جرّارات الأغوار... الاحتلال مستمر في استهداف المزارعين

18 يناير 2020
التهديد بمصادرته مستمر (Getty)
+ الخط -
الفلسطيني ممنوع من البناء أو حتى من استغلال الموارد الطبيعية والمراعي في الأغوار الفلسطينية، عدا عن تقييد حركة تنقلاته لتسيير أمور حياته اليومية. ومن هنا، تأتي سياسة الاحتلال في مصادرة المعدّات الزراعية، خصوصاً الجرّارات

منذ نحو شهرين يبحث المزارع سعيد محسن من منطقة الرأس الأحمر في الأغوار الشمالية الفلسطينية، شمال شرقي الضفة الغربية، عن جرّار زراعي لحراثة أرضه، من دون جدوى. لم يوافق حتى الساعة أيّ صاحب جرّار على ذلك، خشية قيام قوات الاحتلال الإسرائيلي بمصادرته كما حدث في مرّات سابقة. ويخبر محسن "العربي الجديد": "حاولت التواصل مع أكثر من عشرين شخصاً يملكون جرّارات زراعية لتهيئة أرضي للزراعة قبل هطول الأمطار، لكن من دون جدوى. مخاوفهم في محلّها، وأعرف ذلك جيّداً، فأنا خسرت جرّاريَن زراعيَّين بعدما صادرهما الاحتلال قبل نحو ثلاثة أشهر".

لا تتوفّر إحصاءات لأعداد الجرّارات الزراعية أو "تراكتور" التي صادرها الاحتلال في الأغوار الفلسطينية في خلال الفترة الأخيرة، إلا أنّ المتابعين يقدّرونها بنحو 30 جرّاراً منذ مطلع عام 2019، الأمر الذي ألحق أضراراً فادحة بالموسم الزراعي وحال دون وصول المزارعين إلى أراضيهم في الأساس، إذ إنّ الجرّارات تُعَدّ وسيلة التنقّل الرئيسية في الأغوار حيث لا بنى تحتية كافية.




ومحسن الذي يملك أرضاً تزيد مساحتها على أربعين دونماً، اعتاد أن يزرعها على مدار العام، لكنّه راح أخيراً يتعرّض إلى مضايقات من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي التي تتفنّن في التضييق عليه. فهي تتحجج حيناً بأنّ المنطقة عسكرية مغلقة، وفي آخر بأنّها قريبة من إحدى المستوطنات، فيما تدّعي في أحيان أخرى بأنّه يضرّ بالبيئة ويخالف قوانين الزراعة الإسرائيلية. يُذكر أنّ جنود الاحتلال داهموا قبل عام أرض محسن وصادروا جرّاره الزراعي ونقلوه إلى معسكر قريب قبل أن يعيدوه بعد يومَين مع فرض غرامة مالية. لكنّهم صادروه من جديد قبل شهرَين ورفضوا الإفراج عنه، فاضطرّ إلى شراء جرّار آخر. وما كاد يبدأ عمله حتى دهم الاحتلال أرضه من جديد وصادروا الجرّار، ولم تفلح كلّ المحاولات بإعادة الجرّارين حتى الآن. ويؤكد محسن أنّ "ما يجري حرب جديدة على الأغوار وعلى الزراعة الفلسطينية، وفي حال استمرّت هذه السياسة سوف نخسر الموسم كلياً. وأنا لست وحيداً، فثمّة عشرات المزارعين الذين تعرّضوا إلى الأمر ذاته".

وتمتاز مناطق عاطوف والرأس الأحمر في الأغوار الشمالية والمناطق القريبة منها، بكثرة السهول الزراعية، فيعتمد سكانها على الرعي والزراعة. ويتوجّب بالتالي عليهم اقتناء جرّارات زراعية، نظراً إلى طبيعة الحياة، ليتمكّنوا من جلب المياه والأعلاف للمواشي وحراثة الأرض تمهيداً لزراعتها. لكنّ مصادرة الجرّارات باتت أمراً مقلقاً للأهالي، علماً أنّ الاحتلال يفرض عليهم بعد ذلك غرامات مالية. أمّا في الآونة الأخيرة، فقد بات يحتفظ بها لمدّة طويلة، عن قصد، لتفويت مواعيد الحراثة وبالتالي ضياع المواسم الزراعية. يُذكر أنّ ثمّة أسراً فلسطينية في الأغوار تستخدم الجرّارات لجلب مياه الشرب ومياه سقي الأغنام، وقد صار أصحاب صهاريج المياه يتردّدون بتزويد البدو الرحل والمزارعين بالمياه خوفاً من مصادرة صهاريجهم.

