إجازات الأردن... جدال الكادحين والرأسماليين

19 مارس 2019
لا بدّ من مساواته بموظفي القطاع الخاص (أرتور ويداك/Getty)
+ الخط -

بالرغم من الاستغلال الذي يتعرض له العمال في القطاع الخاص في الأردن، غالباً، إذ لا ينالون غير أجور ضئيلة مع ساعات عمل طويلة، فهم مطالبون بالعمل حتى عندما تعلن الحكومة عن إجازة طارئة

تجدّد الجدال في الأردن حول الإجازات عموماً والإجازات، أو العطلات، المرتبطة بالأحوال الجوية وحالة الطقس، بعدما تسببت الأمطار الغزيرة في وفاة شخص وغرق العديد من المتاجر والسيارات في العاصمة عمّان نهاية الشهر الماضي، ليأخذ هذا الجدال طابعاً طبقياً، ففي الوقت الذي يفضل فيه العمال الكادحون عدم المغامرة بوقوع ضرر عليهم مهما كان حجمه، يؤكد الرأسماليون أنّهم أصحاب القرار وليست الحكومة، فهم من يدفع الرواتب للعمال في مؤسساتهم.




وكان مواطنون أردنيون، قد اتهموا، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، الحكومة بالخوف من رجال الأعمال، بعدما قرّر نائب رئيس الوزراء، رجائي المعشر، تعليق الدوام في جميع الوزارات والدوائر الرسمية والمؤسسات والهيئات العامة يوم الخميس 28 شباط/ فبراير الماضي عند الساعة الثانية والنصف ظهراً، أي قبل ساعة واحدة من انتهاء الدوام الرسمي، بسبب الأحوال الجوية السيئة. وقال حماده في تغريدة على "تويتر": "سيارات عمّان كلّها غرقت. أبشرك يا سيدي أنّ عطلة الدوائر الحكومية بعد الدوام كي لا يزعل أبو غزالة (طلال أبو غزالة، من كبار رجال الأعمال). وأبشرك أنّ مستشفى فيلادلفيا غرق وكازية (محطة وقود) المناصير انهار جدارها الاستنادي، والسيتي مول غرق، وأخلوا منه الناس والموظفين". وقال أيمن أبو محمد: "أحبّ أن أعرف شعور السيد طلال أبو غزالة بعدما داوم الشعب... وغرق نصفهم... هل هو سعيد إن شاء الله، كونه لا يحب العطلات؟". بدوره، غرّد قتيبة الرشدان: "البلد غرق، وأبناء معان نائمون أمام الديوان، ومستشفى البشير غرق، ووسط البلد تحول إلى بحر. عطلة الدوائر الحكومية بعد الدوام كي لا يزعل أبو غزالة. مستشفى فيلادلفيا غرق والسدود فاضت. كرموا حليمة بولند (إعلامية كويتية) ونسوا عمال الوطن، وفي النهاية رفعوا أسعار المحروقات. كفى... أريد أن أهاجر وأتركها لكم".

بعد هذا الهجوم، عاد رجل الأعمال الأردني طلال أبو غزالة إلى التأكيد أنّه سيستمر بمهاجمة الحكومة التي ترشو الشعب والشباب بالإجازات، وفق قوله، مشدداً على موقفه الرافض للإجازات الرسمية الطارئة التي تقرّها الحكومة، وأشار إلى أنّه لا يجوز للحكومة أن تفرض الإجازة عليه أو على غيره ممن يريدون العمل، مشيراً إلى وجوب تغيير ثقافة الراحة.

العمل براتب ضئيل أفضل من البطالة (أحمد غرابلي/فرانس برس) 











رسالة

الجدال حول الإجازات بدأ عندما قررت الحكومة الأردنية تعطيل المؤسسات الرسمية والخاصة تخوّفاً من منخفض قطبي محمل بالثلوج زار الأردن في منتصف شهر فبراير/ شباط، واستمر الجدال، واتسع التباين في وجهات النظر بعدما أعلن مجلس النواب (البرلمان) عن زيادة الإجازات السنوية للعمال، من 14 يوماً إلى 18 يوماً لمن تقلّ خدمتهم عن خمس سنوات، ومن 21 يوماً إلى 24 لمن تزيد خدمتهم عن خمس سنوات.

