هز خبر وفاة أحد عشر رضيعاً تونسياً في يومين، كامل البلاد، وسط دهشة عامة وحالة من التساؤل والذهول بعد انتشاره، وتحوله إلى قضية رأي عام وطنية لم تعهدها المستشفيات التونسية والقطاع الصحي في البلاد، بهذا الحجم الكبير من قبل.
وقال بيان لوزارة الصحة التونسية: "بأسف شديد، سجلت 11 حالة وفاة بين الأطفال المقيمين بمركز التوليد وطب الرضيع في مستشفى الرابطة، خلال يومي 7 و8 مارس/ آذار 2019". تابعت الوزارة أنّ النتائج الأولية للتحقيقات بيّنت أنّ الوفيات يرجّح أن تكون ناتجة عن تعفّنات سارية في الدم تسببت سريعاً في هبوط في الدورة الدموية، وقد تمّ رفع العينات لدى المواليد والوسط العلاجي لتحديد نوعية ومصدر التعفّنات. وأكد البيان أنّه لم تسجل أيّ حالة وفاة خلال الـ24 ساعة الماضية (الجمعة - السبت) بهذا المركز كما تواصل تحرّياتها بهدف تحديد المسؤوليات.
وتحولت الحادثة إلى كارثة وطنية بامتياز، استدعت انعقاد اجتماع طارئ، ليلة السبت - الأحد، بمقر الحكومة انتهى باستقالة وزير الصحة، عبد الرؤوف الشريف، وفتح تحقيق في القضية. وأعلن سفيان السليطي، الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية بتونس، أنّ النيابة العمومية أذنت، السبت، بفتح تحقيق في حادثة وفاة الرضع.
اقــرأ أيضاً
وأعلنت "الجمعية التونسية للمحامين الشبان"، المجتمعة بصفة طارئة، مساء السبت، عن استعدادها "لتكوين لجنة دفاع عن أولياء الضحايا تتطوع مجاناً لشكاويهم أمام القضاء متى رغبوا في ذلك". واعتبرت الحادثة "جريمة في حق الطفولة وفي حق عائلات الضحايا"، مطالبة بـ"التعامل جدياً في إطار التحقيق المفتوح في الغرض، وتتبّع كلّ الضالعين في هذه الجريمة، سواء بالتقاعس أو الإهمال والتقصير".
بمرارة بالغة، يصف، علي لـ"العربي للجديد" ألم فقدان أول أبنائه، الذي أنجبه وهو في سن الخمسين، بعد سنوات انتظار وعلاج. يقول إنّه جاء مع زوجته إلى المستشفى من أجل وضع الطفل "الأمنية"، وولد الطفل سليماً معافى وطلب الطاقم الطبي إبقاءه من أجل المراقبة.
الطفل الراحل، هارون، انطفأت روحه بعد عشرة أيام من ولادته، رفقة 10 أطفال آخرين، من دون تفسير أو تعليل، بل اكتفت الممرضة بإعلان وفاته وامتنعت عن تقديم جثمانه لعائلته. وما زال علي منتظراً أمام مستشفى "وسيلة بورقيبة" انتهاء الفحوص والتشريح حتى يتسلم "هارون" من أجل دفنه. يؤكد أنّه ينتظر محاسبة الفاعلين ومحاكمتهم على اغتيالهم لأمنيته في المهد، راجياً عدم طمس الحقيقة ودفنها كما يحدث دائماً.
نجيبة موسى، خالة طفلة لم تسمَّ، فقد سلّم جثمانها إلى أهلها في صندوق كرتوني، من دون إذن بالدفن، وتقبع منذ ثلاثة أيام في منزل أختها تنتظر قرار وكيل الجمهورية لمواراتها التراب. تروي موسى لـ"العربي الجديد" أنّها رافقت اختها الحامل كي تضع مولودها في المستشفى لتتعكر حالتها الصحية نتيجة ارتفاع ضغط الدم، وبعد عناء، سيطر الطاقم الطبي على وضع الأم والمولودة، وجرى تسليمها حية لعائلتها. تسارعت الأحداث إثر ذلك، فمع تعكر حالة الأم واستحالة اطمئنانها على طفلتها، عادت العائلة ظهر اليوم التالي لتزور المولودة وفوجئت بنبأ الوفاة. تشدد موسى على أنّه لم يجرِ تفسير سبب الوفاة، بل اقتصر الإجراء على وضع الطفلة، التي كانت في حالة مزرية وعلى فمها بقع من الدم، في لحاف أبيض متسخ وصندوق كرتوني.
بدوره، اتهم رئيس "المنظمة التونسية للأطباء الشبان"، جاد الهنشيري، السلطات بـ"ارتكاب جريمة قتل". وقال الهنشيري في تصريح إذاعي: "أتهم السلطات بجريمة قتل، إذ سبق وأعلمنا وزارة الصحة بوجود العديد من المشاكل التي يمكن أن تؤدي إلى كارثة، وقُدمت إلى الوزارة أدلة على وجود صفقات فساد في بعض المنتجات الصحية... وهو ما يدخل الحادثة في خانة الإهمال والقتل عبر عدم مساعدة شخص في حالة احتياج". ولفت الهنشيري إلى أنّهم نبهوا منذ فترة من احتمالات الكوارث في قطاع الصحة، متهماً المسؤولين بـ"الاستهتار التام ومحاولة التزوير وتقديم صورة زاهية عن الواقع"، كما عبر عن أسفه لأنّ الاستفاقة لا تكون إلّا بعد وقوع الكارثة.
