"العفو الدولية": معاملة صادمة لعاملات المنازل في لبنان

24 ابريل 2019
مظاهرة مطلبية لعاملات المنازل الأجنبيات في بيروت (وسام فنش/الأناضول)
+ الخط -
طالبت منظمة العفو الدولية اليوم الأربعاء، الحكومة اللبنانية الجديدة بوضع حدّ لنظام الكفالة الذي علِقتْ بشباكه عاملات المنازل المهاجرات بما يحمله من انتهاكات مختلفة، وتحريرهن من ظروف العمل التي تنطوي على الاستغلال والعمل الجبري والاتجار بالبشر، منتقدة تجاهل الحكومات المتعاقبة لتلك الانتهاكات.

وسلطت المنظمة في تقرير جديد نشرته اليوم تحت عنوان"بيتهم سجني: استغلال عاملات المنازل المهاجرات في لبنان" الضوء على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي يتعرض لها العديد من عمال المنازل المهاجرين، ومعظمهم من النساء، على أيدي أصحاب العمل في لبنان، وعلى فشل الحكومات اللبنانية السابقة بالتصدي الحقيقي لنظام الكفالة وإنصاف الضحايا.

وذكر التقرير أن وزير العمل اللبناني الجديد كميل أبو سليمان، التزم على الملأ وأمام منظمة العفو الدولية مباشرة، بأنه سيتخذ تدابير ملموسة لحماية حقوق عاملات المنازل المهاجرات.

وقالت مديرة البحوث للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية، هبة مرايف: "إن من المثير للغضب أن تتجاهل الحكومات اللبنانية المتعاقبة مجموعة الانتهاكات التي تتعرض لها عاملات المنازل المهاجرات في أماكن عملهن. وفي ظل نظام الكفالة تحوَّلت تلك المنازل الخاصة في العديد من الحالات إلى أكثر من سجون للعاملات اللائي تجرى معاملتهن بازدراء صادم أو بقسوة بالغة".


وتابعت "التزم وزير العمل اللبناني الجديد على الملأ، وأمام منظمة العفو الدولية بشكل مباشر، بأنه سيتخذ تدابير ملموسة لحماية حقوق عاملات المنازل المهاجرات. ولدى الحكومة الجديدة فرصة لتنأى بنفسها عن الماضي وتعطي الأولوية لوضع حد لنظام الكفالة الذي ينطوي على المعاملة السيئة بطبيعته".

وجمعت منظمة العفو الدولية شهادات مروعة بعد مقابلات أجرتها مع 32 عاملة من عاملات المنازل المهاجرات، إلى جانب مسؤولين دبلوماسيين وأصحاب عمل ومكاتب استقدام وناشطات مهاجرات ومنظمات غير حكومية، وركَّزت على حقوق العاملات المهاجرات في لبنان. والتقت المنظمة بوزير العمل، كما أطلعت وزارتي العمل والداخلية والبلديات على النتائج والتوصيات التي توصلت إليها وطلبت منهما ردَّاً.

ونقل التقرير عن الوزير أبو سليمان قوله إن الوزارة أعدت مشروع قانون من شأنه حماية عاملات المنازل، ووعد بتنفيذ العديد من التوصيات الواردة في تقرير المنظمة، داعياً إياها للانضمام إلى فريق العمل المزمع إنشاؤه من أجل إصلاح نظام الكفالة. كما طالبها بـ "تزويد الوزارة بقائمة من الانتهاكات حتى تتمكن من اتخاذ إجراءات فورية"، وأبدى موافقته على مساءلة مكاتب الاستقدام التي تنتهك حقوق العاملات المهاجرات.

نظام الكفالة

وبيّن التقرير أن عاملات المنازل المهاجرات يأتين من بلدان أفريقية وآسيوية، من بينها إثيوبيا وبنغلاديش وسريلانكا والفيليبين وكينيا، للعيش والعمل في منازل خاصة في لبنان، ولا يشملهن قانون العمل اللبناني، وإنما ينظِّم شؤونَهن نظامُ الكفالة الذي يربط الإقامة القانونية للعاملة بعلاقة تعاقدية مع صاحب العمل. ولا تستطيع العاملة تغيير عملها بدون موافقة صاحب العمل، ما يسمح لأصحاب العمل المتعسفين بإرغام العاملات على قبول شروط عمل تتسم بالاستغلال. وإذا رفضت عاملة منزل مثل تلك الشروط وقررت مغادرة منزل صاحب العمل بدون موافقته، فإنها تخاطر بفقدان صفة الإقامة، وربما تواجه خطر الاعتقال والترحيل في أي وقت.

