شتاء مخيمات غزّة ليس كما في الكتب المدرسية

13 فبراير 2020
محاولة للدفء (محمد الحجار)
+ الخط -

المنخفض الجوي لا يعني أمطاراً وعواصف وبرداً فقط. ففي مخيمات غزة، هو معاناة مستمرة، في ظل تسرّب مياه الأمطار إلى البيوت وانعدام وسائل التدفئة

يومياً، تُحاول فاتن أبو ريالة (42 عاماً) سدّ بعض الثغرات في سقف منزلها حتى لا تتسرب مياه الأمطار من سطح المنزل الذي تحميه ألواح الأسبست في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة. وهذه ليست المرة الأولى التي تقوم فيها بهذه المهمة هذا العام. ففي كل عام منذ سبع سنوات، تعمد إلى سدّ ثغرات السقف بمادة السيليكون، هي التي تعيش في منزل قديم تغطيه ألواح الأسبست التي تجاوز عمرها أكثر من 35 عاماً، وقد أصبحت غير صالحة.

ويُعاني أبناء أبو ريالة بسبب تسرّب المياه من السطح خلال فترات هطول الأمطار، التي قد تُبلّل الفراش والملابس. وفي كل عام، تخسر قطعة من أثاثها بسبب تسرّب المياه، وتحاول وضع النايلون لتغطي ما أمكن ومنع تسرّب المياه. لكن ما إن يشتد المطر أكثر، حتى تتسرب المياه إلى المنزل على الرغم من محاولات الوقاية. تقول لـ"العربي الجديد" إن "هناك العشرات من المنازل في منطقتنا في المخيم مثل منزلنا الأسبستي. اعتدنا هذا الأمر منذ طفولتنا، لكن اختلفت الحياة الآن وقد زاد الفقر. لا نستطيع بناء سقف إسمنتي لأن زوجي عاطل عن العمل منذ خمس سنوات. في الشتاء، يتحول منزلنا إلى ثلاجة طبيعية، ولا نستطيع شراء وسائل للتدفئة. حتى الأغطية لا تمنحنا الدفء".



يعيش سكان قطاع غزة مأساة حقيقية، في ظل المنخفض الجوي الذي تشهده المنطقة، مع تقليص ساعات تشغيل الكهرباء في ظل تقطع أسلاك بعض الخطوط، كما أعلنت شركة الكهرباء في غزة، إضافة إلى البنى التحتية المتهالكة والتي أدت إلى غرق الكثير من شوارع القطاع وبعض البيوت في المناطق التي تعد منخفضة وتلك النائية. لكن المعاناة داخل المخيمات مختلفة تماماً. وعلى الرغم من التقدم في العمران في مخيمات قطاع غزة التي يبلغ عددها ثمانية مخيمات أساسية، هناك أكثر من عشرة فرعية، تضم آلاف المنازل التي تعد بنيتها ضعيفة، وتغطي أسطحها ألواح الأسبست وألواح الحديد الرقيقة، ومنها ألواح قديمة. ويعتمد أصحاب تلك البيوت في مخيم الشاطئ على تغطية الأسطح بالنايلون السميك، كما يقول صبحي حمدان (50 عاماً)، ويُساعد المواطنون بعضهم بعضاً في منطقتهم خلال المنخفضات الجوية، وهي الطريقة نفسها التي يتبعها العشرات من سكان المخيم لمنع مياه الأمطار من التسرب إلى المنازل. لكن مع اشتداد المنخفض الجوي، لا بد أن تتسرب مياه الأمطار كما يقول، بسبب الرطوبة التي تظهر على جدران المنزل.



ويقول حمدان لـ"العربي الجديد": نسمع أن الألواح الأسبستية خطيرة على صحة الإنسان. حتى الأطباء في غزة يقولون ذلك. لكن لا مال ولا عمران ولا تمويل لمنازلنا التي تتحول إلى أفران في الصيف وثلاجات في الشتاء. وخلال هذا المنخفض الجوي، باتت غرفة واحدة في المنزل فقط صالحة للإقامة فيها بسبب تسرب مياه الأمطار. الشتاء فيه رزق للناس وكره لسكان المخيم للأسف، على حد تعبير حمدان.



ويجد الكثير من سكان المخيم أن أفضل وسيلة للتدفئة هي الجلوس أمام المنازل الصغيرة وإشعال بعض الأخشاب والتجمع حولها مع الأطفال. هذه الوسيلة أكثر فعالية من التدفئة في منازلهم الباردة. هذا ما يفعله فوزي البربراوي (45 عاماً) في مخيم جباليا شمال قطاع غزة يومياً. فهو وسكان منطقته في أقصى شرق المخيم، يعيشون بمعظمهم في منازل من الأسبست.
يومياً، يجمع الأخشاب من جيرانه والأحياء ويشعلها مع رجال وشباب وأطفال المنطقة. يقول لـ"العربي الجديد": بنيت كل المخيمات الفلسطينية بهذه الطريقة الرديئة أملاً في العودة. لكن سكان المخيم علموا أن العودة أصبحت حلماً. لذلك، فمن يملك المال شيّد بيوتاً وعمارات.



يضيف البربراوي أن "الفقراء يتحملون البرد شتاءً والحر صيفاً. وفي كل منخفض جوي، نفكر في كيفية حماية منازلنا. هذا المنخفض أدى إلى تدمير لوحين من منزلي وقد تضرر جيراني أيضاً، ولا أحد يعوّض أو يسأل عن بيوت الفقراء في المخيم. وعندما نتوجه للحصول على مساعدات من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، يقولون إنهم يقدمون لنا مساعدات إغاثية وطبية. أليست الوكالة مسؤولة عن شؤون اللاجئين؟".



يكره الكثير من أطفال مخيمي جباليا والشاطئ فصل الشتاء. محمد شرف (9 أعوام)، يتفاجأ عندما يقرأ عن فصل الشتاء في الكتب المدرسية والخير الذي يجلبه. فهو لا يجد أمامه إلا منازل مخيم جباليا ومنزله الذي تغطيه ألواح حديدية. ويقول إنّ "الشتاء جيد وجميل لمن يعيشون في منازل جميلة. هؤلاء يستمتعون بالتفرج على تساقط الأمطار من النوافذ الزجاجية، ويجلسون قرب مدفأة الغاز، ويتنقلون في سيارات أو حافلات إلى المدارس. لكنني أكره الشتاء لأن منزلنا يتجمد وتتبلل ثيابي خلال ذهابي إلى المدرسة. أتمنى لو نعيش في منزل آخر".