مأساة النزوح في سورية نتيجة استمرار الحرب ما زالت تؤثّر بشكل كبير على الأطفال الذين يقضون يومهم في المخيّمات وسط البرد، من دون أن يكونوا قادرين على متابعة تعليمهم والعيش مثل الأطفال العاديين.
تسبّبت موجة النزوح الأخيرة شمال غربي سورية بآثار كارثيّة على المجتمعات في تلك المناطق، خصوصاً لدى الأطفال الذين عرفوا النزوح أكثر من مرة، خلال البحث عن الحدّ الأدنى من مقومات الحياة في ظل الظروف المناخية القاسية. سناء أحمد (36 عاماً) هي أم لخمسة أبناء. وكانت تقيم في قريتها الفطيرة القريبة من معرة النعمان التابعة لمحافظة إدلب. تتحدّث لـ "العربي الجديد" عن الأوضاع التي تعيشها مع أطفالها، قائلة: "مع بداية تقدم قوات النظام من قريتي واشتداد القصف، نزحنا إلى مدينة سرمدا شمال محافظة إدلب. لكن المنطقة لم تكن آمنة، فاضطررنا للنزوح مرة أخرى. وكانت الوجهة مدينة الدانا القريبة من الحدود السورية التركية".
تضيف أحمد: "يعيش أولادي الآن حالة من الضياع، ويقضون كل أوقاتهم في البيت. المدرسة كانت عبارة عن خيمة، ولم يكن التلاميذ يشعرون أنهم في مدرسة. بعدها، انتقلت إلى مكان آخر، وكانت المدارس القريبة مليئة بالنازحين. ونتيجة الخوف من القصف في أية لحظة، وبسبب درجات الحرارة المتدنية، لا أسمح لأولادي بالخروج من المنزل. إلا أن ابني الأكبر حسام البالغ من العمر 15 عاماً، يذهب مع والده ليساعده في صناعة "الموازييك". أما ابنتي رزان (13 عاماً)، فتساعدني في المنزل. وتتابع أحمد: "باقي الأولاد، ليس لديهم ما يقضون به وقتهم سوى الساعات القليلة التي يستخدمون بها هاتفي المحمول. المنطقة مكتظة بالنازحين وتفتقر لكل ما هو مفيد للأطفال". وتشير إلى غياب أية نشاطات للأطفال يستطيعون من خلالها قضاء وقت مفيد، لافتة إلى أنهم يقضون يوميات مملة في ظل غياب الألعاب وعدم قدرتهم على مشاهدة الرسوم المتحرّكة بسبب انقطاع الكهرباء، وعدم توفّر دخل شهري يساعد على الاشتراك في المولدات الكهربائية.
أما منار الأسعد المقيمة في مدينة الدانا، فتقول: "أنا أم لطفلتين، الأولى تبلغ من العمر سبع سنوات والثانية ثلاث سنوات. كانتا تعيشان حياة مستقرة في مدينة الدانا. ابنتي الكبيرة تقضي يومها في المدرسة. أما الصغيرة، فكانت معي في المنزل. لكن منذ نحو شهر، اقتربت قوات النظام من محيط المدينة. كانت أصوات المدافع والطائرات الحربية والانفجارات قريبة وقوية، ما جعل الأطفال يعيشون الخوف". وتوضح الأسعد أن الأطفال يعانون من حالة نفسية سيئة من شدة الخوف الذي يعيشونه. أصبحوا يرون كوابيس وأحلام مخيفة في الليل، ودائماً ما يريدون البقاء بقربي ويخشون من الوحدة، ما دفعنا إلى التفكير بالنزوح إلى مكان آخر. لكن الأمر لم يكن سهلاً. الخطر في كل مكان. قررنا الهروب إلى تركيا واجتزنا الحدود وتعرضنا للعديد من المخاطر. أصيب أطفالي بالمرض خلال الطريق بسبب البرد، وبقينا أياماً عدة في العراء. ولكن بسبب التشديد الأمني من قبل السلطات التركية، استطاعوا الإمساك بنا وإعادتنا إلى الداخل السوري". تؤكد الأسعد أنها لن تكرر عملية الدخول بواسطة التهريب إلى تركيا مرة أخرى لأنها شعرت أنها كادت أن تفقد أطفالها خلال محاولتها السابقة. تضيف: "نحن الآن في مدينة حارم القريبة من الحدود السورية التركية. نسكن في بيت من دون سقف مغطّى بشادر يكاد لا يقي من برد الشتاء ولا أمطاره".
في السياق، تقول ليلى السيد حسو لـ "العربي الجديد" إنه "بسبب كثرة التنقّل واستهداف المراكز، بقي مركزين، الأول في معرة مصرين والآخر في ترمانين. والهدف من هذه المراكز هو حماية الأطفال وتقديم الخدمات إليهم، خصوصاً أطفال الاحتياجات الخاصة والذين تعرضت حياتهم للخطر، أو تعرضوا للخوف من جراء أصوات الانفجارات، وتقديم الدعم النفسي والصحي لهم". وتؤكّد حسو أن شبكة حراس تشرف على مائة مدرسة، 85 منها أصبحت مراكز إيواء للنازحين، مبينة أنّه لتفادي أزمة حرمان الأطفال من التعليم، تُحاول الشبكة تطبيق ما يسمى بالتعليم المنزلي، إذ يقوم الكادر التعليمي بمتابعة الأطفال في مناطق نزوحهم والوصول إليهم قدر المستطاع. والشبكة مجبرة على تغيير خططها لتتناسب مع الوضع الحالي.
ومن أهم الأعمال التي قامت بها الشبكة للحفاظ على الأطفال داخل أسرهم وعدم تعرضهم للانفصال الأسري، عمدت إلى توزيع 8000 سوار توضع في معصم الطفل ويكتب عليها اسمه واسم عائلته ورقم الهاتف، في حال انفصال الطفل عن عائلته كي يكون هناك أمل في عودته. كما أن الشبكة رصدت 28 حالة انفصال للأطفال عن عائلاتهم، قبل أن يُعادوا إليهم.
من جهته، هاجر مصطفى من مدينة سرمين شرق إدلب، هو البالغ من العمر 14 عاماً، فكاد ينسى أنه طفل من حقه أن يلعب ويتعلم. يقول لـ "العربي الجديد": "بسبب القصف، كانت المدراس تغلق أبوابها ولم نستطيع الذهاب إلى المدرسة سوى أياماً معدودة خلال الشهر الماضي. ومع تقدم قوات النظام نزحت مع عائلتي إلى بلدة حزانو القريبة من الحدود التركية. وكان عبء التنقل كلّه على عاتقي كوني أكبر أشقائي الذين كانت رعايتهم من مسؤوليتي. وكان يتم التعامل معي وكأنني رجل. إضافة إلى اهتمامي بأشقائي، أقضي معظم يومي في تأمين احتياجات العائلة، خصوصاً بعدما سكنا في خيمة. أصبحت الاحتياجات أكثر ولم يعد هناك أي وقت للدراسة أو حتى للتسلية".