النظام يقتل أهالي درعا ببطء

28 سبتمبر 2019
آثار الحرب ظاهرة (محمد أبازيد/ فرانس برس)
+ الخط -
في الوقت الحالي، قد يظن من يزور درعا (جنوب سورية) أن الحياة عادت إلى طبيعتها. ويستند هؤلاء إلى غياب المظاهر المسلحة البارزة، باستثناء الحواجز العسكرية التابعة للقوات النظامية والمنتشرة على الطرقات بين البلدات والمدن، إضافة إلى دوريات الشرطة العسكرية الروسية الجوالة التي تراقب الوضع العسكري من دون أي تعاط مع الأهالي. داخل البلدات، من السهل أن تلحظ كيف تراقبك عيون الأهالي بتوجس. وعلى الرغم من مرور أكثر من عام على سيطرة النظام على المنطقة، ما زالت آثار الحرب واضحة على الأبنية والشوارع. وباتت المواد الغذائية والخضر والفاكهة متوفرة في المحال التجارية، وإن بأسعار مرتفعة بالمقارنة مع العاصمة دمشق.

يقول أبو عبد الله الحواني من منطقة حوض اليرموك في ريف درعا، لـ "العربي الجديد" إنّ "الواقع الأمني في مناطق التسويات، كما أصبحت تسمى مناطق المعارضة التي سيطر عليها النظام، سيئ للغاية. ما زالت الاعتقالات متواصلة، عدا عن صدور العديد من المذكرات من قبل الأجهزة الأمنية استناداً إلى تقارير بحق الأهالي، بتهم تتعلق بكونهم ناشطين، وذلك خلال سيطرة الفصائل المعارضة إعلامياً أو طبياً أو غيرها". يضيف: "ذلك الواقع الأمني يحول دون تنقّل غالبية الناس بين المناطق، خصوصاً تلك التي تضمّ جهاز تفتيش يدقق بالأسماء الصادرة بحقها مذكرات أمنية، ما يؤدي إلى تعطيل الكثير من معاملات الأهالي، أبرزها تسجيل الأطفال الجدد في دائرة السجل المدني، والحصول على البطاقة الذكية الخاصة باستلام حصص العائلة من غاز ومازوت للتدفئة، علماً أن مقر الشركة موجود في منطقة تحت سيطرة الاستخبارات الجوية مثل تسيل والحارة، ما يعني أنها منطقة خطر بالنسبة لكثيرين".

يضيف: "اليوم، يخشى الأهالي زيادة القبضة الأمنية على المنطقة، واقتياد الشباب إلى الخدمة العسكرية ضمن صفوف القوات النظامية. فقد التحق خلال الفترة الماضية ما لا يتجاوز 10 في المائة من الشباب المطلوبين للخدمة العسكرية الإلزامية والاحتياطية والمنشقين، منهم مئات فروا مجدداً بسبب سوء المعاملة والزج بهم إلى خطوط المعارك الأمامية ليعودوا قتلى". ويلفت إلى أن "الروس ليس لهم أي دور إيجابي. هم يراقبون الواقع العسكري في المنطقة من قبل الفصائل". ويرى أن "الضغط يزداد يوماً بعد آخر على الناس. وكل ما كان يدفع الناس للسكوت قبل عام، يتلاشى. الوضع الأمني من سيئ إلى أسوأ. كذلك الوضع الاقتصادي، ما قد يفجر الوضع في درعا من جديد. الوضع أسوأ مما كان خلال أيام فصائل الجيش الحر وداعش".



