تمكّنت السلطات التونسية، أمس، من استعادة ستة أطفال من أبناء عناصر تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" الذين قتلوا في ليبيا مباشرة بعد الحرب على "داعش" في عملية البنيان المرصوص خلال عام 2016.
الأطفال الستة اليتامى عادوا من ليبيا عبر مطار تونس قرطاج بعدما احتضنهم الهلال الأحمر الليبي في مدينة مصراتة طوال السنوات الماضية، وقدم لهم الرعاية والعناية. ونتيجة لرغبة أقربائهم في احتضانهم، وبعد مساعٍ عدة من المجتمع المدني، تمّت الموافقة على عودتهم في انتظار استعادة أطفال آخرين عالقين في بؤر التوتر.
ويؤكد رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان مصطفى عبد الكبير، لـ "العربي الجديد": "تتراوح أعمار هؤلاء الأطفال ما بين 4 و11 عاماً، من بينهم سليم (11 عاماً)، وهو من محافظة جربة. انتقل والده إلى ليبيا باتجاه صبراتة مع عائلته التي تتكوّن من زوجته وأطفاله، من بينهم سليم وشقيقه التوأم وشقيقته (15 عاماً) وشقيقه (14 عاماً)". يضيف: "المؤلم أن مصير بقية العائلة، خصوصاً شقيقه التوأم الذي كان يرافقه في كل شيء، ظل غير معلوم"، مشيراً إلى أنه، أي بشكل شخصي، لم يعثر على أي دليل حول إمكانية نجاة أي فرد من هذه العائلة، باستثناء سليم.
ويبيّن أن العائلة في تونس، أي الجد والجدة، لم يكونا على علم بمصير ابنهما أو عائلته. والطفل سليم هو الناجي الوحيد وموجود لدى الهلال الأحمر، مشيراً إلى أن المرصد نجح في تمكين الجد من التواصل مع حفيده بواسطة "السكايب".
ويلفت عبد الكبير إلى أن غالبية قصص الأطفال الآخرين مشابهة. على سبيل المثال، تمّ العثور على طفل عمره الآن أربع سنوات في حي تعرض للقصف، وكان الدمار في كل مكان بعد معركة بين قوات البنيان المرصوص وأتباع داعش. يضيف أن هذا الطفل كان الناجي الوحيد، وكان منزوياً وخائفاً في ركن من بيت مهجور وعاجزاً عن النطق، مؤكداً أن غالبية هؤلاء الأطفال لم يتبق من عائلاتهم أحد. يضيف أن بعض الأشخاص الذين تم اعتقالهم قدموا معطيات إضافية عن هؤلاء الأطفال وأسماء آبائهم.
ويوضح أنه لا بد من تقديم الرعاية النفسية والإحاطة لهؤلاء الأطفال، إذ إنهم خارج المدرسة حالياً، وقد عايشوا أهوالاً كثيرة نتيجة الحرب والقصف والأزمات المستمرة في ليبيا. ويؤكد أن نحو 42 طفلاً ما زالوا عالقين في ليبيا، ويُرجّح أن يكون العدد أكبر. لكن هؤلاء برفقة أمهاتهم، وهناك نحو 100 طفل آخرين على الحدود التركية السورية، ولا بد من النظر في إجراءات للعودة بهم.
ويؤكد رئيس جمعية إنقاذ التونسيين العالقين في الخارج محمد إقبال بن رجب، أنه كان من المنتظر استلام هؤلاء الأطفال منذ فترة، موضحاً أن غالبيتهم فقدوا عائلاتهم في ليبيا، لكن لديهم عائلاتهم في تونس، وسبق للصليب الأحمر أن دعا العائلات إلى التواصل مع هؤلاء الأطفال، مؤكداً أن استعادة هؤلاء الأطفال خطوة مهمة، ولديهم أمل في استعادة بقية العالقين.
يضيف بن رجب أن الأطفال لا يتحمّلون أخطاء آبائهم، وهم تونسيون وضحايا في كل الحالات، موضحاً أن المجتمع قاسٍ ولن يرحم الأطفال ضحايا داعش. لكن لا بد من تضافر الجهود لتوفير الإحاطة اللازمة بهم، مضيفاً أنّه لا بد من برنامج متكامل للعناية بهم.
ويلفت إلى أن هناك أمهات مع أطفالهم، وقد حان الوقت للتفكير في استعادة النساء، خصوصاً أنه ما من أحكام أو جرائم تدينهن، أي أنهن لم يشاركن في أي أعمال إرهابية، وقد رافقن أزواجهن.
وكان رئيس الجمهورية التونسية قد استقبل مساء أمس الأطفال الستة. وقال بيان للرئاسة التونسية إن الرئيس دعا إلى الإسراع في اتخاذ التدابير والإجراءات الضرورية من قبل المؤسسات المعنية لصالح هؤلاء الأطفال، وتأمين الإحاطة النفسية والرعاية الصحية قبل تسليمهم إلى عائلاتهم، مع مواصلة رعايتهم والاطمئنان على أوضاعهم.
كذلك يوصي سعيّد بمزيد من المتابعة لهذا الملف المهم، من أجل تيسير عودة بقية الأطفال العالقين في ليبيا.