"بلد منقسم ذو ثقافتين مختلفتين". هكذا يصف المفكّر السياسي الأميركي الراحل صاموئيل هنتنغتون، في كتابه الشهير "صراع الحضارات" أوكرانيا، التي تعيش حالة من الانقسام العميق بين مناطقها الغربية الناطقة بالأوكرانية والشرقية الموالية لروسيا.
فخلال السنوات الخمس الأخيرة، بلغ هذا التباين الداخلي الحاد ذروته، في ظل سعي منطقة دونباس التي تضم مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك للانفصال عن أوكرانيا والانضمام إلى روسيا، في مقابل تشديد الخطاب القومي في كييف في عهد الرئيس السابق بيترو بوروشينكو. ووصل الأمر إلى تمجيد ستيبان بانديرا، وهو زعيم قومي أوكراني تعاون مع الاحتلال النازي لمواجهة موسكو خلال الحرب العالمية الثانية (1939 ــ 1945).
وفي عام 2016، تم تغيير اسم أحد الشوارع الرئيسية في كييف من "موسكوفسكي بروسبكت" إلى "بروسبكت ستيبان بانديرا"، كما أعلن عام 2019 "عام ستيبان بانديرا" في مدينة لفيف الواقعة غرب البلاد.
لكن ثمة مؤشرات تشير إلى تراجع النزعة القومية في أوكرانيا خلال عهد الرئيس الجديد فلاديمير زيلينسكي، منها إصدار المحكمة الإدارية في كييف في يونيو/ حزيران الماضي قراراً بإلغاء تغيير اسم شارع "موسكوفسكي بروسبكت". كما رفض زيلينسكي التوقيع على مشروع قانون من شأنه دعم المنظمة الشبابية القومية "بلاست".
رفض الغالبية الصامتة
يعزو الصحافي المتخصص في الشأن الأوكراني، ألكسندر تشالينكو، تمجيد بانديرا في أوكرانيا إلى حاجة السلطة السابقة لشخصية تاريخية حاربت ضد روسيا، متوقعاً تراجعاً للنزعة القومية في أوكرانيا خلال الفترة المقبلة. ويقول تشالينكو لـ "العربي الجديد": "منذ عام 2014، كانت أوكرانيا في حالة حرب مع العالم الروسي، وكانت في حاجة إلى أبطال عسكريين حاربوا ضد الروس، فوقع الاختيار على بانديرا الذي واجه موسكو لفترة طويلة. إلا أن الغالبية الصامتة في أوكرانيا لا تتقبل القوميين، وحتى الجيش لم يكن يريد القتال في بداية النزاع في دونباس، فتم الاعتماد على الكتائب القومية. القوميون هم أقلية بسيطة، لكنها نشيطة".
إلى ذلك، تبنّت أوكرانيا خلال السنوات الماضية مجموعة من الإجراءات لإعلاء اللغة الأوكرانية والحد من استخدام الروسية، بما فيها القانون المثير للجدل الخاص باعتماد الأوكرانية لغة رسمية وحيدة للدولة والذي دخل حيز التنفيذ في منتصف يوليو/تموز الماضي.
اقــرأ أيضاً
ويرد تشالينكو سعي الأوكرانيين إلى إعلاء لغتهم إلى كونها تشكل رمزاً لدولتهم، قائلاً: "الغالبية الساحقة من سكان أوكرانيا، وحتى عناصر الكتائب القومية، يتحدثون بين بعضهم البعض بالروسية، لكن 95 في المائة ستقول لكم إن الأوكرانية هي لغتها الأم. إذا كانت هناك جوانب أخرى للتمييز بينهم وبين الروس مثل الكنيسة، لما تحدث الأوكرانية في أوكرانيا إلا نحو ثلاثة ملايين من سكان المناطق الغربية. ما عدا ذلك، يتحدث الروس والأوكرانيون اللغة نفسها ويعتنقون الديانة المسيحية الأرثوذكسية، ويتعاملون بالعقلية نفسها".
وحول توقعاته لمستقبل النزعة القومية المتمثلة بتمجيد بانديرا في عهد زيلينسكي، يضيف: "اعتمد القوميون الأوكرانيون دائماً على معاداة السامية، لكن زيلينسكي نفسه له أصول يهودية، فمن المؤكد أنه لن يدعمهم. إلا أنه لن يسعى في الوقت نفسه إلى عرقلتهم، بل سيتعامل معهم وكأنهم غير موجودين".
