صحة إدلب... وحدات طبية لا تستوعب النازحين المتدفقين

20 فبراير 2020
يقتصر العمل على الحالات الطارئة (عمر حاج قدور/فرانس برس)
+ الخط -

موجات النزوح المتلاحقة أدت إلى كارثة على المستوى الصحي في إدلب، بالترافق مع ضعف المؤسسات الطبية، وانخفاض درجات الحرارة، وانتشار الأمراض الموسمية، وعدم توافر أماكن يأوي إليها المهجّرون

تتحمل مديرية الصحة في محافظة إدلب العبء الأكبر في معالجة تدهور الوضع الصحي في منطقة ضيقة تضمّ نحو 3.1 ملايين نسمة، من السكان والنازحين. ومع زيادة تدفق النازحين الى الشمال والشمال الغربي، نشأ ضغط كبير على معظم المراكز الطبية، بالإضافة إلى الظروف الصحية والمعيشية القاسية التي يعاني منها السكان. وهو ما جعل المراكز غير قادرة على الصمود في تلبية حاجات عدد هائل من المرضى.

معاون مدير الصحة في محافظة إدلب مصطفى العيدو، يقول لـ"العربي الجديد"، إنّ القطاع الصحي بات غير قادر على استيعاب الأعداد الهائلة من النازحين، والمراكز الصحية الموجودة في الأساس هي مراكز مهيأة بموارد محدودة لسكان المنطقة الأصليين، كما أنّه منذ بداية تأسيس القطاع الصحي جرى العمل على إنشاء مركز في كلّ منطقة يكون قادراً على تقديم الخدمة والمستلزمات الطبية لأهاليها بالذات.

يضيف أنّ معظم المراكز الطبية والمستشفيات التي كانت موجودة في المناطق التي سيطر عليها النظام أخيراً جرى إغلاقها، كما نقل البعض منها إلى أماكن أخرى، ما أضعف الخدمات التي تقدمها، موضحاً أنّهم تمكنوا من إخلاء معظم تلك المستشفيات من الأجهزة والمعدات، وهم الآن يعملون على إعادة فتحها مجدداً في المناطق الشمالية والشمالية الغربية من سورية. يتابع العيدو أنّ هذا الوضع لا يعني أنّ القطاع الصحي سوف ينهار بشكل كامل، إنّما سيتسبب بتقصير وعدم قدرة المنشآت الصحية على استيعاب الأعداد الهائلة، كما أنّ الظروف الصحية السيئة ستنعكس سلباً على حياة الناس وصحتهم، وسوف تتزايد نسبة الأمراض ونسبة الوفيات، ما سيؤدي إلى انخفاض مستوى الحياة الصحية، علماً أنّه لم تسجل حتى الآن أيّ أمراض جديدة وغير مألوفة سوى الأمراض الموسمية وحالات سوء التغذية والرضوض بسبب القصف.




أما بالنسبة للمنظمات الداعمة، فيشير العيدو إلى أنّ نسبة الدعم المقدم للقطاع الصحي تختلف من فترة إلى أخرى، وذلك تبعاً للظروف الميدانية، وخصوصية بعض المنظمات. يؤكد أنّ الدعم تناقص عن السنوات السابقة، وأحياناً يمكن أن يتوقف دعم بعض المؤسسات الصحية بسبب انتهاء المنحة المقدمة لها وعدم إيجاد داعم بديل. وبالتالي، فإنّ الوقت الراهن يشير إلى توقف الدعم عن عدد من المستشفيات الكبرى، مثل مستشفى باب الهوى ومستشفى عقربات.
أما بالنسبة للتحديات التي تواجه القطاع الصحي، فيقول العيدو إنّ أبرزها إمكانية تحمل المراكز الصحية القائمة الأعداد الكبيرة من الناس المحاصرين ضمن بقعة جغرافية صغيرة، بالإضافة إلى تقلص الدعم، وعدم توافر بنية تحتية في المناطق الشمالية لاستيعاب المستشفيات التي جرى نقلها من المناطق التي سيطر عليها النظام. اما التحدي الأساس فهو القصف المباشر الذي تتعرض له المنشآت الصحية، بالإضافة إلى انتشار عدد هائل من المخيمات العشوائية ضمن فترات زمنية قصيرة جداً، ما يجعل من الصعب تغطيتها صحياً.

دعم محدود
بدوره، يقول مدير إدارة الأمن والسلامة في منظمة "أوسوم" أحمد الدبيس، لـ"العربي الجديد": "أدت العمليات العسكرية الأخيرة منذ إبريل/ نيسان 2019 حتى اليوم، إلى تعليق عمل أكثر من 80 منشأة صحية كان عدد المستفيدين منها أكثر من مليون، وهذا العدد نزح بأكمله إلى الشمال، ما أدى الى تضاعف عدد المراجعين أكثر من 150 في المائة، وهو ما شكل ضغطاً كبيراً على الكادر الصحي، وزاد الطلب على الموارد الصحية والأدوية في الوقت الذي لا يوجد فيه أيّ تعويض للنقص الحاصل من أدوية ومستلزمات مطلوبة بسبب محدودية الدعم وتخصيصه لمشاريع محددة مسبقاً.