اللحظة الفارقة في هذه القضية التي أدّت إلى ردود فعل عميقة، جاءت بعدما عممت "مجموعة طلال أبو غزالة" (شركة قابضة دولية ذات كادر مهني يبلغ 2000 موظف تعمل في إطار المحاسبة القانونية والتدقيق المالي والملكية الفكرية والتعليم والتدريب والترجمة) على موظفيها توضيحاً حول الإجازات في الشركة، مشيرة إلى أنّها هي من تحدّد الإجازات لا الحكومة. وجاء في تعميم المجموعة أنّ إنتاجية الموظف هي مقابل راتب من الشركة وليس من الحكومة، ولذلك فإنّ القرارات تصدر عنها وليس عن الحكومة. ولم يكتفِ أبو غزالة بتعميمه على الموظفين الذين يعملون في شركات يملكها بل بعث برسالة إلى رئيس الوزراء عمر الرزاز جاء فيها: "أخاطبكم، بشأن العطلات غير المبررة من وجهة نظري، ولم أتلقَّ رداً إلّا من أحدهم بأنّ القانون لا يمنع العمل أثناء العطلة، بل يلزم رب العمل بدفع أجر للعامل قدره 150 في المائة من راتبه عن كلّ يوم عمل وهو ما لا قدرة للمؤسسات على تحمل أعبائه، مقترحاً إعادة النظر في نسبة علاوة العمل الإضافي في القطاع الخاص في أيام العطلات وخارج ساعات الدوام". وفي الرسالة قدّم أبو غزالة نصائحه الهادفة لرفع الإنتاجية والنهوض بالاقتصاد، بوسيلة في غاية الأهمية في نظره وهي "تقليل أيام العطلات"، فهو يؤمن أنّ السبب في صحته الجيدة بالرغم من بلوغه 81 عاماً استمراره في العمل طوال حياته.

لكن، بالرغم من كلّ المبررات، وحرب أبو غزالة على إجازات العمال الطارئة، من أجل الحفاظ على مصالح أصحاب رؤوس الأموال، نصح خبراء اقتصاد شاركوا في منتدى الاقتصاد العالمي بدافوس (23 إلى 26 يناير/ كانون الثاني) أرباب العمل بتطبيق نظام العمل أربعة أيام أسبوعياً، وجاءت هذه التوصية، للمصادفة، عقب إلزام القطاع الخاص في الأردن ببلاغات العطلات الرسمية أو الطارئة.




عبودية
يؤكد "المرصد العمالي الأردني" في بيان له على ضرورة شمول جميع العاملين في القطاعين العام والخاص ببلاغات العطلات، وذلك انطلاقاً من قاعدة أنّ الحكومة إذا رأت أنّ هناك مخاطر يمكن أن يتعرض لها العمال والموظفون أثناء تنقلهم في ظروف استثنائية، فإنّ من واجبها تحمّل مسؤولياتها للحفاظ على سلامتهم جميعاً في القطاعين العام والخاص، وعدم اقتصارها على القطاع العام، لأنّ في ذلك تمييزاً ضد العاملين في القطاع الخاص. يتابع أنّ تعميم أبو غزالة ينطوي على مخالفة قانونية واضحة، وفيه تحدٍّ واضح للقوانين الأردنية واستهتار بها.

من جهته، يقول سلطان، الذي يعمل في مصنع غذائي، إنّ راتبه لا يتجاوز 300 دينار أردني (420 دولاراً أميركياً)، وهو راتب لا يكفي لسداد وتوفير احتياجاته الأساسية، لكنّ ذلك لا يمنع أصحاب المصنع من النظر إليه باعتباره جزءاً من أدوات المصنع التي لا تحتاج إلى إجازة. يضيف أنّه عندما يطلب إجازة من رصيده السنوي، تشعره الإدارة بأنّه يطلب ما ليس من حقه، وعندما يمنح إجازة، تمننه الإدارة بها. يوضح: "نحاول دائماً، كعمال، أن نبقى على علاقة ودية مع الإدارة حتى وإن تجاوزت حقوقنا، فلا فرص عمل متوافرة".

