بعد أيام على اختفائها، عُثر في الثلاثين من مارس/ آذار الماضي على نيبال أبو ديّة جثّة هامدة في منطقة قريبة من سكنها في محافظة الزرقاء، شمال شرق العاصمة الأردنية عمّان
أثارت جريمة مقتل الطفلة نيبال أبو دية، ابنة الأعوام الأربعة، سخطاً في المجتمع الأردني الذي راحت شرائح واسعة منه تطالب بتنفيذ عقوبة الإعدام بحقّ الجاني، علماً أنّ التحقيقات كشفت أنه حدث يبلغ من العمر 17 عاماً وقد وقعت جريمة القتل عندما حاول الاعتداء على الطفلة جنسياً. والعاطفة هي الدافع الأساسي وراء المطالبة بإعدام الجاني، سواء من قبل المواطنين المتعاطفين مع القضيّة أو من قبل ذوي الصغيرة المغدورة. أما أهل الجاني، فقد أعدّوا عريضة وقّعوها مطالبين بإعدام ابنهم الجاني، تطبيقاً للتقاليد العشائرية والعرف القبلي، وذلك في اتجاه معاكس لعاطفتهم.
أعادت تلك القضيّة موضوع الإعدام إلى الواجهة، ولا سيّما أنّ العاطفة تتغلّب على العقل في مثل هذه الجرائم الشنعاء. في السياق، تقول المحامية والناشطة الحقوقية هالة عاهد لـ"العربي الجديد"، إنّ "العاطفة تجعل ذوي الطفلة المغدورة يطالبون بإعدام القاتل وهو أمر منطقي، وخصوصاً أنّهم فقدوا طفلتهم في جريمة قاسية، لكنه لا مبرّر لتغليب العاطفة على القانون من قبل أفراد المجتمع". تضيف أنّ "المعلومات التي تُنشر حول القضية حتى الآن مصدرها الأمن العام حصراً لا المحكمة، ومن الممكن أن تظهر المحكمة معلومات وتفاصيل أخرى"، مشيرة إلى أنّ "المطالبات المتعلقة بإصدار استثناءات من أجل إعدام الشخص المعنيّ غير جائزة، لأنّه لا عقوبة ولا جريمة إلا بنصّ. وهذا الشخص، على فرض ثبوت ارتكابه الفعل، يجب أن يُعاقَب وفق قانون الأحداث الذي يعدّه حدثاً".
وتحذّر عاهد من "الانصياع والرضوخ للرأي العام في مسألة الإعدام"، مؤكدة أنّ "الدولة القوية تعتمد على سيادة القانون، وأيّ تجاوز على تلك السيادة وبشكل عاطفي يقوّض العدالة". وتتابع أنّ "الأردن اليوم دولة قانون ومؤسسات، واللجوء إلى المطالب العاطفية من أيّ مكوّن اجتماعي أمر غير مقبول. ربّما كانت الأعراف العشائرية الوسيلة لحلّ القضايا التي تظهر في المجتمع، لكن عند توفّر قانون، يكون دور الأعراف العشائرية مساعدة تنفيذ ذلك القانون". وتطالب عاهد المجتمع بـ"ترك القانون يأخذ مجراه، حتى يكون الفصل والحكم للموازنة بين مصلحة الضحايا وبين المصلحة المرجوّة من معاقبة الجاني"، شارحة أنّ "القانون يعدّ الفتيان من 15 عاماً إلى 18 عاماً أحداثاً. وفي حال كان الإعدام هو العقوبة المستحقّة في الجرم، فسوف يحاكَم الحدث بالسجن من ثمانية أعوام إلى 12 عاماً كحدٍ أقصى. وهذا ما ينصّ عليه القانون". وتلفت إلى أنّه "في حال غيّبنا القانون في الأردن اليوم واتخذنا قراراً بإعدام هذا الشخص انصياعاً للرأي العام، فقد يرضي ذلك أهل الضحيّة، لكن من الواجب مكافحة الجريمة بشكل استباقي من خلال توفير الرعاية وخصوصاً للأحداث".
