يبدو أنّه من غير الممكن التحكّم كلياً بهواجس امرأة حامل، فالخوف من الإضرار بطفلها المنتظر يسيطر عليها منذ ما قبل تأكّدها من حملها. وهذا الخوف الذي يعدّه كثيرون غير مبرّر، يربطه المعنيّون بغريزة الأمومة.
في خلال فترة الحمل، تبدو النساء عادة مرتبكات، لا سيّما إذا كان ذلك حملهنّ الأوّل. وتخشى كثيرات من اتّخاذ خيارات، وإن لم تكن ذات أهمية كبرى، قد تؤثّر سلباً على أجنّتهنّ وعليهنّ كذلك. ومن تلك الخيارات البسيطة ما يتعلّق بسلوكيات معيّنة، منها استهلاك أنواع معيّنة من الطعام والشراب أو القيام بتحرّكات معيّنة، وتُضاف إلى ذلك كيفية التعاطي مع حالات نفسية قد تطرأ على النساء الحوامل أو ظروف صحية أخرى تختلف طبيعتها.
في شهر سبتمبر/ أيلول 2019 وحده، تناولت وسائل إعلامية دراسات علميّة مختلفة حول المخاطر التي قد تعرّض النساء الحوامل أولادهنّ لها، عن غير قصد. وصار يُحكى عن احتمال إصابة المواليد باضطرابات سلوكية لاحقة في حال تناولت أمّهاتهم في خلال فترة حملهنّ بهم عقار "باراسيتامول" الذي يُعَدّ مسكّن ألم آمناً في المجمل. كذلك، أشير إلى أنّ عدم معالجة فقر الدم في خلال الأسابيع الثلاثين الأولى من الحمل قد يتسبّب في إصابة المولود مستقبلاً بالتوحّد أو باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة. بالإضافة إلى ذلك، ولعلّ أكثر ما أثار خوف الحوامل هو ما خلصت إليه دراسة نشرتها المجلة البريطانية للطب النفسي، قبل أن تتناقلها وسائل الإعلام، ومفادها أنّ تعرّض المرأة إلى الضغط النفسي في أثناء الحمل يزيد من احتمالات إصابة مولودها لاحقاً باضطراب في الشخصية. من جهة أخرى، لفت تقرير آخر نُشر في شهر مايو/ أيار 2019 إلى احتمال أن يؤدّي تناول رقائق البطاطس إلى عرقلة نموّ الجنين الطبيعي.
قد يبدو الأمر أشبه بتواطؤ ما بين العلم والإعلام لإصابة الحوامل بالذعر، بحسب ما كتبت الصحافية البريطانية جاين فرايمان، المتخصصة في شؤون الصحة والعلوم، على موقع "آي" الإخباري البريطاني. من جهتنا، نضيف أنّ هؤلاء الحوامل لسنَ في حاجة إلى ذلك في الأساس، فهواجسهنّ الكثيرة تكفيهنّ. لكنّ ثمّة علماء في المقابل، بحسب فرايمان، يؤكدون أنّ ما يهمّ هو مساعدة الحوامل في كيفية فهمهنّ لحملهنّ ولما قد يضرّ بأجنّتهنّ من دون إثارة مخاوفهنّ. وتساءلت عن الحاجة إلى دراسات أخرى تؤكد العلاقة ما بين الضغط النفسي في أثناء الحمل والاكتئاب والقلق والفصام لدى المواليد لاحقاً.
وبينما أقرّت فرايمان بأنّ الدراسة المنشورة في المجلة البريطانية للطب النفسي والمذكورة آنفاً فشلت في توضيح العلاقة ما بين الضغط النفسي واضطراب الشخصية، إلا أنّها أشادت بطريقة إعدادها. فالدراسة تابعت أولاد 3600 امرأة في فنلندا على مدى 30 عاماً، لتأكيد المخاوف المشار إليها. فتَبيّن أنّ أولاد النساء اللواتي عانَين من ضغط نفسي شديد في أثناء الحمل كانوا أكثر عرضة للإصابة باضطراب في الشخصية بنحو 10 أضعاف بالمقارنة مع سواهم. أمّا أولاد النساء اللواتي عانَين من ضغط نفسي خفيف في أثناء الحمل، فكانوا معرّضين أكثر من سواهم بنحو أربعة أضعاف.
وقد نقلت فرايمان في مقالها نفسه ما صرّحت به الدكتورة ترودي سينيفيراتني، رئيسة كلية الصحة النفسية لفترة الحمل والولادة التابعة للكلية الملكية للأطباء النفسيين، في حديث إلى شبكة "بي بي سي"، عندما قالت: "هذه قضية حساسة جداً"، مضيفة "لا نريد أن يظنّ الأهل أنّهم يضرّون بأطفالهم، لكنّ مستويات الضغط النفسي المرتفعة تؤثّر علينا بشكل كبير".
في سياق متصل، تخبر رامونا (46 عاماً)، التي تقيم في لندن، ما عانته في خلال حملها، ليس من خلال الأخبار والمعلومات التي ترد من هنا وهناك، إنّما كذلك على خلفيّة ما أبلغها به طبيبها في الأسابيع الأخيرة من حملها. تقول لـ"العربي الجديد": "أردت أن أموت قبل أن ألد طفلتي، عندما أبلغني الطبيب بأنّ الجنين مشوّه وقد يكون حجم الرأس أكبر بكثير من الطبيعي. ولمّا حان موعد الوضع، رحت أبكي وأصرخ، ثمّ أغمضت عينَيّ ورفضت النظر إلى طفلتي عندما أبصرت النور"، مضيفة أنّ "الطبيب جعلني أتخيّل أنّني سوف أنجب مسخاً". وتتابع: "لكنّ والدتي طمأنتني بالتأكيد أنّها جميلة وطبيعية، ودعتني إلى فتح عينَيّ. بالفعل، بدت طفلتي طبيعية على الرغم من حاجتها إلى جراحة في الجمجمة. وعندما بلغت ابنتي شهرها السادس، خضعت للجراحة التي تكلّلت بالنجاح. وها هي اليوم في العشرين من عمرها، شابة جذابة وطبيعية". وتدعو رامونا الحوامل إلى عدم الشعور بالذعر، لافتة إلى أنّها لا تنسى معاناتها النفسية لأسابيع "نتيجة تشخيص خاطئ أو مبالغ فيه من قبل الطبيب، في حين أنّني كنت في حاجة إلى من يهدّئني ويطمئنني". من هنا، يبدو أنّ المتابعة النفسية للمرأة الحامل أمر لا بدّ منه، تماماً كما متابعة تطوّر حملها جسدياً.