يقول سليمان، الحاصل على شهادة البكالوريوس، ويعمل في "مول" في محافظة قريبة من العاصمة، إنّ راتبه الشهري 220 ديناراً (310 دولارات)، تقتطع حصة للضمان الصحي منه. يتابع: "لديّ يوم إجازة أسبوعي، لكن في حال وقع أيّ طارئ فأنا مضطر للالتزام بالدوام". يضيف: "حتى الراتب، تخصم منه أحياناً مبالغ بدعوى التأخر عن الالتحاق بالدوام. بالرغم من حملي شهادة جامعية، أتحمل الظروف غير الجيدة، لتجنب انتقادات المجتمع، مع العلم أنّ العمل في ظلّ مثل هذه الظروف عبودية وليس عبادة".

الرواتب ضئيلة والقدرة الشرائية ضعيفة (أرتور ويداك/ getty) 











أجور ضئيلة

بدوره، يقول مدير "مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية" أحمد عوض لـ"العربي الجديد" إنّ عدد ساعات العمل في العالم يتراوح بما بين 40 و48 ساعة أسبوعياً، وقانون العمل في الأردن ينصّ على أنّ ساعات العمل 48، وترك المجال للقطاع الخاص في أن يقرر عدد أيام العمل لتغطية هذه الساعات، أكانت خمسة أيام أم ستة. يتابع أنّ الخبراء في العالم والدراسات حول الإنتاجية يؤكدون أن لا علاقة بين ساعات العمل والإنتاجية، مشيراً إلى دور نوعية العمل وطبيعته، أي أنّ الأمر يختلف من مهنة إلى أخرى ومن عمل إلى آخر.

يضيف عوض أنّ في الأردن والعديد من الدول المشابهة يجرى تحميل العاملين مسؤولية ضعف الإنتاجية، وبعض رجال الأعمال يشتكون من كثرة الإجازات، لكنّ مشكلة ضعف الإنتاجية مرتبطة بطبيعة وطريقة الإدارة، والمسؤولية الحقيقية تقع على القيادات وليس العمال، وتحميل مجموعة من الموظفين والعمال مسؤولية انتشال الاقتصاد هو استمرار لنهج يحمّل مسؤولية المشاكل لأشخاص لم يخلقوها، ويطالبهم بإفناء أنفسهم من أجل تحقيق مكاسب لن يستفيدوا بالضرورة منها. يتابع أنّ ضعف الأجور يتسبب في ضعف الانتماء للمؤسسات وضعف الرغبة في العمل، مشيراً إلى أنّ مستويات الأجور في الأردن متدنية جداً، مقابل سلع وخدمات مرتفعة الكلفة وباهظة الثمن. يوضح أنّ عشرات الآلاف من العمال في الأردن يعملون أكثر من ساعات العمل المنصوص عليها في القانون، كما أنّهم لا يعرفون العطلات إلّا في عيدي الأضحى والفطر، مشيراً إلى أنّ النساء العاملات في الأردن أكثر معاناة من الرجال بسبب الرواتب المتدنية وساعات العمل الطويلة، مضافة إلى الالتزامات الأسرية.




من جهتها، تقول الصحافية المتخصصة بالقضايا العمالية رانيا الصرايرة لـ"العربي الجديد" إنّ قانون العمل الأردني كتشريع جيد جداً، إذ يمنح العمال حقوقاً مهمة، لكنّ المشكلة هي في التطبيق، إذ لا يطبقه الجميع. تتابع: "واقع العمال من سيئ إلى أسوأ، فالحد الأدنى للأجور يعادل 310 دولارات، فيما خط الفقر يقترب من 560 دولاراً. وهذا المبلغ لا يكفي لسد احتياجات فرد، قبل الحديث عن أسرة".