هيئة تحرير الشام تضيّق الخناق على أهالي إدلب

14 مايو 2019
تزداد الضغوط على المرأة (نظير الخطيب/ فرانس برس)
+ الخط -

يعاني جزءٌ لا بأس به من أهالي إدلب بسبب التشدد الديني الذي تفرضه هيئة تحرير الشام. وفي شهر رمضان، لا يجرؤ أحد على تناول الطعام في الشارع وإن كان لا يصوم، ويتوجّب على النساء ارتداء الخمار حتى لو كنّ متحررات

يعيش ملايين السورييّن في إدلب تحت سيطرة هيئة تحرير الشام الإسلامية المتشدّدة، التي يشكل تنظيم جبهة النصرة عمودها الفقري. ومنذ سيطرتها على المدينة بشكل منفرد في شهر يوليو/ تموز من عام 2017، عملت على فرض مسلكها الديني المتشدد على الناس.
ويقول عمر الإدلبي (35 عاماً): "تغيرت الحياة كثيراً بعدما سيطرت الفصائل الإسلامية المتشددة على إدلب، خصوصاً هيئة تحرير الشام. صرنا نفكّر في كل تصرفاتنا الشخصية لتتناسب مع مسلكهم المتشدّد، حرصاً على ألا يتعرض الشخص لأي أذية أو إساءة من عناصرها". يضيف: "على الرغم من أن المجتمع في إدلب محافظ، إلا أنه لم يكن يوماً متشدداً. كان الناس يحترمون مشاعر بعضهم بعضاً خلال الصيام. وبطبيعة الحال، كان البعض لا يصوم من دون أن يخشى معاقبة أية جهة. كان الأمر يرتبط بحرية الشخص والعلاقة بينه وبين ربه. لكن اليوم، يعتبر البعض نفسه وكيل الله على الأرض ويرغب في محاسبة الناس بحسب معتقداته".




يتابع: "هناك تفاصيل قد يراها كثيرون صغيرة ولا تؤثر على الحياة، ومنهم من يعتبرها لمصلحتهم. لكن يكفي أننا مجبرون على تلك التفاصيل لتتحول إلى قهر. سابقاً، كنت ألتقي بأصدقائي في القهوة بعد الإفطار، ونسهر وندخن النرجيلة ونلعب طاولة الزهر وورق اللعب. اليوم، أصبحت هذه الأمور من المحرمات، ونفعلها داخل منازلنا وبشكل سري".

من جهتها، تقول عائشة (27 عاماً)، وهي مدرسة مهجرة من ريف دمشق وتقيم في إدلب، لـ "العربي الجديد": "نحن مسلمون ونعرف تعاليم ديننا منذ الصغر. لكن أن يأتي أحد ويتدخل بكل تفاصيل حياتنا بذريعة الدين فهذه مصيبة. خلال الأسابيع الأخيرة، خففت هيئة تحرير الشام الضغط على الناس، ربما نتيجة القصف الذي يشهده ريف إدلب الجنوبي، على الرغم من أنها لا تقوم بشيء يذكر لوقف القصف وتهجير الناس. لكن بشكل عام في إدلب، تعدّ الفتاة التي ترتدي سترة تغطي الجسد حتى الركبة متحرّرة، إذ يجب أن تصل إلى الكاحل. والأفضل أن ترتدي اللباس الشرعي، وهو عبارة عن عباءة سوداء فضفاضة، إضافة إلى خمار يخفي كل تفاصيل الوجه والجسد. ولا يجوز أن ترتدي ملابس ذات ألوان زاهية أو أن تضع على وجهها مساحيق التجميل".

تضيف: "لا يجرؤ أحد على البوح بأنه أفطر في رمضان، لأن ذلك قد يعرضه للسجن أياماً عدة في أحد سجون الهيئة، وكذلك للجلد. ربّما يخرج الناس إلى السوق لشراء حاجاتهم من أجل السحور والفطور، لكن الشباب غالباً ما يتحاشون الجلوس في المقاهي، إذ يمنع التدخين سواء سجائر أم نرجيلة".

من جهته، يقول أبو محمد (55 عاماً)، الذي يملك محلاً لبيع المواد الغذائية في إدلب لـ "العربي الجديد": "تضيّق الهيئة على بيع بعض المواد، خصوصاً السجائر ومعسل النرجيلة، ما يضطرنا إلى بيعهما بشكل شبه سري. ويمنع عرضهم على الواجهات". يضيف: "غالباً ما لا أبيع السجائر إلا للأشخاص الذين أعرفهم خشية أن تصادر من الهيئة، وحصل هذا في أحد المحال، وصودر كل ما لدى البائع من سجائر ونرجيلة ومعسل بذريعة أن أحدهم اشترى منه نرجيلة وكان يمشي في الشارع ويظهرها أمام المارة، الأمر الذي قد يشجع الناس على تدخين النرجيلة وهي معصية".

بدورها، ترى أم عمر (45 عاماً)، وهي مدرسة تقيم في إدلب، لـ "العربي الجديد": "هيئة تحرير الشام لا تقوم بأعمال تخالف الشرع الإسلامي. بعض الفتيات يرتدين السترات القصيرة من دون أن يعترضهن أحد. لكن من يأكل في منزله ولا يجاهر بالأمر، لا أحد يتعرض له. ومن يدخن السجائر أو النرجيلة في منزله لا أحد يمنعه، وأعرف العديد من الأشخاص المدخنين الذين يشترون علب السجائر يومياً". تضيف: "الكثير من الدول تمنع التدخين أو النرجيلة في الأماكن العامة ولا أحد يعترض. لماذا يتم الاعتراض على الأمر في إدلب؟".
وتلفت إلى أن "سكان إدلب مسلمون وملتزمون بتعاليم دينهم، والهيئة تحافظ على تلك التعاليم، ولا يمكن أن يعتبر ذلك تضييقاً على الناس".

من جهته، يقول الناشط من مدينة إدلب الذي طلب عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية لـ "العربي الجديد": "التنظيمات المتشددة تكبر في المجتمعات الفقيرة المحافظة، بذريعة تطبيق الشريعة. وتبدأ بالعمل الاجتماعي الدعوي كتوزيع المساعدات المالية والإغاثية، وإقامة الدروس الدينية والتوعوية. وعندما تمتلك القوة، تفرض منهجها وتسجن الناس وتجلدهم وتلزم المواطنين اتباع منهجها وتفسيراتها الدينية إلى أن تحول المجتمعات التي تحكم سيطرتها عليها إلى مجتمعات متماهية مع تشددها، وكل ذلك تحت بند تطبيق الشريعة".




يضيف: "النصرة أو هيئة تحرير الشام تعملان في إطار استراتيجية واحدة. مع بداية فرض سيطرتهما على إدلب، كان عناصرها عندما يجدون شاباً يدخن السجائر أو النرجيلة، يأتون إليه ويوجهون له النصح على أسس دينية، وكذلك الفتيات اللواتي يضعن مساحيق التجميل أو يرتدين السترات القصيرة أو الألوان الزاهية. لكن بدأوا التضييق عليهم ومنعوا النرجيلة ثم الدخان في المناطق العامة، وبدأوا يضيقون على النساء. واليوم، يرفضون الاختلاط. حتى محال بيع الألبسة النسائية يمنع أن يكون فيها رجال". ويرى أن "التنظيمات المتشددة يبدو أنها تختبر تجارب، وتجربتها في أفغانستان ما زالت حاضرة في الأذهان، والتضييق على الناس يرتبط بمدى سيطرتها واستقرار سلطتها".