كورونا الجديد... شهران على ظهور الفيروس الغامض

29 فبراير 2020
إجراءات ضرورية في المطارات (حيدر الحمداني/ فرانس برس)
+ الخط -

قبل شهرَين، بدأت الأخبار تُتداول حول فيروس غامض في الصين، تحديداً في مدينة ووهان الواقعة بإقليم هوبي وسط البلاد. فراحت أنظار العالم تتوجّه إلى تلك البقعة من العالم، لا سيّما مع تشبيه المراقبين ما يحصل بمتلازمة الالتهاب التنفسي الحاد (سارس) التي ضربت الصين كما بلدان أخرى حول العالم ما بين عامَي 2002 و2003 مخلّفة مئات الوفيات. وبالفعل تمّ تشخيص الفيروس لاحقاً كواحد من الفيروسات التاجية التي يأتي فيروس سارس من ضمنها، وأُطلق عليه فيروس كورونا الجديد/ المستجدّ، قبل أن تُصطلح عليه تسمية "كوفيد - 19".

اليوم، بعد شهرَين، تتّضح صورة الفيروس الذي تمدّد إلى بقاع مختلفة من العالم أكثر فأكثر وإن ما زال غامضاً في بعض جوانبه. نظريات مختلفة أُطلقت حول مصدره على سبيل المثال، فيما نجح العلماء في رسم خريطته الجينية، إلى جانب عمل آخرين على أكثر من 20 لقاحاً على مستوى العالم مع تجارب سريريّة من المتوقّع أن تظهر نتائجها في خلال بضعة أسابيع. كذلك، يُحكى عن طفرات مختلفة عن تلك المسجّلة في الصين، لا سيّما في كوريا الجنوبية وإيطاليا وإيران - حتى الآن - وهو الأمر الذي يزيد قلق الناس أينما وُجدوا. وسط ذلك، أعلنت منظمة الصحة العالميّة على لسان مديرها العام تيدروس أدهانوم غيبريسوس، أمس الجمعة، عن رفع درجة تقييمها خطر انتشار فيروس كورونا وتأثيره إلى مستوى "مرتفع للغاية" على مستوى العالم، وذلك على خلفيّة "الزيادة المستمرة في عدد الحالات بالإضافة إلى عدد البلدان المتضررة" أخيراً. وإذ أشار غيبريسوس إلى أنّ ذلك "مثير للقلق"، أكّد أنّ "احتواءه ما زال ممكناً".

من بين البلدان المتضرّرة أخيراً، تأتي دولة قطر التي أعلنت وزارة الصحة العامة فيها، اليوم السبت، عن تسجيل إصابة أولى مؤكّدة بفيروس كورونا الجديد. وقد أوضحت في بيان أنّ الإصابة تعود إلى مواطن قطري يبلغ من العمر 36 عاماً عاد من إيران مع مواطنين آخرين تمّ إجلاؤهم على متن طائرة خاصة أخيراً. وأضافت الوزارة أنّ المريض أُدخل إلى "مركز الأمراض الانتقالية تحت العزل التام، وهو في حالة صحية مستقرة"، مشيرة إلى أنّ الأمر كان "متوقّعاً"، نظراً إلى انتشار الفيروس في دول عدّة في العالم، وخصوصاً في دول المنطقة.



وفي إيران التي تُعَدّ مركز تفشّي الفيروس في المنطقة، لا سيّما بعد إصابة مواطنين من دول عربية عدّة زاروها أخيراً، صرّح المتحدث باسم وزارة الصحة كيانوش جهانبور، اليوم السبت، بأنّ بلاده تستعدّ لإمكانية توافد عشرات الآلاف للخضوع لاختبار إصابتهم بفيروس كورونا الجديد. أضاف أنّ عدد الوفيات على خلفية الإصابة بفيروس كورونا في البلاد بلغ 43 شخصاً فيما وصل عدد المصابين إلى 593 شخصاً، مشيراً إلى أنّ "تسعة أشخاص توفّوا بسبب الفيروس في الساعات الأربع والعشرين الماضية". وإيران سجّلت حتى اليوم أعلى عدد من حالات الوفاة بالفيروس في خارج الصين، لكنّ كوريا الجنوبية وإيطاليا ما زالتا تتقدّماها في عدد الإصابات.