من جهته، يقول أبو عماد حلاوي من ريف درعا الشرقي، لـ"العربي الجديد" إن "الوضع الاقتصادي لدى معظم الناس سيئ جداً. البطالة متفشية بين الشباب، وتنحصر فرص العمل القليلة بالزراعة الموسمية كالحصاد وغيرها، إضافة إلى بعض أعمال البناء. وغالباً ما يأخذ العمال أجوراً يومية. وفي الأيام التي لا يعملون فيها، لا يجدون من يعطيهم الخبز". يضيف: "الدخل منخفض في درعا بشكل عام، وأجر العامل يومياً لا يزيد عن ألفي ليرة سورية (حوالي 3 دولارات)، في حين أن أسرة مكونة من أربعة أفراد في حاجة يومياً على الأقل إلى نحو خمسة آلاف ليرة. طبعاً، هناك عائلات مكونة من 8 أفراد وأكثر".

ويلفت إلى أن "العائلة التي ليس لديها أحد من أفرادها خارج سورية، تعيش فقراً شديداً. لولا المساعدات المالية التي ترسل للعائلات، لكان الوضع كارثياً. وطالما أن الوضع على حاله، لا أعتقد أن أحداً من اللاجئين أو المغتربين قد يفكّر في العودة".

من جهته، يقول الناطق باسم تجمع "أحرار حوران" أبو محمود الحوراني، لـ"العربي الجديد": "الواقع عقب سيطرة النظام مؤلم لشباب درعا، وقد أصبحت درعا سجناً كبيراً. داخل هذا السجن خارج سيطرة النظام فعلياً، وهي غالباً سيطرة إعلامية عبر أزلام النظام من حزب البعث العربي الاشتراكي وعملاء الأمن. لكن الإشكالية أن الإنسان لا يستطيع العيش مكتفياً بهذه المساحة. مثلاً، هناك طلاب جامعات يذهبون إلى جامعاتهم في درعا أو دمشق. وعلى الرغم من أنهم يحملون بطاقات جامعية وبطاقات تسوية، إلا أنهم عرضة دائماً للاعتقال. لا معيار واضحاً لدى النظام". ويلفت الحوراني إلى أن "فرص العمل الحقيقيّة معدومة، ولا أعتقد أن بعض أعمال الترميم والزراعة التي لا تسد الرمق يمكن أن تعد فرصة عمل، عدا عن وجود أعداد كبيرة من موظفي الدولة الذين فصلهم النظام خلال السنوات الماضية، خصوصاً من قطاع التربية، لوجودهم في مناطق المعارضة مثلاً. واليوم، رفض عودتهم إلى أعمالهم".



ويشير الحوراني إلى أن "واقع الخدمات في عموم المنطقة سيئ جداً. الكهرباء تأتي أربع ساعات فقط خلال 24 ساعة. كذلك واقع مياه الشرب. هناك انقطعت عنها المياه منذ بداية الثورة ولم تعد إلى اليوم، ومناطق أخرى سبق للنظام قصف خزانات المياه فيها، وبالتالي غالبية الناس تعتمد على الصهاريج لتأمين المياه، وهناك سياسة عقابية لعدة مناطق من إهمال للصرف الصحي ورفع القمامة". ويضيف الحوراني أن "الأهالي، وبمبادرات ذاتية، يحاولون ترميم ما دمره النظام، من خلال تمويل المغتربين. ومؤخراً، جمع الأهالي نحو 16 مليون ليرة لإصلاح شبكة الكهرباء. ثم يأتي النظام بإعلامه ومسؤوليه لينسب العمل لنفسه". ويقول أيضا إن "الوضع الأمني سيئ. يومياً، هناك حالات اعتقال واغتيال من قبل المليشيات الأمنية. وقد وثق التجمع منذ عودة النظام أكثر من 800 حالة اعتقال. كما أنه يصفي حسابات ويقوم بأعمال انتقامية، لاسيما المنشقون وقادة الفصائل. كما أن هناك أكثر من 10 منشقين قُتلوا تحت التعذيب في المعتقل". يضيف الحوراني أن "الشباب يريدون العيش بأمان وكرامة، وهناك حالة من السخط، وغالبية الشباب القادر على مغادرة البلد لا يتردد في ذلك".