سودانيون صائمون في الميدان

05 مايو 2019
هنا ثورة والتزام بالصيام (أوزان كوزيه/ فرانس برس)
+ الخط -
وسط ظروف استثنائية، يحلّ شهر رمضان على السودانيين هذا العام. فالرئيس عمر البشير عُزِل في 11 إبريل/ نيسان الماضي والسودانيون في حالة ثورة، لا سيّما أنّهم بمعظمهم يرفضون حكم المجلس العسكري الانتقالي ويحاولون إجباره على تسليم السلطة إلى حكومة مدنية. ولتحقيق غايتهم، يمضون في اعتصامهم الشعبي في محيط قيادة أركان الجيش السوداني والذي كان قد انطلق في السادس من إبريل/ نيسان الماضي. ويؤكد منظموه استمراره، على الرغم من دخول شهر رمضان في ظلّ ارتفاع درجة الحرارة المتوقّع تخطّيها 40 درجة مئوية.

وفي هذه الظروف، أعلنت أسر سودانية وأحياء كاملة مجاورة لمحيط قيادة الجيش استعدادها لتوفير موائد رمضانية تكفي لآلاف المشاركين في الاعتصام. وعلى سبيل المثال، أعلن سكان حيّ بري، شرقي الخرطوم، استعدادهم لتوفير مأكولات، خصوصاً العصائد للمعتصمين. أسرة محاسن بشير من بين الأسر التي تحضّرت فعلياً لتجهيز موائد للمعتصمين. تخبر بشير "العربي الجديد": اعتدنا طوال الأعوام الماضية تناول الإفطار الرمضاني في المنزل، لكن هذه المرّة ولأنّ مطالبنا من الثورة لم تتحقق كلها، قررت الأسرة تقسيم أيام الإفطار ما بين المنزل وميدان الاعتصام". تضيف بشير: "اتخذت عهداً على نفسي إرسال طعام للثوّار حتى في الأيام التي لن أكون فيها بميدان الاعتصام"، مشددة على سعادتها بتحقّق الشعار الذي رفعته قبل شهور مع المتظاهرين "صائمون رمضان بدون كيزان". ومصطلح "كيزان" يُطلق على أنصار حزب المؤتمر الوطني الذي أطيح به قبل أسابيع.




في سياق متصل، تلفت بشير إلى "الارتفاع الكبير في أسعار المواد الرمضانية من قبيل السكر والفواكه ومكوّنات الحلو مرّ"، مؤكدة أنّ "الغلاء هو واحد من أسباب ثورتنا على نظام البشير". تضيف: "ندرك أنّ الأسعار سوف تبقى على حالها في الفترة الأولى بعد الثورة، لكنّ كل شيء سوف يعود إلى طبيعته مع إرساء النظام الديمقراطي وزيادة الإنتاج ومحاربة الفساد". وتعرب عن أملها بأن "يكون رمضان المقبل أحلى من رمضان الحالي لجهة الرخاء والحرية".

في ميدان الاعتصام في الخرطوم، تسأل "العربي الجديد" مجموعة من الشباب عن برنامجهم في رمضان، فتأتي إجابتهم واحدة وسريعة "صابنها". وهي عبارة شبابية وجدت رواجاً واسعاً وسط المعتصمين وفي الشارع السوداني عموماً، وتعني "باقين في ميدان الاعتصام". ويوضح أحدهم ويدعى حمد يوسف أنّ "الشباب قرّروا صيام شهر رمضان هنا، في حال لم تحقق مطالب الثورة كلها، مضيفاً "لا نبالي بالصعوبات ولا بدرجات الحرارة العالية المتوقعة". ويلفت يوسف إلى أنّهم أعدّوا "برنامجاً متكاملاً في ليالي رمضان، بما في ذلك محاضرات دينية وحلقات تلاوة وبرامج أخرى ترفيهية في مجال الغناء والشعر والمسرح". لكنّه أمل أن "تتحقق شروط الثورة فيُتاح لنا قضاء شهر رمضان في منازلنا".

بعيداً عن ميدان الاعتصام، راحت ميرفت مخلوف، وهي ربة منزل في السودان الذي يشهد اليوم ثورة كبرى، تسرع في إجراء تغييرات شاملة في منزلها، استعداداً للشهر الكريم، وذلك من خلال استبدال أدوات المطبخ بأخرى جديدة، خصوصاً الأواني، وكذلك الفرش ومقاعد الجلوس، إلى جانب التأكد من الإنارة وإضافة لمبات الزينة إليها. وتتعامل مخلوف مع شهر رمضان بحسب ما تقول لـ"العربي الجديد" بكل تفاصيله، ففيه "أستقبل زائرين كثراً سواءٌ من أسرتي الكبيرة أو من جيراني أو من صديقاتي أو وزملاء أولادي وزميلاتهم". كذلك عمدت مخلوف إلى "شراء الفواكه الطبيعية من قبيل البرتقال والمانغو بكميات كبيرة ووضعها في الثلاجة حتى يسهل عليّ تجهيزها للمائدة الرمضانية"، من دون أن تنسى "الحلو المرّ الذي يُعَدّ عنصراً أساسياً من الموائد الرمضانية في السودان، ويُعتمَد كمشروب رئيسي طوال أيام الشهر". ولا تختلف تحضيرات عائلة مخلوف عمّا تقوم به الأسر السودانية بمعظمها في خلال شهر رمضان الذي يحلّ هذا العام وسط ظروف استثنائية في البلاد.




من جهتها، تقول لينا عبد الرازق لـ"العربي الجديد" إنّ "أسرتي تهيّأت للشهر الكريم، ووالدتي انتهت قبل بدايته من إعداد الحلو مرّ، سيّد المائدة الرمضانية، وكذلك خزّنت الكركدي والتبلدي والتوابل واللحوم المجففة". لكنّها تشير إلى أنّ "الظروف الاقتصادية جعلتنا نشتري قليلاً من حاجياتنا فقط بعدما كنّا نشتريها بالجملة. وعلى رغم ذلك الغلاء، قررنا مشاركة المعتصمين إفطارهم". أمّا نجم الدين السني، وهو شاب من ولاية الجزيرة (وسط)، فيخبر "العربي الجديد" أنّه جمع مع مجموعة من شباب قريته مالاً من الأهالي لتجهيز إفطارات جماعية عند إحدى النقاط في طريق الخرطوم - مدني. يضيف: "سوف نقدّم الإفطار الرمضاني لمستقلي الطريق الصائمين، على أن تلتزم أسر عدّة بتوفير موائد تمتدّ على مساحات واسعة مثلما درج عليه السودانيون قبل أعوام".