يقول الباحث في شؤون الأغوار الفلسطينية عمر عنبوسي لـ"العربي الجديد" إنّ "مصادرة الجرّارات الزراعية تأتي كسياسة عقاب جديدة تضاف إلى سياسات كثيرة بحقّ السكان الفلسطينيين للضغط عليهم وترحيلهم"، لافتاً إلى أنّ "الاحتلال استولى في خلال شهر ديسمبر/ كانون الأول المنصرم على سبعة جرّارات زراعية فيما استوفى عشرات آلاف الشواقل الإسرائيلية كغرامات مالية لقاء الإفراج عن معدّات وجرّارات زراعية تمّ الاستيلاء عليها أخيراً". يُذكر أنّ سعر الجرّار الزراعي العادي الذي يُستخدم للزراعة البعلية وجلب المياه يتراوح ما بين سبعة آلاف و13 ألف دولار أميركي، أمّا الجرار الزراعي الحديث فلا يقلّ سعره عن 65 ألفاً. ويؤكد عنبوسي أنّ "سلطات الاحتلال تطارد وتصادر كل آلية أو جرّار زراعيَّين يعملان في سهل مدينة طوباس الواقع إلى شرق مركز المدينة وخربة بزيق في الشمال وسهل البقيعة في الجنوب الشرقي، وصولاً إلى نهر الأردن في الأغوار، وهي مساحات هائلة تزيد عن مائة ألف دونم".

ويوضح عنبوسي أنّ "الهدف الرئيسي من هذه السياسات هو تجريد الضفة الغربية من زراعة الحبوب، إذ تُعَدّ طوباس والأغوار من أكبر مدن الضفة الغربية لجهة إنتاج القمح والشعير والمحاصيل الشتوية. كذلك يسعى الاحتلال إلى تهجير مئات الأسر الفلسطينية التي تعمل في الزراعة البعلية وتربية المواشي، علماً أنّ محافظة طوباس والأغوار من المناطق الرئيسية في تربية الثروة الحيوانية في الضفة الغربية. وهو ما يؤدّي بالتالي إلى فقدان ما نسبته 30 في المائة منها نتيجة المنع من الرعي وزراعة الأعلاف". وقد تسبّبت تلك الإجراءات كذلك، بحسب عنبوسي، في "فقدان مصادر رئيسية للعمل لعدد كبير من القوى العاملة، وفي منع أيّ توسّع ديموغرافي وزراعي، بالإضافة إلى تقنين الزراعة في مناطق صغيرة جداً. ولأنّ الجرّارات وسيلة تنقّل كذلك، فتعني مصادرتها قطع التواصل بين الأراضي والتجمّعات السكانية في الأغوار".




وتُعَدّ الأغوار الفلسطينية من أبرز المناطق التي يسعى الاحتلال إلى ترسيخ جذورها فيها، فيفرض إجراءات مشدّدة تحول دون استغلال معظم الأراضي، علماً أنّها كانت تُعرَف سابقاً بأنّها سلّة فلسطين الغذائية، عدا عن كونها رافداً زراعياً مهماً يساهم في الدخل القومي الفلسطيني. وتبلغ مساحة محافظة طوباس والأغوار نحو 410 كيلومترات مربعة، 90 في المائة من أراضيها تقع من ضمن التصنيف "ج" وفق اتفاق أوسلو، وقد سرقت المستوطنات خمسة في المائة من أراضيها، في حين أنّ 85 في المائة من تلك الأراضي مناطق عسكرية مغلقة. بالتالي، حُصر الفلسطينيون في نسبة 10 في المائة المتبقية من الأراضي.

وقبيل الانتخابات الإسرائيلية في سبتمبر/ أيلول 2019، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنّه "في حالة إعادة انتخابه رئيساً للوزراء، فإنّه سيضم الأغوار" وعكف على تكرار تصريحاته التي تشدد على أنّ إسرائيل أمام "فرصة تاريخية لن تتكرر" في ظل رئاسة دونالد ترامب، للولايات المتحدة، وذلك لضمّ منطقة الأغوار إلى السيادة الإسرائيلية.
دلالات