طرابلس الليبية تحت القصف

18 ابريل 2019
بعض ممّا خلّفته الصواريخ (محمد تركية/ فرانس برس)
+ الخط -

الحداد لثلاثة أيام، هذا ما أعلنته حكومة الوفاق في ليبيا أمس الأربعاء، على خلفيّة سقوط قتلى بين المدنيين من جرّاء قصف صاروخي عنيف تعرّضت له أحياء وسط العاصمة طرابلس، في حين أنّ الدعوات تتزايد لحثّ أهالي العاصمة على الخروج في تظاهرات للاحتجاج على "الجرائم التي تشهدها المدينة". وحمّلت الحكومة مسؤولية القصف لقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر التي تحاصر جنوبي المدينة وتخوض حرباً ضد قوات الحكومة منذ الرابع من إبريل/ نيسان الجاري، مؤكدة أنّها سوف تقدّم أدلّة ووثائق إلى محكمة الجنايات الدولية تدين حفتر وتعدّه "مجرم حرب".

بلدية أبو سليم الواقعة في قلب العاصمة التي تعرّضت أحياؤها للقصف الصاروخي ليل الثلاثاء - الأربعاء، يؤكد عميدها عبد الرحمن الحامدي لـ"العربي الجديد" أنّ "خمسة صواريخ غراد سقطت على حيَّي الانتصار وأبو سليم، أكثر أحياء العاصمة اكتظاظاً بالسكان، لتقتل ستة مدنيين وتصيب أكثر من عشرين آخرين بجروح". لكنّ المتحدث الرسمي باسم جهاز الإسعاف والطوارئ التابع للحكومة في طرابلس، أسامة علي، يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "العدد مرجّح للارتفاع، إذ إنّ ثمّة حالات حرجة بين المصابين". ويؤكد علي "ارتفاع حالة الاستعداد لمواجهة متطلبات الإسعاف والعلاج السريع".

تجدر الإشارة إلى أنّ اثنَين من صواريخ غراد التي سقطت على حيّ الانتصار وحيّ أبو سليم أصابا حيّ الانتصار وتسببا في اشتعال النيران في عدد من المنازل، وقد انهار أحدها على ساكنيه ومنذ الساعات الأولى من صباح أمس الأربعاء طوّقت فرق النجدة والشرطة الشوارع التي تعرّضت للقصف في الحيَّين المذكورَين، ومنعت الصحافيين والأهالي من الوصول إليها، في حين كانت النيران تتصاعد من بعض المنازل.

في السياق، استقبل مستشفى الحوادث في أبو سليم ومستشفى النفط في حيّ الفلاح 18 مصاباً ما زالوا يتلقّون العلاج، بحسب ما يفيد المتحدث باسم جهاز الإسعاف والطوارئ. يضيف أن "ما يزيد عن 16 آخرين يتوزعون على مراكز صحية أخرى، في حين تأتي إصاباتهم متفاوتة. أمّا الإصابات البليغة بمعظمها ففي مستشفى الحوادث".




وتبعات القصف الذي شهدته العاصمة ليل الثلاثاء - الأربعاء لم تتوقّف عند حدّ الإصابات والقتلى، وتوضح بلدية طرابلس في بيان لها أنّ "450 أسرة غادرت منازلها في ذلك الليل واضطرت إلى المبيت في المدارس والمساجد البعيدة عن الأحياء التي تعرضت للقصف". أضاف بيان البلدية أن فرق الإغاثة لم تتمكّن من الوصول إلى تلك العائلات ودعمها بالمساعدات، محذّراً من "تفاقم الأوضاع نتيجة معارك يدفع الليبيون ثمنها". وذكر البيان أنّ "طرابلس شهدت مقتل 100 شخص وإصابة 496 آخرين من جرّاء الحرب التي اندلعت في الرابع من إبريل/ نيسان"، بالإضافة الى "نزوح 24 ألف شخص منذ بداية المعارك". تجدر الإشارة إلى أنّ الأزمة في طرابلس وتفاقمها ليل الثلاثاء - الأربعاء بسبب القصف الصاروخي أدّيا إلى تعطّل المدراس بمعظمها وتوقّف سير أعمال الجهات الخدمية، بالإضافة إلى شلل واضح في الحركة بحيَّي أبو سليم والانتصار.

من جهته، يكشف ناصر الكريوي، وهو عضو لجنة الأزمة في بلدية طرابلس، أنّ "عدد قتلى القصف الجوي أكبر من المصرّح به، إذ إنّ البيانات ركّزت على المدنيين فقط". يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "ستة عسكريين قتلوا وأصيب 15 آخرين بجراح مختلفة من جرّاء القصف الذي طاول تمركزاً أميناً"، موضحاً أنّ "البيانات الأخيرة تشير إلى 11 قتيلاً و52 جريحاً". ويتحدّث الكريوي عن "معاناة إضافية عاشها النازحون، فأحد مراكز استقبالهم الذي كان يؤوي أكثر من 400 شخص فرغ من شاغليه كلياً بسبب قربه من مناطق القصف". يضيف الكريوي أنّ "العاصمة أصيبت من جرّاء القصف بأضرار أخرى تتعلق بتعرّض دوائر النقل ومحطات توليد الكهرباء إلى أضرار جسيمة. فمناطق قصر بن غشير وأجزاء كبيرة من وادي الربيع وعين زاره تعيش في الظلام الكلي منذ أسبوع تقريباً"، لافتاً إلى أنّ "فرق الصيانة لم تعد قادرة على مواصلة عملها بسبب الاشتباكات والأعطال المتكررة التي يسببها القصف العشوائي".

ويتابع الكريوي أنّ "ثمّة أنواعاً أخرى من الخدمات والإغاثة التي تقدّمها الحكومة. بالإضافة إلى المساعدات الدوائية والغذائية وتوفير مراكز إيواء النازحين، فإنّ الحكومة تؤمّن فرقاً للدعم النفسي والاجتماعي. فتلك الأسر النازحة والمتضررة تضمّ أطفالاً ونساء يحتاجون إلى تخفيف المعاناة التي يعيشونها". ويوضح أنّ "فريق الدعم النفس - اجتماعي مستمرّ بزياراته لمراكز إيواء النازحين، لعلّ آخرها مدرسة أبو ذر الغفاري التي تضمّ 40 أسرة نازحة". ويلفت إلى أنّ "ما حدث ليل الثلاثاء - الأربعاء دفع شباباً كثيرين إلى التطوع في الفريق، بالتالي صارت لدينا مجموعات موزّعة في أكثر من مركز إيواء، علماً أنّ الفريق يتلقّى دعماً من صندوق الأمم المتحدة للسكان ومنظمات دولية أخرى".



على أثر القصف، تجمّع عشرات المواطنين في ميدان الشهداء، وسط العاصمة، احتجاجاً على ما يحصل، في حين دعت بلدية طرابلس صباح أمس الأربعاء إلى التظاهر السلمي في ميدان الشهداء، ودعت كذلك المدن الليبية الأخرى إلى الخروج في تظاهرات حاشدة للمطالبة بوقف الحرب. من جهتها، وصفت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ليل الثلاثاء - الأربعاء بـ"الليلة المروعة" في العاصمة طرابلس. وشدّدت في بيان على صفحتها الرسمية على أنّه "من أجل ثلاثة ملايين من المدنيين القاطنين في طرابلس الكبرى يجب أن تتوقف هذه الهجمات الآن".