من جهته، يقول مستشار الطبّ الشرعي والخبير لدى الأمم المتحدة في قضايا مواجهة العنف، الدكتور هاني جهشان لـ"العربي الجديد"، إنّ "طبيعة عقوبة الإعدام هي طبيعة قاسية ومؤلمة ومزعجة واعتباطية ولا إنسانية، يجب معارضتها في المجال الأخلاقي والمجال العملي والمجال المهني". ويرى جهشان أنّ "الاعتماد على عقوبة الإعدام في مكافحة الجريمة يحجب أسبابها الحقيقية ويحوّل الانتباه عن الإصلاح الاجتماعي الفعّال بهدف السيطرة على الجريمة، إلى التركيز على أهميّة الانتقام وأهميّة تنفيذ العقاب بحدّ ذاته". يضيف أنّ "واضعي السياسات المؤيّدين لعقوبة الإعدام على أنّها سلاح فعّال للسيطرة على الجريمة يخدعون عامة الناس، وهم بتأييدهم ذلك يحاولون ستر إخفاقاتهم في دعم مشاريع مكافحة الجريمة الفاعلة".
ويشير جهشان إلى أنّ "نتائج استطلاعات الرأي العام المبسّطة تؤيّد عادة الإعدام بنسب قد تتراوح ما بين 60 و90 في المائة، إلا أنّ الدراسات أظهرت أنّ ذلك يتمّ بطريقة عاطفية. وعند إعادة تشكيل الاستطلاع بطريقة منطقية تنخفض نسبة المؤيدين للإعدام إلى ما دون 45 في المائة". ويستطرد أنّه "لا مؤشّرات إلى أنّ تنفيذ عقوبة الإعدام يردع الجريمة، بل إنّ إخفاقها بذلك مثبت علمياً وإحصائياً. هي عقوبة غير عادلة تنتهك أبسط حقوق الإنسان أي الحقّ في الحياة"، مؤكداً أنّه "لا يوجد ما يسمّى الإعدام المثالي بل كلّ طرق الإعدام قاسية وهمجية وبربرية، تترافق مع تعذيب المحكوم وأهله والمشاهدين".
ويوضح جهشان أنّ "عقوبة الإعدام وسيلة غير منتجة في مكافحة العنف في المجتمع، لذا هي تمثّل المثل بعدم الفعالية المأسوية المفجعة والوحشية في اللجوء إلى العنف بدل المنطق لحلّ المشكلات الاجتماعية الشائكة". ويتابع أنّه "من الناحية المنطقية العقلانية، فإنّ أيّ عقوبة لجريمة معيّنة لا يمكن قياس قدرتها على الردع إلا إذا استُخدمت بشكل ثابت وحازم على جميع مرتكبي تلك الجريمة". ويلفت إلى أنّ "الأشخاص الذين لا يستطيعون تجاوز عقوبة الإعدام ضدّهم، هم عادة الفقراء الذين لا يملكون تكاليف محام جيّد، أو الأجانب الذين لا يجدون من يساعدهم، أو الذين لم يتمكنوا من إجراء الصلح العشائري لأيّ سبب من الأسباب". ويكمل أنّه "في حال خطّط المجرم لجريمته (التي يعاقَب عليها بالإعدام) فهو أخذ باعتباره المجازفة وخطط حتى لا يُكشف أو يُعتقل أو يُدان. فالتهديد بالعقاب الشديد كالإعدام، لن يردع هؤلاء الذين يتوقّعون الهرب من أن يُكشف أمرهم أو أن يُعتقلوا، أو هؤلاء الذين يظنّون أنّهم أذكى من أن يتمّ التعرّف إليهم".
تجدر الإشارة إلى أنّ الأردن عاد إلى تنفيذ الإعدام بعد وقف دام ثمانية أعوام، من عام 2006 إلى عام 2013. ومنذ عام 2014، أُعدِم 26 شخصاً وما زال أكثر من 130 آخرين ينتظرون تنفيذ الحكم. يُذكر أنّ الأسباب المقدّمة للإبقاء على عقوبة الإعدام واستئناف عمليات الإعدام في الأردن مرتبطة باعتبارات سياسية ودينية.