محجّبات فرنسا... تحديات مستمرّة

01 ابريل 2019
في أحد شوارع العاصمة الفرنسية (ميغيل ميدينا/ فرانس برس)
+ الخط -

عندما راحت نساء يدافعنَ عن تسويق حجاب خاص للرياضة في فرنسا، اتّهمتهنّ جهات عدّة بأنّهنّ يسعينَ إلى "أسلمة البلاد". وأعيد طرح مسألة العلمانية في البلاد.

في خلال شهر مارس/ آذار الماضي، كان من المتوقّع أن تبدأ متاجر "ديكاتلون" للألبسة والمعدّات الرياضية بتسويق حجابها الخاص بالركض "كالينجي" في فرنسا، غير أنّها تراجعت عن خطّتها تحت ضغط حملات عدّة استهدفتها. والحملات أتت كأنّها منسَّقة، وشارك فيها زعماء سياسيون من اليمين واليمين المتطرّف وكذلك من حزب "موديم" (الحركة الديمقراطية) والحزب الاشتراكي، وإعلاميون وحركات نسويّة. وقد هدّدت النائبة أورور بيرجيه من حزب رئيس الجمهورية الفرنسي إيمانويل ماكرون، والناطقة باسم "الجمهورية إلى الأمام"، بمقاطعة المتاجر صراحة.

بعد الاتهامات التي وجّهت إلى "ديكاتلون" والتهديدات المختلفة التي تلقّتها، لا سيّما تلك التي استهدفت موظّفيها، وجدت إدارة تلك المتاجر نفسها مرغمة على التراجع، الأمر الذي حيّته وزيرة العمل مورييل بينيكو قائلة: "لحسن الحظّ، أنّهم تراجعوا". وبينيكو تعرف أنّه لا يوجد أيّ مسوّغ قانوني يحظر على "ديكاتلون" بيع مثل ذلك الحجاب.

قلّة فقط أدركت أنّ في تراجع تلك المتاجر حرماناً للفرنسيات المسلمات من حجاب مناسب لممارسة الرياضة. وفي خلال السجال الذي استمرّ لأيام، بدا واضحاً غياب المرأة المحجّبة عن النقاشات التي دارت عبر أكثر من قناة تلفزيونية، وهو ما يعني غياب المستهلكات المعنيات بالأمر. بالنسبة إلى سميرة، وهي طالبة أنثروبولوجيا في جامعة باريس الثامنة، فإنّ "في ذلك تعارض مع تشدّق البعض بحريّة المرأة، لا سيّما في اتخاذ قراراتها". من جهتها تقول سعدية، وهي ممرّضة في القطاع الخاص، إنّ "الغريب حدوث ذلك في فرنسا، بلد حقوق الإنسان"، مضيفة "لم أفهم لماذا لم تستضف البرامج التي خصصت لهذه القضية، امرأة محجبّة واحدة تقدّم رأياً مختلفاً للجمهور".




في سياق متصل، أثارت تلك المواقف المتحيّزة ضدّ النساء المحجبات بما أنّهنّ المعنيّات بذلك الحجاب الرياضي، الروائية والكاتبة الفرنسية آني إيرنو، فانتقدت في مقال كتبته في صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية بتاريخ 13 مارس/ آذار الماضي، ما عدّته "ممارسة عنف مع قسم من النساء اللواتي يعشنَ ويعملنَ ويدرسنَ على التراب الفرنسي، وهنّ مُكوِّن من مكوّنات مجتمعنا". وتؤكد إيرنو أنّها لا تتصور حفيداتها مع حجاب، إلا أنّها تعبّر عن عدم استيعابها عدم اعتراف نساء أخريات بخيار نساء مسلمات التعبير عن هويّتهنّ، باسم "النادي النسائي". ولا تخفي قلقها من "عدم منح الكلمة للنساء المحجبات في هذه القضية".

هكذا، تخلّصت فرنسا سريعاً من هذه القضية. لكنّ سوزان وهي امرأة فرنسيّة اعتنقت الإسلام قبل نحو أربعة أعوام، تؤكد أنّ "الحجاب الرياضي متوفّر عموماً في الأسواق، ومتاجر أوروبية وأميركية عدّة تعرضه، بالتالي أستطيع شراءه عبر الإنترنت، فالقانون لا يحظره".

من جهة أخرى، انشغل الناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي بقضيّة ذات سياق متّصل. أحد فروع متجر "إيتام" للألبسة النسائية، رفض تشغيل امرأة محجّبة. فقد تقدّمت أميمة لوظيفة معروضة، لكنّها رُفضت بسبب حجابها. وقالت لها مديرة الفرع: "لا يجب عليك التقدّم بهذا اللباس لوظيفة في هذا المكان. آسفة، أنا لا أقبل المحجّبات". حينها، عرضت أميمة، وهي طالبة، قضيتها عبر تسجيل فيديو على شبكات التواصل الاجتماعي شاهده نحو 200 ألف شخص. وقد دعت أميمة فيه إلى مقاطعة المتجر بتهمة "العنصرية"، لافتة أنّها سوف تلجأ إلى العدالة، مدعومة من قبل "التجمّع ضد الإسلاموفوبيا في فرنسا". فتلقّت على الأثر اتصالاً بها من قبل القائمين على المتجر، واعتذروا منها مؤكّدين أنّهم سرّحوا المسؤولة عن ذلك السلوك "التمييزي".

يقول ناصر الإدريسي، وهو مسؤول في جمعية العمّال المغاربيين في فرنسا، لـ"العربي الجديد"، إنّه "في الإمكان مواجهة تحديات كثيرة من خلال العمل المنظّم الذي يحترم القانون، حتى لا نمنح خصومنا سلاحاً يستخدمونه ضدنا". أمّا الباحث الفرنسي مالك بزوح، مؤلف كتاب "فرنسا - الإسلام: صدمة الأفكار المسبقة"، فيؤكّد لـ"العربي الجديد" أنّه "في إمكان الجالية العربية الإسلامية، لو كانت منظّمة وتفكّر بمنطق واضح، أن تواجه التحديات وتنتصر". يضيف أنّ "إيتام اضطرت إلى التراجع والاعتذار، وديكاتلون تخشى أيّ دعوة للمقاطعة".




وفي هذا الإطار، دعا الفنان المسرحي الفرنسي من أصول مغربية، ياسين بلعطار، إلى تجمّع كبير في 13 إبريل/ نيسان المقبل، في ساحة "لا ريبوبليك" بباريس، من أجل "الاحتجاج على قرار ديكاتلون التراجع عن تسويق الحجاب الرياضي"، والاعتراض على "ضغوط الشعبويين" وإظهار "غضبنا". بالنسبة إليه، "صارت فرنسا أضحوكة بين الأمم". وفي تغريدة له، كتب بلعطار: "سوف تكون ساحة لا ريبوبليك ساحة الكرامة. هي ما تبقى لنا. تستطيعون الاستيلاء على شققنا ومنازلنا وسياراتنا وكلابنا وقططنا، لكن ليس على كرامتنا (...) سوف نظل في هذا البلد".
المساهمون