فتحت جرائم اغتصاب اعترفت بها السلطات العراقية، والتي ارتكبتها عناصر أمنية في قوات الجيش والشرطة، الباب واسعاً للحديث عن انتهاكات قوات الأمن العراقية في مختلف مدن البلاد، والإجراءات الرادعة التي يمكن أن تمنع تكرارها. حادثتا اغتصاب امرأة وفتاة في الموصل وكركوك، وأخرى لطفل هو ابن المرأة المغتصبة، شهدها العراق في أقل من شهر. ووعدت الجهات المعنية بالتحقيق في الحوادث مؤكدة اعتقال مرتكبيها. ويوضح حقوقيون ومسؤولون محليون أنّ هناك حالات أخرى مماثلة لم يكشف عنها الضحايا، مؤكدين أن فتيات ونساء كثيرات تعرضن للاغتصاب على أيدي أفراد من الجيش والشرطة المحلية والشرطة الاتحادية والمليشيات خلال السنوات الثلاث الماضية، وقتلن من قبل ذويهن غسلاً للعار.
مطلع الشهر الجاري، تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مقطعاً مصوّراً أظهر جندياً في الجيش العراقي يتحرش بطفل صغير، وقد تحدث عن قيام زميل له باغتصاب والدة الطفل، ما أدى إلى استياء شعبي كبير. وأعلنت وزارة الدفاع العراقية القبض على الجندي الذي ظهر إلى جانب جنود آخرين في المقطع المصور، موضحة، في بيان رسمي، أن "هؤلاء الأشخاص الذي كانوا يرتدون الزي العسكري أساؤوا إلى سمعة الجيش العراقي". سيناريو مشابه تكرّر في محافظة كركوك. وأصدرت قيادة العمليات المشتركة بياناً بشأن جريمة خطف واغتصاب امرأة من قبل ضابط، مبينة أن "قواتها تمكنت من إلقاء القبض على ضابط برتبة رائد ومنتسب، ارتكبا جريمة خطف واغتصاب مواطنة في سيارة حكومية في كركوك".
ويتحدث عضو في مجلس النواب العراقي عن محافظة نينوى، لـ"العربي الجديد"، عن "انتهاكات تشهدها مناطق نينوى من قبل عناصر أمنية غير منضبطة، غالبيّتها من الجيش والشرطة الاتحادية. والضحايا نساء قست عليهن الحرب، أو فقدن معيلاً أو ولي أمر كالزوج والأب والابن". ويبين لـ"العربي الجديد"، أن "الاستهتار من قبل بعض عناصر الأمن جعل أهالي نينوى يتذكرون السنوات الماضية، وتحديداً فترة حكم نوري المالكي. وإبقاء الوضع على ما هو عليه، وزيادة هذه الحالات، سيجعل الناس يكرهون رجال الأمن، وقد تحدث مشاكل أمنية أو اشتباكات بين العشائر والجيش والشرطة".
أما مزاحم الحويت، وهو شيخ عشائري من الموصل، فيؤكد أن "الانتهاكات التي يمارسها بعض عناصر الأمن في المدن المحررة، لا يمكن اعتبارها حالات، لأنها أكثر من ذلك. ويتوجب على اللجان العسكرية والقيادة العراقية في بغداد وباقي المحافظات أن تُحاسب على مثل هذه الجرائم المتمثلة بالتحرش والابتزاز والاعتقال ثم الاغتصاب. إلا أنّها أكبر من جهود القيادة العسكرية، بسبب عددها الذي لا تكشف عنه وسائل الإعلام". ويوضح لـ"العربي الجديد"، أنّ "الأمر كبير، والقائمون على الملف الأمني يعرفون ذلك".
من جهته، يقول مدير المرصد العراقي لحقوق الإنسان مصطفى سعدون، إن "الانتهاكات التي تحدث في المناطق العراقية ليست عادية وتصنّف كجرائم"، مشيراً إلى "غياب أي محاسبة من قبل الحكومة العراقية، مع العلم أن العناصر المسيئة للجيش العراقي خالفت القوانين ومقررات حقوق الإنسان خلال الفترات الماضية. كما أن غياب العقوبات الصارمة دفعهم إلى التمادي لدرجة وصول هذه الجرائم إلى عمليات الاغتصاب الجماعي". ويوضح سعدون لـ"العربي الجديد"، أنه "من المعيب أن نكتشف عبر وسائل التواصل الاجتماعي أكثر من حادثة اغتصاب استهدفت أطفالاً ونساء في أقل من شهر. وهناك جرائم عدة ما زالت مخفية، ولم نتمكن حتى الآن من الكشف عنها والتوصل إليها. كل هذا لأن الإفلات من العقاب هو السمة الأساسية في عمل الحكومات العراقية".
إلى ذلك، يبيّن المتحدث باسم قيادة العمليات العسكرية العراقية يحيى رسول، لـ"العربي الجديد"، أن "القضاء العسكري يحاسب المتورطين بهذه الأفعال التي لا تمت إلى المنظومة العسكرية العراقية بصلة. ونحن كقيادة عسكرية بكل مستوياتها، نرفض الاعتداء على حقوق الإنسان. كما أن الاعتداءات التي شهدتها محافظة نينوى أدت إلى تشكيل مجلس تحقيقي واعتقال الذين أظهرتهم الفيديوهات، وقد أحيلوا إلى القضاء". يضيف أن عقوبتهم ستكون قاسية بكل تأكيد. ويلفت إلى أن هذه الحالات الشاذة "تُعد دخيلة على القيم والمبادئ العسكرية العراقية، مع العلم أنها تحدث في جيوش عريقة وكبيرة ودول عظمى".