تحاول مجتمعات عربية التستّر على التحرّش بالأطفال، لا بل إنكار الأمر والتملّص من تحمّل المسؤولية، لكنّ ثمّة محاولات تُسجَّل للإضاءة على هذه القضية الشائكة.
تحت عنوان "لا تلمسني.. جسمي ملكي"، أطلقت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) بالتعاون مع جمعية نور الحياة للأعمال الخيرية حملة توعية حول التحرّش وإيذاء الأطفال في ليبيا. وأوضحت المنظمة في بيان أنّ الحملة تُنفَّذ في المدارس، وتُسرَد في خلالها قصص تعرّف الأطفال إلى كيفية حماية أنفسهم من الإيذاء الجسدي، فيما تُوزَّع القصص كهدايا عليهم. وشدّدت "يونيسف" في بيانها على أنّ العنف ضدّ الأطفال في المدارس والمجتمعات هو مسؤولية مشتركة يتحمّلها الجميع، من مسؤولين حكوميين وقائمين على المدارس ومدرّسين وأولياء أمور إلى جانب التلاميذ أنفسهم، مؤكدة أنّ تعزيز حماية الأطفال في ليبيا من أهمّ أولوياتها، إيماناً منها ببناء نظم عادلة وشاملة توفّر حماية أكبر وأفضل لكلّ الأطفال.
وهذه الحملة ليست الأولى من نوعها في البلاد، فجمعية نور الحياة للأعمال الخيرية كانت قد أطلقت حملة للهدف نفسه في فبراير/ شباط من عام 2017، تضمّنت نشاطات استهدفت الأطفال وعائلاتهم والمتخصصين الاجتماعيين في المدارس الليبية. وأوضحت الجمعية في بيان لها في ذلك الحين أنّ حملتها جاءت استجابة لتقارير دورية أعدّتها الجمعية إلى جانب ناشطين في مجال حقوق الطفل لرصد حالات العنف ضدّ الأطفال، مؤكدة أنّها كشفت تصاعد حالات الاعتداء والاستغلال الجنسي في حقّ الأطفال. وحملة الجمعية كانت قد قدّمت جملة من النصائح لأطفال المدارس لحماية أنفسهم من التحرّش الجنسي، معتمدة على الرسومات التي عدّتها وسائل التواصل الأقرب إلى الأطفال بهدف إيضاح الفكرة لهم بطريقة مبسّطة. وقد لقيت الحملة حينها ترحيباً من قبل أولياء أمور الأطفال ومديري المدارس، فيما أكّدت الجمعية أنّ خططها المستقبلية تقضي بالوصول إلى عدد أكبر من الأطفال والمدارس والتواصل مع وزارة التعليم في السياق نفسه، بالإضافة إلى وضع خطط لتقارير توثّق حالات الأطفال الذين تعرّضوا إلى التحرّش.
وبينما يشير أشخاص إلى أنّ التحرّش بالأطفال أمر محدود في ليبيا، توضح الباحثة الاجتماعية الليبية حسنية الشيخ لـ"العربي الجديد" أنّ "لا بيانات حول هذه القضية لدى الجهات الحكومية التي لا توليها أيّ اهتمام"، مؤكدة أنّ "الحملات التي تُنظَّم في هذا السياق إنّما تعكس من دون شكّ القضية الشائكة. لكنّه من غير الممكن الكشف عنها إلا بالرجوع إلى محاضر الشرطة التي من شأنها إثبات وجود شكاوى لأهالي أطفال في هذا الإطار، لا سيّما في المدارس". وتطالب الشيخ بضرورة "إدخال مادة التربية الجنسية في المناهج المدرسية أسوة بدول جارة، مثل تونس التي قرّرت أخيراً ذلك. فإطلاق الحملات لا يكفي".
وتلفت الشيخ إلى "قصور في التشريعات الليبية في ما يتعلّق بالتحرّش"، موضحة أنّ "النصوص الخاصة بالعقوبات ذات الصلة بالتحرّش كانت شاملة من دون تفصيل. وحتى شكل العقوبة لا يبدو كافياً لردع المتحرّش، ففي المادة 420 ينصّ قانون العقوبات على حبس المتحرّش لمدّة لا تقلّ عن شهر واحد ولا تزيد عن ستّة أشهر، سواءً أكان التحرّش لفظياً أو بالإشارة أو بالفعل". وبالإضافة إلى عدم كفاية شكل العقوبة لردع المتحرّش، تشرح الشيخ أنّ "العقوبة بحسب القانون تطاول من ارتكب التحرّش في العلن، أمّا إذا كان ذلك في مكان بعيد عن الأنظار، مثل الأماكن المقفلة، فلا يعاقب المتحرّش إلا إذا ظهرت أدلّة على جسد المجني عليه". تضيف الشيخ أنّه "على الرغم من إعادة النظر في القانون، في خلال العقود الأخيرة من عهد النظام السابق في ليبيا، فإنّ مضمونه ما زال على حاله منذ صدوره في عام 1985. واليوم، ثمّة وسائل جديدة للتحرّش، فالهواتف مثلاً متاحة للأطفال وكذلك وسائل التواصل الاجتماعي التي لا يعرف أيّ كان آثارها على الصغار حتى الآن، بالتالي لا بدّ من إعادة صياغة القانون".
وتروي الشيخ إحدى الوقائع التي اصطدم فيها القانون بالواقع، إذ إنّه "بعدما أبلغت أسرة مركز الشرطة عن تعرّض طفلها إلى تحرّش من قبل ثلاثة تلاميذ أكبر سنّاً في مدرسته نفسها، ألقي القبض عليهم ليُطلَق سراحهم بعد أربعة أيام لعدم وجود أدلّة على ذلك". وتتابع أنّ "الشرطة طلبت من الأسرة عرض طفلها على طبيب للكشف عليه، لكنّها رفضت كونها كانت تتعرّض إلى ضغط اجتماعي، إذ يُنظَر إلى مثل هذه الوقائع كفضيحة اجتماعية. بالتالي، أقفلت الأسرة الملفّ من أساسه ونقلت طفلها إلى مدرسة أخرى من دون مراعاة الآثار النفسية لديه حتى اليوم".