الرشق بالأسيد، من أبشع أشكال العنف في العالم، وهو منتشر في إيران، حاصداً ضحايا من النساء بالذات. لكنّ تزايد الهجمات في السنوات الأخيرة دفع المشرعين إلى اقتراح قانون رادع.
يعود تاريخ أول جريمة مسجلة بالأسيد، أو الحمض، في إيران، إلى عام 1955، عندما لجأ شاب إلى هذا الشكل من الهجمات العنيفة والمؤثرة على المدى البعيد، ضد قاضٍ حكم عليه بالسجن. فبعدما أنهى فترة الحكم، رشق السائل الحارق في وجه القاضي، بغية الانتقام منه. ومع تسجيل هذه الجريمة على أنّها الأولى من نوعها، بتّ القضاء الإيراني بالتالي في أول ملف قضائي في هذا الخصوص في ذلك التاريخ.
لكنّ الهجمات المماثلة تواصلت بعد ذلك طوال العقود الماضية. وبحسب السلطات المعنية، تحصل سنوياً ما بين 60 و70 حالة اعتداء من هذا النوع في مختلف أنحاء البلاد، أشهرها تلك التي شهدها عام 2004، إذ تحولت إلى قضية رأي عام كان لها صدى كبير في وسائل الإعلام العالمية. بدأت القصة عندما طلب شاب يدعى مجيد موحدي، الزواج من زميلته في الجامعة، آمنة بهرامي، لكنّها رفضت، فاعتزم على الانتقام، ورشقها بالحمض في وجهها، ليثبت أنّ حبه لها "لم يكن حقيقياً". دفعت آمنة ثمناً غالياً لرفضها طلب مجيد، فمع تشوه وجهها الجميل فقدت عينيها، وتحولت حياتها إلى كابوس منذ ذلك الحين.
حكم القضاء الإيراني على المعتدي مجيد بالقصاص والاعتداء عليه بمثل ما اعتدى على آمنة، لكنّ القرار أثار تساؤلات كثيرة حول ما إذا كان صائباً ورادعاً، وواجه تنديداً واسعاً خارج إيران، فوصفته بعض الدول مثل النرويج وبلجيكا وبريطانيا بأنّه "غير إنساني" مطالبة القضاء الإيراني بوقف تنفيذه. انتظرت آمنة ثماني سنوات ليحين موعد تنفيذ الحكم بعد تأجيلات متكررة، لكن ليس لكي تنفذ القرار، بل لتعفو عن مجيد، مسطرة بذلك موقفاً إنسانياً نبيلاً. عن ذلك تقول آمنة: "في آخر اللحظات عندما أعطوا مجيد حقنة التخدير وجاء شقيقي لكي يضع قطرات الأسيد في عينيه، كان مجيد يجهش بالبكاء ويشتمني ويسيء إليّ، لكنّني في اللحظة الأخيرة قلت لشقيقي: لا ترشقه بالأسيد. اتركه. قال لي لماذا؟ فقلت له: منذ اليوم الأول لم أكن أرغب في فعل ذلك". وتناولت آمنة تلك الحادثة في كتاب بعنوان "العين بالعين" في 890 صفحة و250 صورة تروي فيه القصة الكاملة.
عام 2014 أيضاً، وقعت سلسلة اعتداءات بالأسيد في مدينة أصفهان، ثالث أكبر مدن إيران، خلال شهر واحد تقريباً، إذ اعتدى رجال على متن دراجات نارية على فتيات ونساء برشقهن بالأسيد في وجوههن. وبحسب السلطات، فإنّ هذه الاعتداءات طاولت أربع نساء، لكنّ تقارير غير رسمية تحدثت عمّا بين ست حالات و11 حالة. وقيل إنّ دافع الهجمات يعود إلى "عدم ارتدائهن الحجاب بالشكل المناسب" لكنّ السلطات نفت أن يكون ذلك هو الدافع. أثارت هذه الحوادث ضجة كبيرة، ووصفها وزير العدل في حينه، مصطفى بورمحمدي، بأنّها "إرهابية". اشتبهت الشرطة في كثيرين، واعتقلتهم، لكنّها لم تصل إلى الفاعل أو الفاعلين الحقيقيين، إلى أن أعلن محامي الضحايا، حسين عباس عليزاده، في الثامن عشر من يوليو/ تموز 2018 أنّ الملف قد أغلق، ودفعت الديّة للضحايا من المال العام.
تكرار هذه الحوادث، وتحديداً ما جرى في مدينة أصفهان، دفع المشرعين الإيرانيين إلى البحث عن رادع قانوني، عسى أن يمنع ارتكاب هذه الجريمة، فبعد مناقشة مشاريع عدة خلال السنوات الماضية، استقر الأمر على مشروع عرف باسم "تشديد عقوبات الرشق بالحمض وحماية المتضررين من ذلك" الذي قدّمه نواب في البرلمان عام 2017، وصادقت عليه اللجنة القضائية والحقوقية، لكن ظلّ مسكوتاً عنه لعامين تقريباً، حتى أقرّ مجلس الشورى الإسلامي الإيراني (البرلمان) خلال مايو/ أيار الماضي، الخطوط العريضة للمشروع، على أن يناقش تفاصيله لاحقاً ليتحول في نهاية المطاف إلى قانون جديد يحول دون استخدام هذا الأسلوب في الخلافات الدائرة في المجتمع الإيراني، بعدما ازدادت حالات استخدام السائل الحارق خلال السنوات الأخيرة.
استكمالاً لمناقشة بنود مشروع قانون "تشديد عقوبات الرشق بالحمض وحماية المتضررين"، أقرّ البرلمان الإيراني في التاسع من يونيو/ حزيران الماضي، عقوبة الإعدام ضدّ مرتكبي هذه الجريمة كإجراء رادع يحدّ من انتشار هذه الهجمات في البلاد. وصادق 161 مشرّعاً إيرانياً على إلحاق فقرة بالمادة الأولى لمشروع القانون، في حين عارضها 9 آخرون وامتنع 9 نواب عن التصويت وذلك من أصل 245 نائباً حضروا الجلسة. وتنص هذه الفقرة على اعتبار الرشق بالحمض بقصد بث الرعب والإخلال بالأمن العام من جرائم "الإفساد في الأرض" التي يحدد قانون العقوبات الإسلامية في إيران أشد العقوبات لها؛ أي الإعدام، كما تصدر في بعض الحالات أحكام بقطع اليد أو القدم أو النفي.
وإلى جانب عقوبة الإعدام، ينص مشروع القانون على عقوبات أخرى، مثل السجن 25 عاماً كحد أقصى، في حال لم يكن ارتكاب الفعل بقصد الإخلال بالأمن العام. وفي حال تحول المشروع إلى قانون سارٍ بعد مصادقة مجلس صيانة الدستور عليه، سيحلّ مكان أول قانون خاص سنّته البلاد عام 1958 لمعاقبة مرتكبي اعتداءات الرشق بالحمض. ويأمل المشرعون الإيرانيون أن يشكل القانون رادعاً لمن يفكرون بارتكاب مثل هذه الجريمة.