خرج بعض المستشفيات عن الخدمة (عز الدين إدلبي/الأناضول) 












يوضح الدبيس أنّ بعض المنشآت الصحية التي علقت عملها تحاول فتح مراكزها مجدداً لتغطية الاحتياجات الصحية، لكنّ عدداً قليلاً منها استطاع إعادة فتح تلك المراكز بسبب تخوف الأهالي من استهداف المنطقة لوجود تلك المراكز فيها، بالرغم من احتياجهم الشديد لها. كذلك، فإنّ المنظمات ومديريات الصحة تحاول قدر الإمكان تغطية الفجوة الصحية القائمة لكنّها تجد صعوبة في ذلك، لأنّها مضطرة للعمل على طريقة الفرز، فهي تعمل على الاستجابة للحالات الطارئة فقط، كما أنّ كثيراً من المستشفيات أوقف "الحالات الباردة" من قبيل عملية الزائدة أو الكتل الالتهابية وغيرها، واقتصر عمله على الحالات الطارئة.

يؤكد الدبيس أنّ الإصابات الناتجة عن عمليات الاستهداف تجبر الجريح على البقاء في العناية المشددة أكثر من يومين، موضحاً أنّه لم تعد هناك قدرة استيعابية في المراكز، وكذلك الأمر بالنسبة لحاضنات الأطفال في المستشفيات، فقد امتلأت جميعها ولم تعد هناك قدرة استيعابية إضافية. يشير إلى أنّ انعدام القدرة الاستيعابية للمستشفيات أجبر العديد من الحوامل على الولادة الطبيعية في المنزل، بالرغم من حاجتهن أحياناً لولادة قيصرية، مبيناً أنّ هذا الأمر خطير، وقد ينتج عنه تمزق في الرحم، ما ينعكس زيادة في الأمراض والوفيات. يتابع الدبيس: "بسبب الضغط، لجأ بعض الأطباء إلى فتح عيادات خاصة، علماً أنّ كثيرين من بينهم يعملون بشكل خيري، إما مجاناً أو بنصف قيمة المعاينة، كما أنّ عدداً كبيراً من الكوادر الطبية قرر الهجرة بسبب انعدام الأمان وفقدان المعارضة مناطق كبيرة، والتغيرات العسكرية التي جرت أخيراً".



يضيف الدبيس: "هناك بعض الحالات الحرجة التي يجري إدخالها إلى تركيا، بشكل روتيني، لكنّه ليس كافياً ولا يساهم في تخفيف الضغط عن المراكز الصحية".

معاناة
فادية عبد الحميد (معلمة)، كانت تقطن في مدينة بنش، ونزحت إلى الدانا، بالقرب من الحدود مع تركيا، تقول لـ"العربي الجديد"، إنّ الوضع الصحي في المنطقة متأزم جداً بسبب تلوث الهواء الناتج عن استخدام النفايات كحطب للتدفئة، ما قد يتسبب بأمراض صدرية خصوصاً لدى الأطفال. توضح أنّه لا يكاد يوجد شخص في المنطقة إلّا يعاني من أمراض صدرية، فيما المراكز الطبية لا تقوم بعملها على أكمل وجه، مشيرة إلى أنّ الدانا تضم مستوصفاً مجانياً لكنّه لا يستوعب جميع المراجعين، وهناك مستشفيات خاصة لكنّ أسعارها مرتفعة جداً، ما يدفع المريض للذهاب إلى أقرب صيدلية وأخذ دوائه بنفسه، وهو ما قد يؤدي في بعض الأحيان الى مضاعفات لدى المرضى، كما تقول. تضيف عبد الحميد: "تنتشر في المنطقة أمراض وآفات عدة، مثل القمل، والليشمانيا، والصرع، والحروق، بالإضافة إلى أمراض تلوث المياه، إذ يضطر السكان إلى شرب مياه غير نظيفة لا يعرفون مصدرها، ويعاني كثيرون منهم من أمراض في الكلى والتهاب المسالك البولية بسبب المياه"، موضحة أنّ المراكز الصحية والمنظمات لا تعالج هذه الأنواع من الأمراض بسبب عدم توافر أطباء اختصاصيين. وتشير إلى أنّ المنطقة تحتاج إلى أطباء في عدد من الاختصاصات، مثل العظمية والقلبية، كما تحتاج إلى مختبرات للتخطيط والتصوير الطبي. ومن خلال تجربتها الخاصة، توضح أنّها ذهبت أربع مرات متتالية إلى المركز الصحي، وفي آخر زيارة تمكنت من الحصول على دور معاينة لابنها لدى طبيب الأسنان، لكنّها كانت "تجربة فاشلة"، ما اضطرها للذهاب إلى عيادة خاصة.

نقص في الاختصاصيين (عارف وتد/ فرانس برس) 












مازن قدرو، من مدينة خان شيخون، له تجربته أيضاً، إذ يعاني ابنه (15 عاماً)، من مرض الصرع. يقول لـ"العربي الجديد"، إنّه ذهب به إلى عدد من الأطباء، لكن بعد فترة، لاحظ الوالد أنّ محمد كان يدخل في غيبوبة قصيرة بسبب الدواء، ما دفعه إلى وقف العلاج. يضيف أنّه بسبب عدم توافر أطباء متخصصين في مدينة الدانا، ذهب بابنه الى مستشفى باب الهوى، حيث وصف له أحد الأطباء علاجاً لكنّه حذره من تأثيرات جانبية له، منها انحراف النظر (استغماتزم)، ما أثار خوف الوالد فلم يعطِ ابنه العلاج.




عبد المحسن محمد، نازح إلى بلدة أرمناز، يقول لـ"العربي الجديد": "لم تبقَ لدينا في المنطقة الشمالية من إدلب سوى مراكز صحية ومستشفيات صغيرة تقدم بعض الخدمات البسيطة وتفتقر إلى تجهيزات عدة، فضلاً عن قلة الكوادر الطبية. وفي أرمناز مركز صحي واحد، ومستوصف متواضع، بعدد قليل من الاختصاصيين، وصيدلية واحدة تفتقر لأدوية ضرورية، بينما أعداد المراجعين كبيرة".