لا يختلف المجتمع الإيراني المحافظ في بنيته عن سواه من المجتمعات التي طاولتها التغيّرات على الصعد المختلفة، اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً وسياسياً. وقد طرأت تحوّلات كبيرة على الأسرة الإيرانية، شملت المنظومة التقليدية التي حكمتها وتوارثتها الأجيال. فكُسرت محرّمات عدّة بالتالي، منها التابو المتعلّق بالطلاق في ذلك المجتمع الذي يعتمد المثل الشعبي القائل إنّ "العروس تأتي إلى بيتها الزوجي بزيّ أبيض وتغادره بكفن أبيض". هكذا لم يعد الطلاق من المحظورات الاجتماعية المبغوضة، بل تحوّل إلى أمر عادي، فأظهرت البيانات الرسمية في إيران ارتفاعاً في حالات الطلاق في البلاد، الأمر الذي أثار قلق السلطات، وصار البعض يتحدث عن أزمة في هذا المجال، في مقابل رفض آخرين ذلك التوصيف.
في عام 2017، سجّلت البيانات الرسمية تسع حالات طلاق في الدقيقة الواحدة، بحسب ما كشف حينها رئيس لجنة الشؤون الاجتماعية في البرلمان الإيراني، سلمان خدادادي، وهو أمر غير مسبوق في تاريخ إيران. أمّا في العام الجاري، فقد سجّلت 175 ألف حالة طلاق في مقابل 609 آلاف حالة زواج، وهو ما يعني طلاقاً واحداً لكلّ 3.5 زيجات. وفي عودة إلى بيانات العقود الماضية في إيران، يظهر أنّ حالات الطلاق اتخذت منحى تصاعدياً، فقد سُجّلت 35 ألفاً و211 حالة طلاق في مقابل 340 ألفاً و342 حالة زواج في عام 1986، أمّا في عام 2002 فوصلت حالات الطلاق إلى67 ألفاً و256 طلاقاً في مقابل 650 ألفاً و960 زواجاً. وفي عام 2018، بينما تراجعت حالات الزواج إلى 550 ألفاً و565 زواجاً، ارتفعت حالات الطلاق أكثر من ضعفَين لتصل إلى 175 ألفاً و614 طلاقاً.
وفي الإطار نفسه، أظهر المتحدث باسم منظمة الأحوال المدنية الإيرانية، سيف الله أبوترابي، عند عرضه بيانات عام 2018، أنّ معدل أعمار الرجال المطلقين بلغ 36.9 عاماً، أمّا معدّل أعمار النساء المطلقات فبلغ 32.1 عاماً. وبحسب بيانات العام نفسه، فقد شهدت إيران ألف حالة زواج في مقابل 318 حالة طلاق، أي أنّ 63 عائلة جديدة تشكلت في البلاد في كلّ ساعة، في حين تفككت في الساعة نفسها 20 عائلة أخرى. وقد أفادت وكالة "تسنيم" الإيرانية، في يونيو/حزيران الماضي، استناداً إلى تقرير إحصائي نشرته، بأنّ نسبة الزواج بالمقارنة مع الطلاق "مقلقة"، لافتة إلى أنّه في حين سُجّلت حالة طلاق واحدة في مقابل ثماني حالات زواج في عام 2008، ارتفعت الأرقام في عام 2018 لتصل إلى حالة طلاق واحدة في مقابل ثلاث حالات زواج.
وبينما تُظهر تلك البيانات ارتفاعاً مستمراً في حالات الطلاق في السنوات الأخيرة، يُذكر أنّ السلطات الإيرانية كانت تبذل على مدى تلك السنوات جهوداً لتوعية الشباب الإيراني وحثّهم على الزواج والحدّ من الطلاق، من خلال رفع قيمة قروض الزواج التي وصلت إلى 60 مليون تومان للزوجَين (نحو 1500 دولار أميركي)، بالإضافة إلى تنظيم برامج ثقافية في هذا الإطار. وقد خصّصت أسبوعاً للزواج يمتدّ سنوياً من الثالث من أغسطس/آب إلى التاسع منه، فيما يُعَدّ اليوم الأوّل من ذلك الأسبوع يوماً وطنياً للزواج ولحظر الطلاق، فترفض المحاكم الإيرانية تسجيل أيّ حالة طلاق في مثل ذلك التاريخ.
في سياق متصل، تنظّم ممثلية المرشد الإيراني في الجامعات الإيرانية حفلات سنوية لزواج الطلاب والطالبات منذ عام 1998، يشارك فيها سنوياً آلاف من الطلاب. من جهته، كان المجلس الأعلى للثورة الثقافية في إيران قد شكّل في عام 2017 مجموعة العمل الوطنية للحدّ من الطلاق التي تضمّ 11 مؤسسة سيادية في البلاد. يأتي ذلك إلى جانب تأسيس لجان ومؤسسات وطنية تعمل على حثّ الشباب على الزواج وتقليل الطلاق في المجتمع الإيراني، في حين تقترح أجهزة الدولة مشاريع وخططاً لمواجهة الطلاق، من قبيل ما اقترحه رئيس منظمة الشؤون الاجتماعية تقي رستم وندي في وقت سابق من الشهر الجاري، أي التخطيط لزيادة ألف حالة زواج سنوياً في كل واحدة من المحافظات الإيرانية البالغ عددها 31 محافظة. وقد صرّح وندي في حديث إلى وكالة "تسنيم"، بأنّ الزواج في البلاد في تراجع حاد، موضحاً أنّ المشكلات الاقتصادية وتغيّر نمط الحياة هما العاملان الأساسيان وراء ذلك.
تجدر الإشارة إلى أنّ الأكثر تضرراً من الطلاق هم الأولاد الذين يُطلَق عليهم تسمية "أولاد الطلاق"، بحسب ما أوضح رئيس لجنة الزواج في الجامعات الإيرانية، مهدي غلامي، في حديثه مع وكالة "إيسنا" الإيرانية. أضاف غلامي أنّ هؤلاء قد يودعون في بعض الأحيان في دور الأيتام بعد رفض حضانتهم من أيّ من الوالدَين، أو لعدم استيفاء شروط الحضانة. لكنّ غلامي أشار إلى أنّه إلى جانب الطلاق وتداعياته الجمّة، ثمّة خطر آخر يتهدّد الأسرة الإيرانية وهو "الطلاق العاطفي" الذي صار أكثر انتشاراً من الطلاق الحقيقي المسجّل في مكاتب الدولة.
وعلى الرغم ممّا يُحكى عن أزمة في إيران في ما يتعلّق بالطلاق، أكّد أستاذ علم الاجتماع في جامعة طهران، رسول صادقي، لوكالة "مهر" الإيرانية، في وقت سابق من الشهر الجاري، أنّ "الأسرة الإيرانية ما زالت تحافظ على بنيتها وكيانها، وقضايا كتشكيل الأسرة والإنجاب ما زالت تحظى باهتمام الشباب الإيراني".