وقالت مرايف:"إن الشهادات المروِّعة الواردة في هذا التقرير تُظهر كيف يمنح نظام الكفالة أصحاب العمل سيطرة شبه كاملة على حياة عاملات المنازل المهاجرات". ولا تقدم العاملات إجمالاً دعاوى قانونية ضد رب العمل، وذلك خوفاً من الاعتقال أو غيره من أشكال الانتقام.

ظروف عمل تنطوي على الاستغلال

وأوضح التقرير أن عاملات المنازل المهاجرات أخضعن لظروف عمل شملت إرغامهن على العمل لساعات طويلة، وحرمانهن من أيام الراحة، وعدم دفع أجورهن، وحرمانهن من الطعام وأماكن السكن اللائقة، وتعريضهن لإساءة المعاملة اللفظية والجسدية، وحرمانهن من الرعاية الصحية.


وقالت إيفا، وهي عاملة منزل فليبينية، للمنظمة إنها كانت معزولة في منزل صاحب العمل لمدة ثلاث سنوات متواصلة قبل أن تتمكن من الفرار. وذكرت ماري، وهي عاملة منزل إثيوبية، إنها عملت لمدة 19 ساعة يومياً على مدى سبعة أيام في الأسبوع من الساعة الخامسة صباحاً وحتى منتصف الليل بدون استراحة أو يوم عطلة. وأشارت ست نساء على الأقل إن ظروف عملهن دفعتهن إلى التفكير بالانتحار. ولفتت أخريات إلى تعرّضهن للمعاملة المهينة والتي تحطّ من كرامتهن من قبل أصحاب العمل باستخدام ألفاظ من قبيل "حمارة" و"كلبة" و"حيوانة" وغيرها من الشتائم النابية الشائعة.

العمل الجبري والاتجار بالبشر

ووثّق التقرير ثماني حالات من حالات العمل الجبري والاتجار بالبشر. وقالت عاملات إنهن حين طلبنَ ترك عملهن، طلب منهن أصحاب العمل تسديد الأموال التي سبق أن دفعوها مقابل استقدامهن.

وفي أشد حالات استغلال العاملات الموثَّقة في التقرير خطورةً، وجدتْ المنظمة أدلة على وقوع أربع عاملات ضحايا لعمليات الاتجار بالبشر. ففي 2011، جاءت بانشي، وهي عاملة منزل من إثيوبيا، إلى لبنان بواسطة مكتب استقدام. وقالت لمنظمة العفو إن صاحب المكتب نقَلها من منزل إلى آخر، وحجزَ جواز سفرها وراتبها لعدة أشهر، وقالت: "عملتُ مجاناً ستة أشهر، كان خلالها صاحب مكتب الاستقدام يَهِبُني إلى آخرين كهدية، مرةً إلى عائلة خطيبة ابنه، ومرةً إلى ابنته وعائلة زوجها...إنها حياة أشبه بحياة السجن".

العوائق على طريق تحقيق العدالة

وقابلت منظمة العفو الدولية ثماني نساء فررنَ ممّا أسميْنه بيئة العمل التي تنطوي على إساءة المعاملة أو العمل الجبري أو الاتجار بالأشخاص. ومع ذلك شعرنَ بأن أوضاعهن القانونية الخطيرة منعتْهن من تقديم دعاوى أمام المحاكم.

ولفتت إلى أن نظام الكفالة لا يتوافق مع القوانين الوطنية التي تكفل الحريات والكرامة الإنسانية، وتوفر الحماية لحقوق العمال، وتجرِّم العمل الجبري والاتجار بالبشر. كما أنه يتناقض، بشكل مباشر، مع التزامات لبنان الدولية.

ودعت المنظمة السلطات اللبنانية إلى وضع حد لنظام الكفالة وتوسيع نطاق الحماية القانونية للعمال بحيث يشمل عاملات المنازل المهاجرات. كما دعت وزارة العمل إلى اتخاذ تدابير فورية، من قبيل مراجعة عقد العمل الموحد الحالي بُغية التصدي لأشكال عدم المساواة بين العاملة وصاحب العمل، وإنشاء آلية شكاوى مصمَّمة خصيصاً لعاملات المنازل المهاجرات، وضمان التفعيل التام للخط الساخن الذي أطلقته الوزارة للإبلاغ عن الانتهاكات والتوعية بوجوده في أوساط عاملات المنازل المهاجرات، بالإضافة إلى تحسين مستوى مراقبة وتفتيش مكاتب الاستقدام.