الأرض تضيق بنازحي إدلب

29 فبراير 2020
مخيمات النزوح لا تحتمل (عمر حاج قدور/ فرانس برس)
+ الخط -
يُواصل آلاف المدنيّين النزوح من مناطق ريف إدلب الشرقي وأرياف حلب الجنوبي والغربي، باحثين عن أمان سلبتهم إياه قذائف مدفعية النظام السوري وراجمات صواريخه، والقنابل الفراغية التي تستهدف بها الطائرات الروسية بلداتهم وقراهم.

ولم تعد المخيمات تتّسع للنازحين الجدد. الخيام ضيّقة والأرض كذلك. والبحث عن مكان للإيواء هو كمن يبحث عن إبرة في كومة قش. لا الأرض بلعت ماءها ولا السماء قطعت مطرها ولا الريح هدأت قليلاً. في فصل الصيف، كان في الإمكان الجلوس والنوم على الأرض. أما اليوم، فلا مجال لذلك.

على مدى أيام، ظلّ محمد حلبي يبحث عن مسكن لأهله في مدينة بنش شمال إدلب. لكن على الرغم من مساعيه، لم يجد مكاناً لهم. يقول لـ "العربي الجديد": "بعد خروج أهلي من مدينة معرة النعمان، بحثوا طويلاً عن منزل في ريف إدلب الشمالي، لكن للأسف لم يحالفهم الحظ، وأقاموا لأيام في منزل عمتي. المنزل كان يضم نحو 8 عائلات، ولم يكن يتّسع لأي شخص إضافي. لا أدري كيف تدبروا أمورهم فيه. استعنت بأصدقاء لي في مدينة بنش وطلبت منهم أن يبحثوا لي عن بيت أو أي شيء لأهلي، وبعد عناء وبحث طويل لم نجد. وفي النهاية، وجدنا منزلاً في بلدة كفرتخاريم. والدي كبير في السن ولا يحتمل البقاء في مخيم، وبالتالي تحمل البرد والأمطار. ليس لدينا خيار آخر".



وفي المخيمات، فاق حجم المعاناة الألم لدى النازحين. وفضل البعض البقاء في منطقته ريثما يؤمن له أقاربه مكاناً للإقامة، سواء في خيمة أو بيت أو غرفة أو أي مسكن يقيه البرد والمطر. وفي هذا الإطار، يقول الناشط والإعلامي أسعد العزو لـ "العربي الجديد" إنه خلال تنقله في مناطق المخيمات في قطاع أطمة وكفردريان والدانا وباقي مناطق ريف إدلب القريبة من الحدود السورية التركية، رأى ما يدمي القلب. شاهد عائلات تقيم في خيمة بالكاد تتسع لهم. ويوضح: "في غالبية المخيمات الحدودية، لا يوجد خيمة تؤوي أقل من 10 عائلات. في الغالب، يكون النساء والأطفال في خيمة والرجال يتدبرون أمرهم إما في خيمة أخرى أو أي مكان آخر".

يتابع العزو: "حين ألتقي نازحين من ريف حلب الجنوبي، يخبرونني أن قسماً من عائلاتهم ما زال تحت القصف، كون المكان هنا لا يتسع للجميع، وهم يترقبون الحصول على خيمة في أي مكان يستطيعون السكن فيه ثم إخبار من بقي من عائلاتهم بالقدوم، مشيرين إلى أنه لا خيار آخر أمامهم". وفرضت أجور النقل المرتفعة على العائلات النازحة البحث عن الأماكن الأقرب، فضلاً عن إمكانية نقل الأغراض والممتلكات إلى مكان النزوح، ما يخفف عنهم عبء البحث عن أغطية أو ملابس أو حتى بعض الأدوات المنزلية التي يمكن حملها. وهذا ما يدفع بالجزء الأكبر من النازحين للتوجه إلى ريف إدلب التي ما زالت آمنة نسبياً، خصوصاً مناطق الريف الشمالي.



ويؤكد محمد مصطفى من مدينة بنش لـ "العربي الجديد": "لم يعد هناك متسع لمزيد من النازحين في المدينة التي كان عدد سكانها في السابق يصل إلى نحو 45 ألفاً، في وقت يضم نحو 80 ألفاً من أهلها والنازحين. وفي الوقت الحالي، نخشى أن تتعرض المدينة للقصف. هنا منازلنا تهتز من جراء القصف على المناطق القريبة. وتقصف الطائرات المروحية مدينة سرمين التي تبعد عنا كيلومترات قليلة. لا ندري ما تحمله الأيام المقبلة لنا وللنازحين هنا في المدينة".

وبلغ عدد النازحين من مناطق ريفي حلب الغربي والجنوبي نحو 130 ألفاً خلال الفترة الممتدة من 16 يناير/ كانون الثاني الماضي وحتى الثاني من فبراير/ شباط الجاري. وبلغ عدد النازحين من مناطق إدلب نحو 179 ألفاً في الفترة ذاتها، بحسب إحصائية صادرة عن فريق منسقو الاستجابة.