موائد الرحمن باتت فقيرة في مصر
القاهرة
العربي الجديد
تقلصت موائد الرحمن التي تشكل علامة بارزة في رمضان مصر كثيراً، وباتت تتناقص عاماً بعد عام، نتيجة الظروف الاقتصادية السيئة التي يمر بها كثير من القائمين عليها. وبعدما كانت تملأ الشوارع قبل حلول شهر رمضان لإفطار الصائمين الفقراء وعابري السبيل، وينتظرها معظمهم انتظاراً، اختفت الموائد من أحياء عديدة بالكامل، فلا تكاد تراها إلّا في بعض المناطق، علماً أنّها في ما مضى كانت تشكل مهرجاناً دينياً يتباهى به الأغنياء ويُسعد الفقراء في البلاد.
أدى تقليص موائد الرحمن كذلك، إلى توقف قطاع التجهيزات (الفراشة)، فشهر رمضان بالنسبة إليهم موسم كبير يبدأ منذ منتصف شهر شعبان في حجز الكراسي وإقامة خيم الموائد وإضاءة الأنوار. تغيرت الأحوال كثيراً، فالكراسي وأقمشة الصوان الخاصة بالخيم تراصّت داخل المخازن وغطاها الغبار، في ما عدا القليل منها.
تكشف تقارير، أنه العام الثالث على التوالي الذي تتناقص فيه أعداد موائد الرحمن في المحافظات المصرية، وذلك منذ قرار تعويم الجنيه أمام الدولار الأميركي في أواخر عام 2016، ما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية من دواجن ولحوم وأرز وخضر وأسعار المحروقات وأجور العمال، وكلفة نقل السلع، وإلى مشاكل اقتصادية كبرى مرتبطة برجال الأعمال بعد توقف المصانع والشركات الخاصة بهم لأزمات مالية مع الحكومة، وزيادة الأعباء المالية والضغوط عليهم، وهو ما تسبب في عزوف عدد كبير منهم عن إقامة الموائد التي اعتادوا على إقامتها منذ عشرات السنوات.
تضيف التقارير الاقتصادية أنّ القاهرة وحدها خلال أحداث ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، وما قبلها، كانت أعداد موائد الرحمن فيها تزيد عن 20 ألف مائدة، في ما عدا موائد بقية المحافظات. أما الموجود في القاهرة حالياً فهو أقل من 20 في المائة مما كان سابقاً. تؤكد التقارير أنّ كلفة مائدة الرحمن لمائة فرد ارتفعت لتصل إلى ما بين 150 ألفاً (8734 دولاراً) و200 ألف جنيه (11.646 دولاراً) في الشهر، وقلة عددها تتسبب في تزاحم الفقراء على عدد محدد من الموائد.
"العربي الجديد" التقت عدداً من القائمين على موائد الرحمن، إذ يعترف الحاج صلاح عبد الله بأنّ الغلاء تسبب في تقليص عددها في جميع أحياء القاهرة، وفي المحافظات. يقول إنّها لم تعد وسيلة للتكافل والتراحم كما كانت في الماضي، مشيراً إلى أنّ بعض الموائد قللت من كميات الأكل المقدمة، كما اختفت العصائر والحلويات نهائياً منها، وهو ما تسبب للفقراء بحالة من اليأس، مشيراً إلى أنّ تلك الظروف دفعت كثيرين إلى استبدال موائد الرحمن بما يسمى "شنطة رمضان"، وهي حصة غذائية، بسبب انخفاض كلفتها مقارنة بإعداد مائدة طوال أيام الشهر الكريم، وهناك من يقدم مبالغ مالية للجمعيات الأهلية والفقراء.
بدوره، يقول عبد الفتاح محمد، وهو طباخ في إحدى موائد الرحمن، إنّ تلك الموائد كانت تقدم منذ خمس سنوات أكثر من صنف خضار ورغيفي خبز لكلّ شخص، أما اليوم فتقدم كمية قليلة من صنف واحد، ونصف رغيف فقط، وأقل من ربع فرخة (دجاجة) أو 100 غرام من اللحم، وهو ما يوضح حالة التردي التي وصلت إليها مائدة الرحمن بسبب الغلاء. يشير إلى أنّ عدة أشخاص كانوا يشتركون في تنظيم المائدة الواحدة سابقاً، لكنّهم اليوم بالعشرات.
أما أحمد عوض، وهو تاجر كبير، فيقول إنّه اعتاد على المشاركة في مائدة الرحمن كلّ عام مع عدد من رجال الأعمال وأصحاب الشركات وأعضاء مجلس النواب، ومنذ عامين جرى استبدالها بتقديم الأموال وشنط رمضان. يشدد على أنّ كلّ شيء من حولنا "أصبح ناراً، بدءاً من غلاء الخضر واللحوم والخبز، إلى ارتفاع أجرة العمال والطباخين، وزيادة أسعار نقل المنتجات بسبب ارتفاع أسعار السولار والبنزين، كما ارتفعت أسعار غاز الطبخ. وكلّها مسائل تسببت في ارتفاع كلفة موائد الرحمن، وتقلص أعدادها بالتالي". يبدي في الختام توقعاً متشائماً: "أتوقع أن تختفي موائد الرحمن نهائياً في السنوات المقبلة".
تجدر الإشارة إلى أنّ وزير التنمية المحلية، محمود شعراوي، أصدر قرارات خاصة بتنظيم موائد الرحمن، أهمها تقدّم المنظمين بطلب، والتعهد بتنظيم المائدة بعيداً عن الطريق العام، والحصول على موافقة موقّعة من قطاع الحماية المدنية، والتعهد بتنظيف المكان والحفاظ عليه، وعدم إقامة أيّ مائدة داخل المساجد. وهي قرارات اعتادت الحكومة المصرية توزيعها، لكنّ الكثير من منظمي الموائد لا يلتزمون بها.