وعلى خلفيّة تفشّي الفيروس في البلاد، أمرت السلطات الإيرانية بإغلاق المدارس حتى يوم الثلاثاء المقبل، علماً أنّ دولاً عدّة في المنطقة لجأت إلى هذا الخيار أخيراً من قبيل لبنان والكويت. كذلك مدّدت الحكومة الإيرانية إغلاق الجامعات وحظرت الحفلات الموسيقية والمباريات الرياضية وغيرها لمدّة أسبوع، فيما ناشدت الحكومة السكان البقاء في المنازل بسبب الانتشار السريع للفيروس. يُذكر أنّ مسؤولين رفيعي المستوى أصيبوا بالفيروس، منهم نائب وزير ومساعد وزير الصحة إيرج حريرجي وخمسة من نواب البرلمان، منهم النائب المنتخب عن مدينة آستانة آشرفية (شمال إيران) محمد رمضاني، مساء أمس الجمعة.

أمّا في إيطاليا التي تُعَدّ الثالثة في العالم لجهة عدد الإصابات بفيروس كورونا الجديد، مع 889 إصابة و21 وفاة حتى اليوم السبت، فقد ارتدّ الخوف المرتبط بانتشار الفيروس في شمالها سلباً على القطاع السياحي في العاصمة روما (وسط البلاد) التي تُعَدّ من الوجهات السياحية الرئيسية عالمياً، على الرغم من ابتعادها عن البؤرة الرئيسية لتفشّي الفيروس في شمال. وهذا الأمر يؤكّده كثيرون من العاملين في القطاع السياحي، لافتين إلى أنّ أعداد السياح الأجانب والزائرين الإيطاليين انخفضت إلى نصفها أو أكثر. بالنسبة إلى هؤلاء، لا داعي للهلع والخوف المبالغ بهما على الرغم من المشكلة الحقيقية. لكنّ المراقب ما زال يستطيع مشاهدة سيّاح وزائرين في المدينة، لا سيّما من الذين لا يشعرون بخوف استثنائي. تجدر الإشارة إلى أنّ بلدات عدّة ما زالت معزولة في الشمال، لا سيّما في إقليم لومبادريا، في محاولة من السلطات الإيطالية للسيطرة على الفيروس الجديد والحؤول دون تفشّيه في مناطق أخرى. فثمّة خوف كبير من أن تكون إيطاليا بوابة كورونا إلى القارة الأوروبية، مثلما هي إيران بالفعل بالنسبة إلى منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً إلى البلدان العربية.



في سياق التعرّف أكثر إلى فيروس كورونا الجديد، تفيد المعطيات الأخيرة بأنّ المسنّين أو الذين يعانون أمراضاً مزمنة من قبيل السكري والربو وارتفاع ضغط الدم هم أكثر عرضة للإصابة بالفيروس، فيما الضحايا الذكور أكثر من الإناث. كذلك تبيّن أنّ الإصابات بمعظمها تأتي مع أعراض طفيفة أو معقولة من قبيل السعال والحمّى والتعب. أمّا المصابون في الحالات الأكثر خطورة فيشكون من ضيق شديد بالتنفّس أو من فشل كلويّ حاد وقد يصل الأمر إلى حدّ القصور في عمل أعضاء عدّة، الأمر الذي قد يؤدي إلى الوفاة. وبعد شهرَين من ظهور الفيروس للمرّة الأولى، ما زال متوسط نسبة الوفيات منخفضاً نسبياً، ويُقدّر ما بين واحد في المائة وثلاثة في المائة بحسب المعطيات المتوفّرة حتى الآن.
المساهمون