أسر قتلى حرب اليمن... هذه معاناتها

01 يوليو 2019
هنا يرقد يمنيون كثر (محمد حمود/ Getty)
+ الخط -

"أصدقائي كلّهم لهم آباء، إلا أنا... فأبي استشهد في الحرب وأنا أفتقده". بحزن كبير يعبّر صادق عبد الوهاب (16 عاماً) عن اشتياقه إلى والده الذي قتل في إحدى المواجهات المسلحة في مدينة حجة، غربي اليمن. يضيف صادق لـ"العربي الجديد" أنّ "أبي استشهد قبل عام، وفي كلّ يوم أتذكّر كيف كنّا نلعب معاً وكان يساعدني في دروسي"، مشيراً إلى أنّه اليوم يعتمد على نفسه في كلّ شيء. ويجد عبد الوهاب صعوبة في القيام ببعض المهام التي كان يؤدّيها والده، قائلاً: "كان أبي يوفّر كلّ شيء، لكنّني اليوم أنا المسؤول عن إحضار دبة (أسطوانة) الغاز وعن نقل القمامة من المنزل على الرغم من بعد مكب النفايات. كذلك أشتري ما تحتاجه الأسرة، وأفكّر في ترك المدرسة حتى أشتغل". ويلفت صادق إلى أنّه لا يحب أن يقال عنه إنّه "يتيم الأب" أو يقال عن والدته إنّها "أرملة".

بدورها، انقلبت حياة عبير الآنسي (17 عاماً) رأساً على عقب بحسب ما تقول بعدما فقدت والدها مثل حال كثيرين من اليمنيين. وتخبر "العربي الجديد": "استشهد والدي في المعارك ولأنّ أسرتي كانت تسكن في صنعاء بعيداً عن العائلة الممتدة، فقد اضطررنا إلى العودة إلى قريتنا في ذمار (وسط)"، مؤكدة أنّ "أسرة والدتي رفضت بقاءنا وحدنا في صنعاء". تضيف عبير أنّه "بعد استشهاد والدي بأشهر، اضطررنا إلى سحب ملفاتنا من المدارس والانتقال للعيش في ذمار. لم يكن أمامنا خيار غير ذلك، فأنا وأمي وإخوتي الصغار لا نستطيع العيش في مدينة مثل صنعاء بعدما فقدنا من كان يقوم برعايتنا وحمايتنا، بالتالي كان علينا الانتقال إلى مكان قريب من أعمامي وأخوالي". وتلفت عبير إلى أنّها قد لا تتمكّن من إكمال دراستها الجامعية إذا لم تتحسّن ظروفهم المعيشية، مضيفة "كنت أهيّئ نفسي للالتحاق بالجامعة، لكنّني أجد صعوبة في ذلك وأفكّر في تعلم حرفة تساعدني على توفير المال بدلاً من الاعتماد على المساعدات". في سياق متصل، تقول عبير إنّ "فقدان والدي تسبّب في صدمة نفسية لوالدتي، وهي تبقى صامتة في معظم الأوقات وتخاف من أبسط الأشياء. هي لم تعد والدتي التي عرفتها في السابق، فهي تفضّل البقاء لوحدها وباتت تعتمد عليّ كثيراً في رعاية إخوتي". من جهة أخرى، تدرك عبير أنّ بقاء أسرتها في قريتها بمحافظة ذمار بين أفراد عائلتها الكبيرة لن يعوّضها ما فقدته برحيل والدها، لكنّها ترى أنّ "والدتي سوف تكون أفضل حالاً بالقرب منهم".




من جهتها، فقدت فاطمة عبد الله (43 عاماً) ابنها في الحرب، وتحكي عن معاناتها بعد خسارة من كان يرعاها منذ وفاة زوجها متأثراً بمرض قبل سبعة أعوام. تقول لـ"العربي الجديد" إنّ "أكبر أبنائي استشهد قبل نحو عامَين إثر غارة لطيران التحالف السعودي الإماراتي عند جبهة نهم، إلى شرق صنعاء، ومنذ ذلك الحين أعاني بشدّة في توفير أبسط متطلبات الحياة". تضيف فاطمة أنّ "ابني اضطر إلى الالتحاق بجبهات القتال بعدما فشل في العثور على عمل لتأمين مصاريف المنزل. فكنّا نحصل بالتالي على سلة غذائية شهرية مؤلّفة من كيس دقيق وعبوة زيت صغير و10 كيلوغرامات من الأرزّ ومثلها من السكّر، بالإضافة إلى راتب شهري يصل إلى 30 ألف ريال يمني (نحو 120 دولاراً أميركياً). لكن بعد استشهاده انقطع الراتب وبقيت السلة الغذائية". وتشير فاطمة إلى أنّها تفتقد ابنها كثيراً، وتؤكد "منذ وفاته وأنا أعاني. هو كان يحرص على رعايتي وتلبية كل احتياجاتي. واليوم أعيش أوضاعاً معيشية صعبة وأعتمد على مساعدات الناس ولا أستطيع توفير تكلفة الدواء في حال مرضت. ولولا المساعدات النقدية التي يقدّمها بعض فاعلي الخير بين حين وآخر، لكنت أتسوّل اليوم في الشوارع".

في السياق يقول الناشط محمد عزي إنّ "أسر قتلى الحرب في اليمن ومصابيها تُعَدّ من أشدّ الفئات تضرراً"، مشيراً إلى أنّ "أطراف الحرب تتجاهل أسر قتلاها وتمتنع في أحيان كثيرة عن تسليمها رواتب هؤلاء أو توزيع المساعدات العينية والنقدية لها بعد أشهر قليلة من وفاتهم". يضيف عزي لـ"العربي الجديد" أنّ "أسر قتلى الحرب تعاني من جرّاء ظروف مأساوية لا يمكن تخيّلها، فقد تضطر أسر كثيرة إلى إخراج أبنائها من المدارس لعدم قدرتها على توفير تكاليفها وأخرى تدفع بهم إلى سوق العمل لتوفير المال. أو قد يضطر أفراد منها إلى التسوّل لتوفير متطلبات الحياة الأساسية لأسرهم". ويوضح عزي أنّ "الأطراف المتحاربة مطالبة بتعويض أسر الذين سقطوا وهم يقاتلون في صفوفها وضمان حصول تلك الأسر على كل الخدمات مثل التعليم والصحة والراتب الشهري الذي يضمن حياة كريمة لهم"، داعياً "المنظمات الدولية العاملة في المجال الإغاثي سواء الغذائي أو الصحي إلى توفير الدعم اللازم لأسر قتلى الحرب للتخفيف من معاناتهم التي تتفاقم يوماً بعد آخر".



تجدر الإشارة إلى أنّ تقريراً صادراً عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي يفيد بأنّ إجمالي عدد القتلى في اليمن منذ بدء الحرب في مارس/ آذار من عام 2015 وحتى إبريل/ نيسان 2019، بلغ 250 ألف شخص. أمّا الخسائر المادية فقد بلغت قيمتها نحو 88.8 مليار دولار أميركي في خلال الفترة الزمنية نفسها.