أهل طرابلس تعايشوا مع الحرب

28 يناير 2020
أمام أحد مقاهي طرابلس ليل الجمعة الماضي(محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -
تسعة أشهر من المواجهات المسلحة في مناطق جنوب طرابلس، عاصمة ليبيا، أجبرت مئات الأسر على الهرب من مساكنها والنزوح إلى مناطق بعيدة، وبالرغم من ذلك، فإنّ أهالي المناطق المجاورة لمحاور القتال كانوا يتعايشون مع الأزمة قبل الإعلان عن الهدنة الأخيرة في منتصف يناير/ كانون الثاني الجاري.

بالقرب من حاجز عسكري أقامته قوات الحكومة بمنطقة صلاح الدين، كأولى النقاط المؤدية إلى المنطقة العسكرية التي يحظر الاقتراب منها، تتوقف عشرات سيارات المواطنين أمام مقهى عصري، للتزود بالقهوة الصباحية قبل ذهابهم إلى مقرات عملهم. وبالرغم من إقفال المحلات التجارية الكبيرة، فإنّ محلات تجارية أخرى بقيت مفتوحة الأبواب، فيما يضج طريق الشوك، المؤدي إلى أكثر المناطق توتراً في محور صلاح الدين، بحركة السيارات.




تؤكد فايزة أنّها أقامت طوال الأشهر الماضية مع أطفالها رفقة شقيقها، كونها أرملة، بمنزلها في حي طريق الشوك. تقول وهي توقف سيارتها أمام سوق المزايا، وهو من أكبر الأسواق الخاصة بالمنطقة، أنّها بقيت تتبضع يومياً من السوق المكتظ أيضاً بالمواطنين المتبضعين. وعن مخاوفها من خطر انتقال القتال إلى الحيّ الذي تسكن فيه، تقول: "المحور لا تفصلنا عنه كما ترون سوى ثلاثة كيلومترات، وهناك بعض الأجزاء منه تقترب منا أكثر من ذلك، لكن أين من الممكن أن أفرّ بأسرتي؟".

وشهدت منطقة صلاح الدين تساقط القذائف العشوائية بشكل كثيف خلال الفترات الماضية قبل الهدنة، ما أودى بحياة عشرة مواطنين على الأقل، في قصف طاول الفرناج وعمارات صلاح الدين وابن النفيس، وكلّها مناطق ملتصقة بطريق الشوك. وتتوفر في محيط طريق الشوك مدارس عامة وخاصة عدة، منها مديرية طلائع التوفيق، المشرفة على الطريق مباشرة، ومدرسة "الشمس" الخاصة، التي لا يفصلها عن محور القتال سوى كيلومتر واحد فقط. وبالرغم من توقف الدراسة فيها خلال الفترة الماضية، فإنّ مكتب التعليم بمنطقة عين زاره، الذي تتبع له هذه المدارس، أعلن عن تسليم قرار العودة إلى الدراسة فيها إلى إداراتها، وفقاً لتقدير كلّ منها. ومن المرجح أن تعلن مدرسة "الانشراح" بطريق الشوك، بحسب عادل المصراتي، ولي أمر أحد تلاميذها، العودة إلى الدراسة، بعد الهدنة. يقول: "بالنسبة لي، سأعيد ابني للدراسة في حال فتحت المدرسة أبوابها مجدداً، فالخطر هو نفسه إن وجد، إذ إنّ بيتي ملاصق للمدرسة تماماً".

اللافت في تعايش المواطنين مع ظروف الحرب، انتشار ما لا يقل عن ستة مقاه على طول طريق الشوك، أحدها يحمل اسم "وناسة" لا يبعد أكثر من نصف كيلومتر عن أول الحواجز الأمنية المؤدية إلى منطقة المواجهات.

وفيما استمرت عشرات الدوريات الأمنية التابعة لوزارة الداخلية في حكومة الوفاق في الانتشار بأغلب طرقات وأحياء العاصمة طرابلس، أغلقت قوات الحكومة طرقات تتفرع من طريق الشوك والهضبة وغيرها من الأحياء المجاورة لمناطق القتال بواسطة حواجز أمنية، وأخرى بمتاريس رملية وحاويات مملوءة بالتراب، لكنّ مواطنين كثيرين استمروا في الدخول إلى منازلهم عبر الطريق الواصل الى حي السدرة بعين زاره. يؤكد يوسف بلعيد أنّه اضطر لنقل أسرته إلى حي بعيد بسبب اشتداد الحرب في حي السدرة المجاور، لكنّه كان يعود مساء كلّ يوم لينام ليلته في منزله عبر طرقات زراعية خلفية بالرغم من منع قوات الحكومة. يضيف: "نقدر مخاوف قوات الحكومة على سلامتنا، لكنّنا اعتدنا على أصوات القصف والقنابل، فسواء أقمنا في بيوتنا أو بعيداً عنها فقد كانت أصواتها تصل إلينا". وعن مخاطر القذائف العشوائية يؤكد أنّه "لا يوجد حيّ يمكن أن يسلم من تلك القذائف، فحتى حي شرفة الملاحة، أبعد الأحياء عن الحرب، تعرض لأكثر من 100 صاروخ غراد".

في ساعات المساء، تصطف عشرات السيارات أمام مقهى "وناسة" ومقهى "ليالي بيروت" ومقاهٍ أخرى بطريق الشوك، إذ اعتاد أهل المنطقة احتساء القهوة وتدخين النارجيلة فيها طوال فترة الحرب. يقول بلعيد إنّه يمرّ على أحدها للحديث مع أصدقائه كما اعتادوا كلّ مساء، قبل أن يسلك طريقاً زراعياً إلى بيته المحاذي لحيّ السدرة الملتهب. وبالقرب منها، عند حافة الطريق، تستقبل صالة رياضية عشرات الزبائن الذين يقصدونها لممارسة الرياضة فيها يومياً.

أما منطقة أبو سليم التي أعلنت سلطاتها المحلية وقف الدراسة بشكل نهائي فيها بسبب قرب محاور القتال منها، فالحياة تبدو فيها طبيعية تماماً، إذ لم تقفل محلاتها التجارية أبوابها، وما زالت الطرقات تغص بالمارة، حتى قبل الهدنة، وصولاً إلى الحي الدبلوماسي الذي لا تفصله عن محور القتال في الخلاطات سوى ثلاثة كيلومترات.




يفتح فتحي سهل ورشته الخاصة بغسيل السيارات كلّ صباح، مؤكداً أنّ الحياة طبيعية. وبلغة يريد من ورائها دعم المقاتلين على الجبهات يقول: "يجب أن نثبت للمعتدي أنّنا لا نخافه وأننا نعيش حياة طبيعية، بالرغم من قذائفه وصواريخه".

يستقبل طارق نشنوش، بدوره، عشرات المرتادين لصالته الخاصة بالإنترنت "كافيه طارق". هناك يجلس الشبان أمام أجهزة الكومبيوتر، فيتابع بعضهم دراسته التي توقفت بسبب إقفال المدارس والجامعات، ويلعب آخرون ألعاباً إلكترونية مع أصدقائهم، سواء في المكان أو بعيداً عبر الإنترنت.