ثم في 16 فبراير/شباط الجاري، حملت الأسرة بالونات حمراء مجدداً، ونظمت وقفة احتجاجية أمام مقر وزارة العدل بوسط المدينة بالقاهرة، للمطالبة بتطبيق لائحة السجون، مع رفعها لافتات مكتوبا عليها: "4 أشهر بلاغات وشكاوى لكل الجهات علشان بس تطبقوا لائحة السجون.. نعمل إيه تاني"، "طبقوا لائحة السجون تريض.. كتب وجرايد.. زيارة عادية بدون حواجز".
وفي مساء اليوم نفسه، كان غرافيتي البالونة الحمراء بجوار عبارة free Alaa يجتاح مواقع التواصل الاجتماعي، تضامناً مع هذا الشخص الذي يخص كل من شارك وأيد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011.
واعتلت البالونة الحمراء يسار عشرات الصور "profile picture"، على موقع التواصل الاجتماعي، بعدما تحولت لأيقونة تمكن إضافتها بمجرد الضغط على اختيار بسيط في تطبيق الصورة، بينما هو لا يرى ولا يسمع سوى أصوات الجنازير (الأقفال) التي توصد زنزانته في سجن طرة.
وتمكن علاء من وصف نفسه جيداً، عندما كتب في آخر مقال منشور له على موقع "مدى مصر" الإخباري "لن يخرجوك من التاريخ ما دمت قادراً على الحديث، لن ينفوك للماضي ما دمت قادرًا على الاستماع. لكن أي حاضر تسكن؟ لتسكن أحلام رفاقك وكوابيس أعدائك، عِش في مستقبل لم يتحقق، عش فيه كطيف وعبرة وذكرى"، بالفعل علاء عبد الفتاح يسكن أحلام رفاقه وكوابيس أعدائه. وبالفعل هو طيف وعبرة وذكرى منذ انخراطه في ساحة النضال السياسي والفكري في مصر، لسنوات سبقت اندلاع الثورة.
Twitter Post
|
في مرافعته الأخيرة عن نفسه أمام النيابة، قال عبد الفتاح إن "التفسير الوحيد لاحتجازي، أن هناك تصوراً عند الأجهزة الأمنية، تصوراً مسبقاً مبنياً على تاريخ سابق ومحاولات تشويه مستمرة من بعد الثورة. أنا محبوس كإجراء احترازي بسبب وضع سياسي مأزوم وفيه خوف من أني أشتبك معه.. بشكل واضح أنا محبوس علشان مواقفي السابقة -والتي لا أنكرها- لكني الآن أرى أن المجتمع المصري منهك من عدة مشاكل ومن سوء إدارة، وحل هذه الأزمة يتخطى الرئيس ويحتاج منا أن نفكر كيف نرمم هذا الوطن ونحل بعضا من أزماته، أنا لا أطالب برحيل فوري لأن خلق صراعات في هذه اللحظة الهشة أمر شديد الخطورة، بل سأتعاطى مع مبادرات مثل مبادرة النائب أحمد طنطاوي، ووزير العدل ومنها ضبط قانون الإجراءات الجنائية، مثل وضع سقف للحبس الاحتياطي".
ويعلم عبد الفتاح أنه سجين الضرورة. وأن جميع الأنظمة السياسية المتعاقبة سجنته تحسبًا، كإجراء احترازي نتيجة الوضع السياسي.
وسجن عبد الفتاح للمرة الأولى عام 2006، في فترة حكم الرئيس المصري المخلوع، حسني مبارك، على خلفية تضامنه مع اعتصام قضاة "تيار الاستقلال في مصر".
ثم كان رمزا لقضية المحاكمات العسكرية للمدنيين عام 2011، التي سجن على إثرها للمرة الثانية، وخرج منها ليمثُل ثالثة أمام المحكمة في قضية التظاهر أمام مجلس الشورى في نوفمبر/تشرين الثاني 2013، التي تعد أول وقفة احتجاجية خرجت لرفض وإلغاء قانون التظاهر، الذي وضعه نظام الثالث من يوليو/تموز 2013.
ثم قضت محكمة جنايات القاهرة، في فبراير 2015، بالسجن المشدد 5 سنوات، و5 سنوات مراقبة وغرامة 100 ألف جنيه بحق عبد الفتاح، وبالسجن ثلاث سنوات لـ23 متهما آخرين في قضية "أحداث مجلس الشورى"، بعدما أسندت النيابة العامة لعبد الفتاح و24 متهماً آخرين، تهماً بالاعتداء على ضابط مصري، وسرقة جهازه اللاسلكي والاعتداء عليه بالضرب، وتنظيم مظاهرة بدون ترخيص أمام مجلس الشورى، وإثارة الشغب والاعتداء على أفراد الشرطة وقطع الطريق والتجمهر وإتلاف الممتلكات العامة.
وبعد أن أنهى مدة عقوبته كاملة، وبينما كان رهن التدابير الاحترازية، ألقي القبض عليه يوم 29 سبتمبر/أيلول 2019، خلال أحدث حملة قمع شنّتها السلطات، من قسم شرطة الدقي بعد خروجه من القسم حيث يقضي المراقبة الشرطية يوميًا من السادسة مساءً للسادسة صباحًا.
علاء، مدون ومبرمج حاسبات، وناشط سياسي من أسرة حقوقية، فشقيقته منى هي مؤسسة حركة لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين، ووالدته ليلى سويف هي أستاذ الرياضيات وعضو حركة 9 مارس لاستقلال الجامعات منذ أن كانت تدرس في الجامعة عندما خرجت في مظاهرة لأول مرة عام 1972 من جامعة القاهرة، وشقيقته الصغرى سناء، هي ناشطة سياسية أيضا سبق اعتقالها وأفرج عنها بموجب عفو رئاسي، وجميعهم يسيرون على خطى والدهم المحامي الحقوقي البارز، أحمد سيف الإسلام الملقب بـ"محامي الفقراء"، الذي كان أول اعتقال له سنة 1972 إثر مظاهرات الطلبة من أجل تحرير سيناء، ثم اعتقل سنة 1973 وقضى في السجن ثمانية أشهر، على خلفية مشاركته في الاحتجاجات على خطاب الرئيس المصري الراحل، أنور السادات، وتأخره في اتخاذ قرار بالحرب مع إسرائيل، وأفرج عنه مع زملائه قبل حرب أكتوبر بأيام. واعتقل أيضًا ليومين سنة 2011. وخالته الكاتبة الصحافية، أهداف سويف.
وعلاء كان متزوجاً من منال بهي الدين، ابنة الحقوقي بهي الدين حسن، مدير مركز القاهرة لحقوق الإنسان (منظمة مجتمع مدني مصرية تعمل من باريس بسبب الأوضاع الأمنية الصعبة في مصر)، وله ابن اسمه خالد، تيمناً بضحية التعذيب خالد سعيد، أحد أهم أسباب اندلاع ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011.
أما عن لقبه "التنين البمبي"، فقد أطلقته عليه الخبيرة في لغة الجسد، شادية متولي، لكونه "شديد التواضع والإحساس بالغير، اجتماعي جداً ولكن خجول"، على حد وصفها.