جريمة مروّعة بحق أمّ فلسطينية: حبسها أخوها وفتت عظام قدميها بـ"المطرقة"

30 سبتمبر 2019
السكوت على العنف الممارس ضد النساء (Getty)
+ الخط -
ربما ظنت الفلسطينية (م. ع)، البالغة من العمر 39 عاما، وهي من مدينة جنين، شمال الضفة الغربية، أن طلاقها منذ ثلاث سنوات وحرمانها من أطفالها السبعة سيكون أكبر مصائبها وآخر الأوجاع، لكنها وجدت نفسها قبل نحو 33 يوماً على موعد مع جريمةٍ بشعة ارتكبها أحد أشقائها بحقها، حين اقتادها إلى منزل والديهما الخالي، وقام بتقييدها بأحد الأسرة وتفتيت عظام قدميها بـ"المهدة" (مطرقة ثقيلة) دون أن يُنقذها أحد، لينتهي بها الحال في مشفى رام الله الحكومي، غير قادرة على الحركة، وأحاطت بقدميها قطع معدنية.

في الطابق الأول من مشفى رام الله، تتجول إحدى قريبات المرأة في الممرات وقاعات الانتظار، بعدما منعتها شرطة حماية الأُسرة الفلسطينية من الدخول إلى غرفة (م. ع) منعاً باتاً، من باب توفير الحماية القصوى للسيدة المعنفة. وهذا ما علمه "العربي الجديد" من شرطة حماية الأُسرة، التي رفض مسؤول فيها التصريح باسمه كون القضية قيد التحقيق، وعلى اعتبار أن أي حديث مع الإعلام يجب أن يكون مسبوقاً بإذنٍ من النائب العام.

وقال المسؤول "نحن نوفر كل أشكال الحماية للشابة، ليس فقط بحراسة غرفتها في المشفى طيلة الوقت، بل إننا نقيم خطورة وضعها، أي إذا كان وجودها بين أهلها أو وجود أهلها بالقرب منها آمناً أم يستدعي القلق على حياتها".


تروي قريبة المعتدى عليها رواية أُخرى غير تلك التي تم تسريبها للإعلام من قبل الشابة المعنفة نفسها، وبعض الناشطات النسوية، وتقول قريبتها لـ"العربي الجديد": "(م. ع) وقعت عن الدرج في منزل أخيها الذي تعيش فيه منذ طلاقها، لا أعرف لماذا كل هذا التفاعل مع قصتها، الناس تركت كل مشاكلها ومشاكل المجتمع، وتوقفت عند مشكلتها". هنا توقفت قريبتها عن الحديث برهة وكأنها عادت لاستدراك المسألة، وتغيير الحديث قبل أن تنزلق في أمرٍ يبدو خافياً على الإعلام، فإخوة (م. ع) جميعهم غير حاضرين معها في المشفى. وإذا كانت بالفعل كما تقول العائلة سقطت عن الدرج، فما الذي يُبرر غيابهم، وغياب شقيقاتها عنها في ظرفٍ صحي عصيب كالذي تمر به شقيقتهم؟

بحسب ناشطة نسوية مطلعة على القضية، ورفضت التصريح باسمها خلال حديث لـ"العربي الجديد"، فإن (م. ع) التي عنفها أخوها بهذا الشكل البشع على خلفية مطالبتها بالعمل، قدمت شكوى على الأخ المعتدي، وتم حبسه بالفعل لمدة أسبوع، ومارست عائلتها ضدها ضغوطاً كبيرة للتنازل عن المحضر، وعلى أثره هرب المعتدي خارج فلسطين. وتضيف الناشطة لـ"العربي الجديد": "إن المؤسسات النسوية علمت بقصة (م. ع)، واستطاعت تحريك الشارع الفلسطيني ونقل الخبر إلى الإعلام".

الناطق باسم الشرطة العقيد لؤي ارزيقات، قال لـ"العربي الجديد": "لا تتوفر أي معلومات لدى الشرطة حول قضية الشابة المعنفة بدءاً بحقيقة تقديمها الشكوى لدى الشرطة، وحبس المتهم، القضية لدى النيابة العامة وهي الجهة الوحيدة المخولة بالتصريح للإعلام، نحن فقط نتولى حراستها".

وعن سبب منع الشرطيين والشرطية الذين يحرسون غرفة الشابة في المشفى دخول قريبة (م. ع) منذ الخميس الماضي، رد ارزيقات بـ:"النيابة وحدها تمتلك الجواب".

وتم تداول أنباء حول احتمال خسارة (م. ع) لقدميها بالبتر، بسبب تهتك عظامها بشكلٍ بليغ، لكن قريبتها التي حاولت نفي كل ما قالته الشابة المعنفة لإحدى الصحافيات وللمؤسسات النسوية حول قصة الاعتداء عليها، نفت أن تحتاج للبتر، وأنه لا توجد جرثومة ولا تلوث في القدمين يستدعي البتر، بحسب نتائج فحوصات طبية أجريت لها الخميس الماضي.

تواصلنا مع المشرف الطبي على حالة الشابة المعنفة في مشفى رام الله الحكومي أحمد البيتاوي، لكنه رفض التصريح بأي معلومة حول الوضع الصحي للشابة، قائلاً: "إذا سمحت لي المريضة بالحديث للإعلام عن وضعها الطبي سأفعل، وإن لم توافق على ذلك فأنا أعطي المعلومات في حال استلامي لكتاب موقع من النائب العام يسمح لي بالحديث معكم".

تمنع الشرطة المقيمة أمام غرفة (م. ع)، دخول أي شخص للغرفة عدا الطواقم الطبية، بحسب تعليمات وصفت بالصارمة من قبل النيابة العامة الفلسطينية، ما منع الوصول للشابة المعنفة والحديث معها.


(م. ع) وترتيبها ما قبل الأخت الصغرى في العائلة، تلقت تعليمها حتى الصف السادس ابتدائي، تزوجت في عمر 15 عاماً، تطلقت من قريب لها بعد خلافات بينهما، وحرمت على أثر الطلاق من 6 أبناء وابنة، أكبرهم 12 عاماً، ورفض أبناؤها العيش في كنفها أمام القاضي خلال إحدى جلسات المحاكم مع طليقها، وفقدت والديها قبل سنوات.

بحسب شرطة حماية الأسرة، فقد تتم إعادة (م. ع) إلى عائلتها في حال رغبت في ذلك، وإن لم يكن هناك أي خطر على حياتها، أما في حال لم ترغب بالعودة وتم التأكد من وجود خطورة على حياتها، فسيتم تحويلها لمواصلة حياتها في أحد البيوت الآمنة. والبيت الآمن توفره الجهات المختصة من شرطة حماية الأسرة ووزارة التنمية الاجتماعية، وتشرف على كل قضاياه النيابة العامة والشرطة للنساء والشابات اللواتي تُشكل حياتهن مع عائلاتهن خطراً على حياتهن، أو قد يتعرضن للقتل.

والخميس الماضي، انطلقت مسيرة غاضبة في مدينتي رام الله والقدس وعدة مدن فلسطينية وعربية وعالمية، دعا إليها حراك "طالعات" استنكاراً لاستمرار جرائم تعنيف وقتل النساء ومع وصول عدد المقتولات إلى 28 امرأة وفتاة منذ بداية العام الحالي في فلسطين، إحداهن إسراء غريب، وهي أكثر من أثار مقتلها الرأي العام المحلي والدولي، وأشعل غلياناً في الشارع الفلسطيني استنكاراً لجريمة قتلها بعد تعنيفها.
المساهمون