هكذا يعيش مهجّرو ريف حمص الشمالي

01 يوليو 2019
مأساة (محمد عبد الله/ الأناضول)
+ الخط -

للتهجير في سورية مرارة لا يُدركها إلّا من اختبر تلك التجربة القاسية. ولعلّ السوريون الذين هُجّروا من ريف حمص الشمالي خير مثال، بعد خمسة أعوام من الحصار المتواصل وسط القصف.

ما زال الأمل بالعودة إلى الديار حيّاً في نفوس المهجرين من ريف حمص الشمالي الذين يعيشون بين ذكريات الماضي والواقع الصعب في الشمال السوري اليوم. "قضينا أياماً لا تُنسى بحلوها ومرّها، ثمّ هُجّرنا لنعيش المأساة"، يقول الناشط عباس السليمان في حديثه عن واقع مهجري ريف حمص الشمالي بعد وصولهم إلى الشمال السوري.

التهجير شمل مدناً وبلدات ثارت على نظام بشار الأسد، وقد حوصرت لسنوات ثم قصفت ليقع أهلها بين خيارين: إما الرضوخ للنظام وإما التهجير قسراً نحو إدلب. يقول سليمان لـ "العربي الجديد" إنّ مهجري منطقة الحولة موزعون على مناطق ترمانين والفوعة في ريف ادلب، وقسم كبير من مهجري ريف حمص الشمالي لا يحصل على مساعدات كغيره من المهجرين. يضيف: "تعرضنا لظلم كبير. هناك من يعيش في مخيمات عبارة عن غرفة واحدة، ومعظمهم ينتظرون الحصول على مساعدات تخفف عنهم بعض الأعباء اليومية". وتعد مدن الرستن وتلدو وتلبيسة وكفرلاها وتلذهب والدار الكبيرة وتير معلة من أهم المدن التي سيطرت عليها فصائل المعارضة إلى حين بدء إتفاق التهجير، وقد تجاوز عدد المهجرين 30 ألف شخص.

ابن بلدة الدار الكبيرة في ريف حمص الشمالي الناشط خضر العزو، يتحدث لـ "العربي الجديد" عمّا حل بمهجري ريف حمص الشمالي. يقول "بعد وصولنا إلى الشمال السوري، عانينا كثيراً من جراء الضغوط النفسية من قبل المنظمات، التي عمدت إلى تهميشنا. ونحن كناشطين من أبناء ريف حمص الشمالي وقعنا في دائرة هذا التهميش، حتى من قبل المنظمات. وعندما وصلنا إلى الشمال السوري، ازدادت الأوضاع سوءاً. كنا نعيش في بيوتنا، وحتى حين نزحنا ضمن مناطق الريف الشمالي، استأجرنا بيوتاً". وعن حياته في الريف الشمالي لحمص، يقول الشاب الثلاثيني: "كانت المنطقة ضيّقة جغرافياً علينا. على الرغم من ذلك، كنا نزرع قطعة من الأرض ونجني منها الخضار في الصيف. الحياة بسيطة ولم تكن بهذا التعقيد. هنا في الشمال نعيش ليومنا فقط، ونفكر كيف نؤمن بدل إيجار المنزل، وكيف سنحيا في خيمة. وأكثر ما نواجه من صعوبات هو تأمين بدل إيجار المنزل الذي يقدّر بنحو 100 دولار شهرياً، عدا خدمات المياه والكهرباء".




ويقارن العزو بين الفترة التي وصل فيها المهجرون من ريف حمص الشمالي إلى إدلب وبين الوقت الحالي: "لدى وصولنا، كانت الأسعار مقبولة. وبعد أربعة أشهر، بدأت هذه الأسعار ترتفع. وازدادت الأمور سوءاً لأن الحياة مأساوية وصعبة". يقول: "أشتاق إلى حمص والريف الشمالي، لكنها الآن بين يدي الشبيحة وعناصر النظام، ولا أستطيع العودة إليها. أشتاق للجلوس في مسجد خالد بن الوليد الذي اعتدت الذهاب إليه يومي الخميس والجمعة على مدار أعوام، والجلوس في حديقته، وشراء الفول أو الذرة من الباعة الجوالين بالقرب منه. أشتاق إلى السوق المسقوف وساعة حمص. لكن لن نعود ما دام النظام هناك. وعلى الرغم من كل ظروف الحياة الصعبة، تبقى الحياة أفضل من العيش بين القتلة والمجرمين".

النساء، خصوصاً اللواتي تعلقن بحياة الريف وأحببنها، على غرار أم عامر، لديهن ذكريات لا تفارقهن. وأم عامر تتذكر الصيف في منطقة الحولة، هي التي ما زالت ترتدي اللباس التقليدي المشهور هناك، والذي يشكّل صلة الوصل بين الماضي والحاضر. تقول بغصة: "في مثل هذه الأيام، كنت أخرج باكراً إلى الأرض بعد أن نكون قد انتهينا من حصاد القمح، وبدأنا زراعة الباذنجان والطماطم. كذلك، نأحذ الطعام إلى الحقل ولا نهتم بحرارة الشمس. نعمل حتى نتعب ثم نجلس لنأكل الطماطم والبيض المسلوق والبطاطا. الحياة كانت سهلة، لكن الشباب يقولون اليوم إنها حياة شاقة لأنهم لا يعرفون قيمة التمسك بالأرض". تتابع: "بقينا سنوات تحت القصف والدمار. فقدت أبناء أخي وخرجت مع ابني الصغير الذي بقي معي، في وقت بات بقية أولادي خارج سورية. أقيم في بيت سقفه من الصفيح، وتحيط بي أرض صخرية في دير حسان بريف إدلب. أتمنى أن أعيش ما تبقى من عمري في أرضي، وتجتمع عائلتي من جديد".

ولا يتوقع محمد سعيد (35 عاماً) أن تكون العودة إلى ريف حمص الشمالي قريبة. يقول لـ "العربي الجديد": "نعيش هنا في إدلب ولا نعلم متى نغادر. الخيارات محدودة أمامنا. أهم ما نحتاج إليه هو المسكن، لذلك اشتريت أنا وإخوتي أرضاً في بلدة دير حسان لنبني عليها منازل لنا. يبدو أن إقامتنا هنا قد تطول وعلينا البحث عن حل".



ويمتدّ ريف حمص الشمالي على مساحة جغرافية تقدّر بنحو 350 كيلومتراً مربعاً، ويشكّل نسيجاً طائفياً وعرقياً معقداً كونه يضم عرباً وتركمان وشركسا. وتتعدّد الطوائف فيه: السنة يشكلون النسبة الأكبر، يضاف إليهم العلويون والشيعة والمرشديون والإسماعيليون، ما سهل على النظام استخدام هذه الورقة لصالحه من خلال تفكيك النسيج الاجتماعي في المنطقة.