من هو بانديرا؟
كان ستيبان بانديرا من أكثر الشخصيات إثارة للجدل في التاريخ السوفييتي، ويوضح المؤرخ سيرغي بوندارينكو الذي يعمل في المنظمة الحقوقية "ميموريال" في موسكو أن بانديرا تحول من شخصية تاريخية إلى أخرى سياسية، قائلاً لـ"العربي الجديد": "هناك شخصيتان لبانديرا، إحداهما روسية والثانية أوكرانية، ثم تحولتا إلى شخصية سياسية تم توظيفها بحسب متغيرات الوضع".
ويعد بانديرا (1909 - 1959) من مؤسسي أيديولوجيا القومية الأوكرانية وجيش التمرد الأوكراني في عام 1942، بعدما بدأ التعاون الوثيق مع الاستخبارات العسكرية لألمانيا النازية تحت قيادة أدولف هتلر منذ غزو بولندا عام 1939.
وفي عام 1943، توصّلت السلطات النازية إلى اتفاق مع القوميين الأوكران، حتى يتولى جيش التمرد حراسة السكك الحديدية والجسور من العصابات السوفييتية، ودعم عمليات الاحتلال النازي. في مقابل ذلك، وعدت ألمانيا بتسليح جيش التمرد والسماح بإقامة الدولة الأوكرانية تحت الرعاية الألمانية في حال نصر الفاشيين على الاتحاد السوفييتي.
اقــرأ أيضاً
وبعد انتهاء الحرب، واصل بانديرا نشاطه المعادي للاتحاد السوفييتي، متخذاً من ألمانيا الغربية مقراً لمنظمة القوميين الأوكرانيين حتى تسميمه على يد عميل في جهاز الأمن السوفييتي "كي جي بي" في ميونخ عام 1959.
وبعد تفكّك الاتحاد السوفييتي، احتفلت أوكرانيا المستقلة لأول مرة في عام 1992 بذكرى مرور 50 عاماً على تأسيس جيش التمرد، وبدأت محاولات منح عناصره صفة المحاربين القدامى. وفي عام 2010، أعلن الرئيس الأوكراني آنذاك فيكتور يوشينكو، عن منح بانديرا لقب بطل أوكرانيا، كما تم نصب تماثيل له وإطلاق اسمه على شوارع في مدن وبلدات غرب أوكرانيا.
فخلال السنوات الخمس الأخيرة، بلغ هذا التباين الداخلي الحاد ذروته، في ظل سعي منطقة دونباس التي تضم مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك للانفصال عن أوكرانيا والانضمام إلى روسيا، في مقابل تشديد الخطاب القومي في كييف في عهد الرئيس السابق بيترو بوروشينكو. ووصل الأمر إلى تمجيد ستيبان بانديرا، وهو زعيم قومي أوكراني تعاون مع الاحتلال النازي لمواجهة موسكو خلال الحرب العالمية الثانية (1939 ــ 1945).
وفي عام 2016، تم تغيير اسم أحد الشوارع الرئيسية في كييف من "موسكوفسكي بروسبكت" إلى "بروسبكت ستيبان بانديرا"، كما أعلن عام 2019 "عام ستيبان بانديرا" في مدينة لفيف الواقعة غرب البلاد.
لكن ثمة مؤشرات تشير إلى تراجع النزعة القومية في أوكرانيا خلال عهد الرئيس الجديد فلاديمير زيلينسكي، منها إصدار المحكمة الإدارية في كييف في يونيو/ حزيران الماضي قراراً بإلغاء تغيير اسم شارع "موسكوفسكي بروسبكت". كما رفض زيلينسكي التوقيع على مشروع قانون من شأنه دعم المنظمة الشبابية القومية "بلاست".
رفض الغالبية الصامتة
يعزو الصحافي المتخصص في الشأن الأوكراني، ألكسندر تشالينكو، تمجيد بانديرا في أوكرانيا إلى حاجة السلطة السابقة لشخصية تاريخية حاربت ضد روسيا، متوقعاً تراجعاً للنزعة القومية في أوكرانيا خلال الفترة المقبلة. ويقول تشالينكو لـ "العربي الجديد": "منذ عام 2014، كانت أوكرانيا في حالة حرب مع العالم الروسي، وكانت في حاجة إلى أبطال عسكريين حاربوا ضد الروس، فوقع الاختيار على بانديرا الذي واجه موسكو لفترة طويلة. إلا أن الغالبية الصامتة في أوكرانيا لا تتقبل القوميين، وحتى الجيش لم يكن يريد القتال في بداية النزاع في دونباس، فتم الاعتماد على الكتائب القومية. القوميون هم أقلية بسيطة، لكنها نشيطة".
