الأسرى المرضى... فلسطينيون يتمنون الموت في حضن العائلة

11 سبتمبر 2019
احتجاجاً على وفاة بسام السايح بغزة (مجدي فتحي/ Getty)
+ الخط -

في سجون الاحتلال الإسرائيلي، تُسجَّل معاناة مضاعفة لأسرى فلسطينيين كثيرين. هؤلاء مصابون بأمراض مختلفة، ومنهم من يتمنّى فقط إسلام روحه وسط عائلته وليس في صقيع الزنزانة.

"كلّ ما يتمناه ابني القابع في عيادة سجن الرملة هو أن يموت في حضني". بحزن بالغ تتحدث آمنة أبو دياك والدة الأسير الفلسطيني المريض سامي أبو دياك، من بلدة سيلة الظهر الواقعة إلى جنوب جنين شمالي الضفة الغربية المحتلة، عن وضع ابنها، متمنية بدورها أن يلفظ أنفاسه الأخيرة في حضنها. وتخبر "العربي الجديد": "زرته الخميس الماضي في عيادة سجن الرملة، كان متعباً فأحضروه على كرسيّ متحرك"، مضيفة أنّه "استطاع مقابلتنا هذه المرّة، في حين أنّنا نقصد السجن في أحيان كثيرة من دون أن نتمكّن من رؤيته، لعدم قدرته على الخروج".

وكان الأطباء، بحسب ما تلفت والدة أبو دياك، قد "أبلغوا العائلة بأنّ جسده لم يعد يتقبّل العلاج، لذا يضطرون إلى تنويمه لفترات طويلة". يُذكر أنّه يعاني من السرطان الذي تمدّد ليطاول عموده الفقري وإحدى كليتَيه فيما تسبب في احتباس الماء في رئتَيه، وهو في حاجة كذلك إلى ثلاث وحدات دم أسبوعياً. وأبو دياك الذي لم يعد يتوفّر أيّ علاج ممكن له، وصل وزنه إلى 39 كيلوغراماً بعدما كان 95 كيلوغراماً. أمّا السبب الرئيسي في تدهور وضع أبو دياك الصحي فهو، بحسب ما تؤكد والدته "الإهمال الطبي وتأخّر العلاج عاماً كاملاً"، موضحة أنّه "لم يتلقَّ العلاج اللازم قبل أربعة أعوام على الرغم من آلامه، إلا بعد أن فقد وعيه في السجن. ثمّ وقع ضحيّة خطأ طبي، قبل أن يُنقل بعد خضوعه لعملية جراحية مباشرة إلى عيادة الرملة التي تفتقر إلى مقوّمات العلاج المناسب".

بالنسبة إلى والدة أبو دياك، فإنّ خبر استشهاد الأسير المريض بالسرطان بسام السايح من مدينة نابلس، يوم الأحد الماضي، في الثامن من سبتمبر/أيلول الجاري، بلغها كأنّما هو خبر استشهاد ابنها الذي تُعَدّ حالته من أكثر الحالات حراجة في سجون الاحتلال. فتوجّه "رسالة إلى كل ضمير حيّ"، تطالب فيها بـ"تحقيق أمنيته. هو قال لي: حتى لو مكثتُ يوماً واحداً أو ساعات في حضنك، أريد أن أخرج".

الأسير نصار طقاطقة ضحيّة الإهمال الطبي في سجون الاحتلال (عصام الريماوي/ الأناضول)

برسالة مشابهة لتلك التي وجّهتها آمنة أبو دياك، تمنّت سلوى عياد شقيقة الأسير المريض بالسرطان ياسر ربايعة، من سكان بلدة العيزرية الواقعة إلى شرق القدس، "من كل المسؤولين، لا سيّما المسؤولين عن ملفّ ياسر الطبي، وكل من له قلب، بأن يضع ياسر على رأس قائمة أيّ تبادل للأسرى، أو أن يتمّ العمل على الإفراج عنه بسبب وضعه الصحي المتأزّم". ورباعية المعتقل منذ 18 عاماً والمحكوم بالسجن المؤبد، تؤكد شقيقته لـ"العربي الجديد" أنّ "الإهمال الطبي وتأخّر علاجه هما ما أدّيا إلى تفاقم وضعه. ففي عام 2005 عانى من صفار الكبد (اليرقان) لكنّه أهمل، فتم استئصال جزء منه في عام 2017. بعد ذلك شُخّص لديه سرطان القولون، وخضع لعلاجات متأخّرة. واليوم، يحصل على جرعات من العلاج الكيميائي بين الفينة والأخرى".

من بين الأسرى المرضى، 10 مصابون بالسرطان، وأكثر الحالات خطراً هي حالة سامي أبو دياك، بعدما توفي بسام السايح أخيراً. تشير الباحثة في نادي الأسير الفلسطيني أماني السراحنة، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "ثمّة أسرى لم يُشخّص السرطان لديهم إلا بعد فترة من الإصابة، وآخرين اكتُشفت إصاباتهم بعد الإفراج عنهم من سجون الاحتلال"، معيدة ذلك إلى "قلة الفحوصات الدورية للأسرى والمماطلة في إجراء العمليات الجراحية لهم". تضيف السراحنة أنّ "الإهمال الطبي للأسرى كبير جداً، وقد ينتظر الأسير المريض أعواماً طويلة قبل تلقّيه علاجه، وذلك عبر إجراءات طبية معقّدة. وفي حال سُمح للأسير بالعلاج، فإنّه قد يكتشف أحياناً إصابته بأمراض أخرى". وتؤكد السراحنة أنّه "في الإمكان السيطرة على المرض في مراحله الأولى"، مشيرة إلى أنّ "بعض الأسرى أصيب بالمرض في داخل السجن، والبعض الآخر كان مصاباً قبل اعتقاله فتفاقمت حالته في أثناء التحقيق وفي ظلّ ظروف الاعتقال. وفي حالات عدّة، اضطر أسرى إلى الخضوع إلى عمليات جراحية على حسابهم الخاص بعد الإفراج عنهم".





