودة هذه الأجهزة، بحسب حديث كثيرين لـ"العربي الجديد"، وهو ما يجعل الآلاف من الأسر ضحية للجودة المنعدمة في بعض الأجهزة القاتلة، وضحية للوضع المعيشي الصعب. وعلى العكس من ذلك، فإنّ عائلات كثيرة تشتري أجهزة باهظة الثمن، لكن ذات جودة عالية، بالنظر إلى المثل الشعبي الجزائري القائل "من رخصوا تودّر نصّو"، أي بالنظر إلى انخفاض الثمن ستخسر بمجرد شرائه نصف قيمته وفائدته.