إلى ذلك، تبنّت أوكرانيا خلال السنوات الماضية مجموعة من الإجراءات لإعلاء اللغة الأوكرانية والحد من استخدام الروسية، بما فيها القانون المثير للجدل الخاص باعتماد الأوكرانية لغة رسمية وحيدة للدولة والذي دخل حيز التنفيذ في منتصف يوليو/تموز الماضي.
ويرد تشالينكو سعي الأوكرانيين إلى إعلاء لغتهم إلى كونها تشكل رمزاً لدولتهم، قائلاً: "الغالبية الساحقة من سكان أوكرانيا، وحتى عناصر الكتائب القومية، يتحدثون بين بعضهم البعض بالروسية، لكن 95 في المائة ستقول لكم إن الأوكرانية هي لغتها الأم. إذا كانت هناك جوانب أخرى للتمييز بينهم وبين الروس مثل الكنيسة، لما تحدث الأوكرانية في أوكرانيا إلا نحو ثلاثة ملايين من سكان المناطق الغربية. ما عدا ذلك، يتحدث الروس والأوكرانيون اللغة نفسها ويعتنقون الديانة المسيحية الأرثوذكسية، ويتعاملون بالعقلية نفسها".
وحول توقعاته لمستقبل النزعة القومية المتمثلة بتمجيد بانديرا في عهد زيلينسكي، يضيف: "اعتمد القوميون الأوكرانيون دائماً على معاداة السامية، لكن زيلينسكي نفسه له أصول يهودية، فمن المؤكد أنه لن يدعمهم. إلا أنه لن يسعى في الوقت نفسه إلى عرقلتهم، بل سيتعامل معهم وكأنهم غير موجودين".
من هو بانديرا؟
كان ستيبان بانديرا من أكثر الشخصيات إثارة للجدل في التاريخ السوفييتي، ويوضح المؤرخ سيرغي بوندارينكو الذي يعمل في المنظمة الحقوقية "ميموريال" في موسكو أن بانديرا تحول من شخصية تاريخية إلى أخرى سياسية، قائلاً لـ"العربي الجديد": "هناك شخصيتان لبانديرا، إحداهما روسية والثانية أوكرانية، ثم تحولتا إلى شخصية سياسية تم توظيفها بحسب متغيرات الوضع".
ويعد بانديرا (1909 - 1959) من مؤسسي أيديولوجيا القومية الأوكرانية وجيش التمرد الأوكراني في عام 1942، بعدما بدأ التعاون الوثيق مع الاستخبارات العسكرية لألمانيا النازية تحت قيادة أدولف هتلر منذ غزو بولندا عام 1939.
وفي عام 1943، توصّلت السلطات النازية إلى اتفاق مع القوميين الأوكران، حتى يتولى جيش التمرد حراسة السكك الحديدية والجسور من العصابات السوفييتية، ودعم عمليات الاحتلال النازي. في مقابل ذلك، وعدت ألمانيا بتسليح جيش التمرد والسماح بإقامة الدولة الأوكرانية تحت الرعاية الألمانية في حال نصر الفاشيين على الاتحاد السوفييتي.
وبعد انتهاء الحرب، واصل بانديرا نشاطه المعادي للاتحاد السوفييتي، متخذاً من ألمانيا الغربية مقراً لمنظمة القوميين الأوكرانيين حتى تسميمه على يد عميل في جهاز الأمن السوفييتي "كي جي بي" في ميونخ عام 1959.
وبعد تفكّك الاتحاد السوفييتي، احتفلت أوكرانيا المستقلة لأول مرة في عام 1992 بذكرى مرور 50 عاماً على تأسيس جيش التمرد، وبدأت محاولات منح عناصره صفة المحاربين القدامى. وفي عام 2010، أعلن الرئيس الأوكراني آنذاك فيكتور يوشينكو، عن منح بانديرا لقب بطل أوكرانيا، كما تم نصب تماثيل له وإطلاق اسمه على شوارع في مدن وبلدات غرب أوكرانيا.