وتتابع السراحنة: "تماطل سلطات الاحتلال وإدارة سجونها في علاج الأسرى المصابين بمختلف الأمراض، فيما قد تكتفي بإعطائهم المسكنات في بعض الأحيان، وهو الأمر الذي يجعل أوضاعهم الصحية تتدهور، ومنهم من قد يفقد حياته مثلما حدث مع السايح الذي عانى من جرّاء مرض السرطان طوال أعوام". وتذكر أنّ "700 أسير في سجون الاحتلال يعيشون معاناة المرض والسجن في آن واحد، من بينهم 160 أسيراً يعانون من جرّاء أمراض مزمنة، السرطان واحد منها، بالإضافة إلى أمراض نفسية وأمراض الكبد والقلب والكلى وغيرها. كذلك ثمّة حالات شلل وإعاقات، مع أطراف مبتورة لعدد من الأسرى نتيجة إصابتهم خلال اعتقالهم، في حين أنّ شظايا ما زالت في أجساد البعض الذي يضطر إلى العيش على المسكنات. والاحتلال يعتقل هؤلاء الأسرى في سجن الرملة". وتلفت السراحنة إلى أنّه "من بين الأسرى المرضى أصحاب الحالات الخطيرة، أشخاص أغلقت ملفاتهم الطبية وهم في حاجة إلى أن يكونوا وسط عائلاتهم حتى تتمكّن من رعايتهم. وهؤلاء أسرى اعتقلوا ما بين عامَي 2000 و2001".

من جهته، يشير مدير دائرة الإعلام في هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية، ثائر شريتح، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "الاحتلال يعالج المرضى معتمداً بشكل كبير على المسكّنات. وفي حال تأمين العلاج المناسب، فإنّه يُعطى ناقصاً في الأغلب. أمّا في حال احتاج الأسير إلى عملية جراحية، فإنّ الأمر قد يتطلب شهوراً وربّما سنوات قبل إجرائها. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ بيئة احتجاز الأسرى، المرضى خصوصاً، غير مناسبة لهؤلاء، الأمر الذي يفاقم حالاتهم الصحية".

ربّما كان من بين أبنائهنّ مرضى في زنازين الاحتلال (الأناضول)

ترفض سلطات الاحتلال إدخال أطباء من الخارج لعلاج الأسرى المرضى، على الرغم من أنّ إدارة سجونها لا توفّر أطباء متخصصين لعلاج الأسرى المرضى، وتقدّم العلاج منقوصاً في معظم الأحيان. تقول السراحنة إنّ "كثيرين من الأسرى المرضى لم يعاينهم طبيب متخصص، ومنهم من شُخّصت حالته بطريقة خاطئة. كذلك ثمّة أسرى مرضى تعرّضوا لأخطاء طبية ولإجراءات تصبّ في خانة انتقام الاحتلال منهم، إلى جانب هؤلاء الذين تفشّت الأمراض في أجسادهم وصار من الصعب علاجهم". لكنّ السراحنة تشير إلى "حالات محدودة سمحت سلطات الاحتلال بمشاركة طبيب من الخارج في علاجها، وذلك لا يتمّ عادة إلا بعد تفشّي المرض في جسد الأسير ويصير في حاجة إلى علاج آخر".

وكانت هيئة الأسرى، بحسب ما يلفت شريتح، قد "توجّهت إلى وفود رسمية دولية قصدت فلسطين في أكثر من مناسبة لتفعيل قضية الأسرى المرضى، ومن جهة أخرى حاولت ذلك من خلال سفراء فلسطين في العالم. فالهيئة تملك كشوفات طبية كاملة عن الأسرى المرضى سلّمتها إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومؤسسات دولية أخرى. لكنّها لم تتلقَّ أيّ ردّ حتى الآن، فيما تستدعي حالات مرضية كثيرة تدخّلاً بشكل واضح". يضيف: "لكنّ الموقف الدولي متساوق مع الاحتلال وهو مخجل، لا سيّما نتيجة الصمت إزاء الجرائم التي يرتكبها الاحتلال في حقّ الأسرى المرضى من دون محاسبته".





منذ عام 1967 وحتى اليوم، استشهد 221 أسيراً فلسطينياً داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، من بينهم 65 أسيراً من جرّاء "جرائم طبية" في ظل استهتار سلطات الاحتلال بحياتهم. فقد رُفِض إدخال أطباء من خارج سجون الاحتلال لعلاجهم، ورُفِض كذلك الإفراج المبكر عنهم أو إخلاء سبيلهم لتلقّي العلاج. ويوضح شريتح في هذا الإطار أنّه "حين تتقدّم هيئة الأسرى بطلبات إفراج مبكر أو إخلاء سبيل لأسرى مرضى نظراً إلى خطورة حالاتهم، يرفض الاحتلال ذلك في كلّ مرّة، مدّعياً أنّ الوضع الصحي للأسير المعنيّ مستقر ولا يوجد أيّ خطر على حياته، مثلما حدث في حالة الأسير الشهيد بسام السايح".