عقارات الإسكندرية تنهار على رؤوس ساكنيها

18 يناير 2020
ربّما ينهار أحد مباني هذا الحيّ قريباً (فريدريك سلطان/Getty)
+ الخط -
يعيش أهالي المناطق القديمة في محافظة الإسكندرية، شمال القاهرة، حالة من القلق على خلفية خطر انهيار المباني التي يقطنونها على رؤوسهم في أيّ وقت. بالتالي، ينتظرون مصيرهم في تلك العقارات الآيلة للسقوط، فيما يفقد بعضهم حياته بعد انهيار أسقف منازلهم على رؤوسهم. وهؤلاء لم يختاروا سكنهم، بل اضطرتهم الظروف القاسية إلى العيش في عقارات متهالكة. وتتفاقم الأزمة في مثل هذه الأيام، أي في موسم الشتاء، مع هطول الأمطار الغزيرة التي تهدّد تلك المباني. ولعلّ آخر حلقات مسلسل انهيار المباني القديمة في المحافظة، حتى كتابة هذه السطور، كانت يوم الإثنين الماضي، عندما انهار عقار في منطقة العطارين، وسط مدينة الإسكندرية أدّى إلى وفاة خمسة من الأهالي كانوا في مقهى واقع في العقار المنهار.

وكشفت التحريات أنّ العقار المؤلّف من ثلاث طبقات، سبق وصدر قرار بهدمه قبل أعوام وهو غير مأهول، باستثناء المقهى في أسفله. كذلك تبيّن أنّ المحافظة تخشى هدمه نظراً إلى تأثير ذلك سلبياً على العقارات المجاورة له، بسبب قدمها وتفاقم أوضاع العقارات الآيلة للسقوط هناك. كذلك أشير إلى خلافات بين أصحاب العقار ومستأجر المقهى، لكنّ مسؤولاً في محافظة الإسكندرية يرى في الحديث عن تلك الخلافات "شمّاعة".




ويقول المسؤول نفسه الذي تحفّظ على ذكر هويته لـ"العربي الجديد" إنّ "عشرات العقارات في حيّ العطارين معرّضة للانهيار على رؤوس قاطنيها، خصوصاً في فصل الشتاء وزيادة معدّل الأمطار"، متّهماً مسؤوولي الأحياء بـ"التخاذل في تنفيذ قرارات الإخلاء والإزالة، في حين أنّ ثمّة مباني تُزال بالقوة الجبرية من قبل المسؤولين في المحافظة على الرغم من تماسكها ومتانة بنيانها". يضيف المسؤول أنّ ذلك يتمّ "في مقابل مبالغ مالية على شكل رشاوى، حتى يشيّد مالكو العقارات أبراجاً سكنية تدرّ عليهم ملايين الجنيهات، من دون تدخل حاسم من قبل الأجهزة المحلية التي تتعامل وفق مبدأ ودن (أذن) من طين وأخرى من عجين"، متوقعاً "انهيارات جديدة في العقارات الحديثة في أحياء الإسكندرية نتيجة ضعف الحديد وتآكله، بالإضافة إلى محاصرة مياه الصرف الصحي داخل الجدران التي تتشرّب تك المياه، ما يعرّضها للانهيار في أيّ لحظة وإزهاق عشرات الأرواح".

وكانت محافظة الإسكندرية قد شهدت في خلال شهرَي نوفمبر/ تشرين الثاني وديسمبر/ كانون الأول من عام 2019 انهياراً جزئياً لنحو 18 عقاراً في عدد من أحياء المحافظة، خصوصاً في المنتزه وكرموز وفيكتوريا والعطارين والمعمورة واللبان. وسبب الانهيارات بمعظمها كان تهالكها بسبب قدمها والطقس السيئ، وهو ما أدّى إلى ترك عدد من الأهالي منازلهم من دون أن تتوفّر لهم مساكن بديلة، وسط الصقيع والرياح الشديدة. ويتحدّث هنا المسؤول في محافظة الإسكندرية نفسه عن "وجوب أن تكون المحليات عين الدولة التي تراقب عمليات البناء وتتدخّل بسرعة في حال استشعار أيّ خطر يهدّد السكان. لكنّ مصداقية مسؤولي الأحياء في محافظة الإسكندرية دُفنت تحت الأنقاض، ووقفوا متفرّجين أمام مسلسل الانهيارات في المحافظة التي احتلّت المرتبة الأولى من بين المحافظات المصرية في انهيار العقارات، من دون أن يتحركوا لاتخاذ الإجراءات اللازمة".

في السياق، يقول أستاذ الهندسة الإنشائية في جامعة الإسكندرية الدكتور ناصر درويش لـ"العربي الجديد" إنّ "انهيار عقار حيّ العطارين، لا يمكن أن يكون آخر الحوادث"، محمّلاً "أحياء المحافظة مسؤولية أزمة العقارات التي تنهار إمّا على رؤوس الأهالي وإمّا تشاء الأقدار عدم سقوط ضحايا". يضيف أنّ "تكرار مشاهد الإهمال والفساد في العقارات المنهارة حديثة كانت أم قديمة يوضح جليّاً حجم المشكلة التي تعانيها المحافظة في عدم تنفيذ القانون"، مشدداً على أنّ "الحفاظ على الأرواح وحياة البشر يجب أن يكون موضوع اهتمام من قبل الحكومة. فإنّ أيّ هزة أرضية قوية قد تخلّف فاجعة بكلّ المقاييس وللجميع". وينتقد درويش "حالة التراخي لدى المسؤولين وعدم تنفيذ القانون عندما يتعلق الأمر بالعقارات القديمة، الأمر الذي يشير إلى إهمال واضح وشبهة فساد تطاول المحليات"، لافتاً إلى أنّ "الفساد المستشري في داخل الأحياء، وغياب العقوبات الرادعة، وعدم تنفيذ قرارات الإخلاء الإداري للمنازل الآيلة للسقوط، وعدم توفير سكن بديل، وتوقيع السكان يوقّع إقراراً على مسؤوليتهم بالبقاء في المنزل حتى ينهار عليهم، كلّها قضايا تستوجب البحث عن حلول من قبل الأجهزة الحكومية المصرية المعنية".




ويتابع درويش أنّ "انهيار العقار المتهالك في العطارين والانهيارات التي طاولت عقارات أخرى في المحافظة سابقاً، تؤكّد خطورة الموقف وتعطّل القانون. بالتالي، لا بدّ من تفعيل حقيقي لقوّة القانون بهدف الحفاظ على أرواح قاطني تلك العقارات، مع تخصيص عقارات بديلة عند وقوع كوارث طبيعية أو انهيار المساكن، وتعديل القوانين والتشريعات المنظّمة بما يتناسب مع حجم المشكلة وتداعياتها الخطيرة".