المتخصصون النفسيون لا يصابون بـ"عدوى" مرضاهم

21 يناير 2020
ممنوع على المتخصص النفسي الوقوع مع مريضه (لوسي لامبرييكس/Getty)
+ الخط -

المتخصصون النفسيون، سواء أكانوا أطباء أمراض نفسية وعقلية أم معالجين نفسيين، هم من البشر كما المرضى الذين يتابعونهم أو أيّ شخص آخر. بالتالي، هم معرّضون للتأثر بحالات معيّنة لسبب أو لآخر، وكذلك للتأثّر بألم من يعالجون. لكنّ الصحة النفسية ما زالت من الشؤون التي تثير جدالاً في مجتمعاتنا العربية، وما زال الطبّ النفسي غير مقبول على نطاق واسع. 

لا شكّ في أنّ الأمراض النفسية والعقلية غير معدية، غير أنّ المتخصصين في علاجها قد يتأثرون بحالات معيّنة يتابعونها. وهذا "أمر طبيعي"، بحسب ما تؤكد مديرة وحدة الطب النفسي في وزارة الصحة الفلسطينية في الضفة الغربية الدكتورة سماح جبر لـ"العربي الجديد"، شارحة أنّه "يظهر على شكل أعراض جسدية أو نفسية، ومنها أن تراود المتخصص أحلام حول حالة ما يُعالجها، أمر ممكن كذلك". وتتحدّث جبر، المتخصصة بالطب النفسي والعقلي، عن "ضرورة تطبيق المتخصصين النفسيين الآليات المعروفة عالمياً لتجنّب تأثّرهم المفرط بالحالات التي يعالجونها، فيفقدون بالتالي التوازن المطلوب للتعامل مع مرضاهم"، مشدّدة على "ضرورة ألا يقع الطبيب أو المعالج النفسيَّان مع مرضاهما. عليهما البقاء في خارج الحفرة ليتمكّنا من مساعدتهم".

وتوضح جبر أنّ "من أبرز الآليات التعلّم المهني المستمر. كذلك يأتي الإشراف من قبل زملاء المهنة، أي أن يتحدّث المتخصص النفسي إلى أحد زملائه الذي يماثله في الخبرة عن الحالة التي تأثّر بها. يُضاف إلى ذلك الإشراف من قبل متخصص أكثر علماً أو تجربة أو سنّاً. فنحن غير قادرين على رؤية ظهورنا، بالتالي من شأن هؤلاء الذين يتولّون الإشراف علينا لفت انتباهنا إلى ما ندركه في قرارة أنفسنا". وتتابع جبر أنّ ثمّة ما يُسمّى "نهج مساعدة مقدّمي المساعدة، وهو برنامج أشمل من آلية الإشراف يطاول الأساتذة ومقدّمي الخدمات الاجتماعية وغيرهم. إلى جانب ذلك، يأتي دعم خدمات علم النفس المؤسساتي لتحسين العلاقات في المؤسسة العلاجية". عدا عن الآليات، تشير جبر إلى أنّ "المتخصّص النفسي المُدرَّب بشكل جيّد يعرف حدود علاقته بالمريض (حدود العلاقة العلاجية)، سواء أكانت مكانية أم زمانية أم عاطفية، أي مكان اللقاء ومدّته وتحديد المسموح والممنوع في العلاقة، وكل ذلك يجب أن يكون مُحدداً مسبقاً".



من جهته، يقول الدكتور إبراهيم إخميّس، المتخصص في الأمراض النفسية والعقلية ومدير مستشفى بيت لحم للطب النفسي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "المتخصص النفسي يجب أن يخضع في الأساس، قبل أن يخوض مجال عمله، إلى برنامج علاجي كجزء من تدريبه، بهدف الحدّ من المضاعفات التي قد تصيبه من جرّاء تدخّلاته العلاجية مع المرضى". يضيف أنّ "أنشطة معيّنة بهدف التفريغ، من قبيل ممارسة أنواع محدّدة من الرياضات، لها دورها في تخفيف تأثّر المتخصص النفسي. كذلك ثمّة ضرورة للجوء إلى أساليب وقائية يستخدمها المتخصص عادةً مع المرضى، لكن هذه المرّة مع نفسه، من قبيل التأمل والتنفّس العميق والاسترخاء العضلي وممارسة الهوايات". وعن إصابة المتخصصين النفسيين بمرض نفسي كعدوى، ينفي إخميّس ذلك، مؤكداً أنّ "الأمر مجرّد خرافة شاركت السينما في الترويج لها". ويتابع أنّ "احتمال الإصابة يعود إلى استعداد المتخصص لها، علماً أنّها ترتبط بعوامل متعددة، منها الوراثية ومنها البيئية وغيرهما".

ويتّفق الطبيبان إخميّس وجبر على أنّ لكلّ متخصص نفسي، بالإضافة إلى الآليات المعروفة، طريقته في الحدّ من تأثّره بالحالات التي يعالجها. ويوضحان أنّ التأثّر يختلف ما بين متخصص نفسي وآخر، علماً أنّه لا يكون بالضرورة مرتبطاً بالحالات الأكثر صعوبة". ويخبر إخميّس بأنّه "طوال سنوات طويلة من العمل، تأثّرت كثيراً بحالة امرأة تدهورت عندما بلغت ابنتها الثانية عشرة من عمرها. فقد بدأت تظهر عليها (الأمّ) أعراض غريبة من دون سبب بيولوجي، ليتبيّن من خلال المتابعة النفسية تعرّضها عندما كانت هي في السنّ نفسها (12 عاماً) إلى أشكال مختلفة من الإيذاء الجسدي والنفسي والجنسي".



أمّا جبر، فتقول إنّ "أكثر الحالات التي أثّرت بي هي شابة أحرق والدها كتبها خوفاً من أن يتطوّر وعيها فتطالبه بما لا يُحبّ. وهي تحكي لي، اغرورقت عينايَ بالدموع. ويحصل كذلك أن أشعر بالحزن والانزعاج عند سماع قصص ضحايا التعذيب في السجون أو ضحايا العنف الأسري والإهانة والإذلال". تضيف أنّ "الذين لديهم نزعات إلى الانتحار يؤثّرون بي، تماماً كما المرضى الذين لا يتحسّنون بالأدوية أو المصابين بمرض لا رجاء من الشفاء منه، لا سيّما الذين يصابون بسنّ مبكرة. ولا أنسى كذلك الحالات التي تشعر باضطهاد من قبل المجتمع، خصوصاً على خلفيّة مرضهم النفسي".
المساهمون