من جهتها، تقول الدكتورة شيماء رزيقي، من مستشفى الأطفال باب سعدون، التي عملت سابقاً في مستشفى الرابطة، لـ"العربي الجديد"، إنّ المعلومة شبه المؤكدة حالياً تشير إلى أنّ الأطفال توفوا نتيجة تعفن جرثومي نقل إلى أجسام الرضّع عن طريق الدم وانتشر في كامل أنحاء الجسم، وهو ما أشارت إليه النتائج الأولية التي تحدثت عنها وزارة الصحة. وتشير إلى أنّه بصرف النظر عما إذا كان السيروم (المصل) هو الذي كان يحتوي على الجرثومة أو التلقيح، فإنّ المؤكد أنّ هناك جرثومة نقلت إلى الأطفال عبر الدم.
توضح أنّ الأدوية تتطلب العديد من التحاليل، وتمر عبر كرّاس شروط، وإجراءات في المختبرات التي تصنع فيها، وهي مراحل طويلة جداً ومعقدة قبل الوصول إلى المستشفيات، وبالتالي فلا ذنب على الأطباء إن استعملوا تلك المنتجات، لأنّ هناك لجاناً تتولى التثبت وتحلل محتوى الأدوية، أما الطبيب فلا يتمكن من معرفة ما إذا كان الدواء فاسداً أم لا، وليس ذنبه إن كان المحتوى غير سليم. وتشدد على أنّ ذلك لا يعني الدفاع عن الأطباء، مضيفة: "إن ثبت تورط أو تقصير من جانب أي طبيب فتتوجب محاسبته في هذه الجريمة".
اقــرأ أيضاً
تشير إلى أنّ هذه الفاجعة ليست الأولى في تونس، إذ سبقتها حالات عدة، لكنّ عدد المتوفين الكبير دفعة واحدة، هذه المرة، لفت النظر إلى القضية. وتؤكد أنّ العديد من المستشفيات تعاني من فساد المنظومة الصحية ومن نقص التجهيزات، وإن لم يحصل تحرك سريع فالحوادث ستتكرر، لافتة إلى أنّ النقص يطاول أجهزة "السكانر" الضروري لتشخيص النزيف الدماغي. تتابع أنّ ميزانية وزارة الصحة تراجعت لتصبح من أضعف الميزانيات الوزارية، ما قاد إلى فقدان أبسط أدوات العمل الطبي وأدى وسيؤدي إلى حوادث كثيرة.
في الإطار نفسه، قالت المحامية حنان المطماطي، عن لجنة المحامين التي تكونت لمتابعة ملف وفاة الرضع الـ11، لـ"العربي الجديد" إنّ القضية تمسّ الرأي العام، وهي قضية إنسانية لا يمكن التغافل فيها عما حصل، مشيرة إلى أنّهم بصدد جمع الملفات والمعطيات اللازمة عن المأساة التي حدثت في مستشفى الرابطة.
وأوضحت المطاطي أنّهم تمكنوا حتى الأحد، من جمع 8 ملفات من عائلات الضحايا، في انتظار انضمام المزيد، خصوصاً أنّ أعداد الضحايا مرشحة للارتفاع، مبينة أنّ الأطفال من عدة محافظات تونسية كالرديف، وصفاقس، وتونس العاصمة. وأشارت إلى أنّ لجنة المحامين بصدد التنسيق مع جمعية المحامين لتوسيع اللجنة التي قد تضم أعداداً أكبر من المحامين المتطوعين لخدمة هذه القضية.
أكدت المطماطي أنّ التعامل مع عائلات الضحايا جرى بصفة فردية، وإذاً فهناك إرادة لعدم تجمع الأولياء أمام المستشفى، إذ حرصت إدارته على مقابلة كلّ طرف في أوقات وأماكن مختلفة عن بقية الأولياء، إلى جانب التعاطي الغامض معهم من دون تقديم الإيضاحات اللازمة. ولفتت إلى أنّ العديد من التونسيين تفاعلوا مع الملف، وقدموا إليهم كلجنة معلومات جرى التعامل معها بكلّ جدية، مبينة أنّ هناك من أبلغ اللجنة أنه فقد رضيعاً قبل 3 سنوات، مطالباً بفتح الملف.
من جهته، توقع النائب عن كتلة الائتلاف الوطني الداعمة لرئيس الحكومة، كريم الهلالي، أن تتخذ إجراءات توقيف خلال الساعات المقبلة ضدّ كل من يثبت تقصيره. وأشار إلى أنّ "11 رضيعاً هم ضحايا منظومة صحية مافيوية عجز 6 وزراء عن تفكيكها" مشدداً على أنّ رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، في امتحان وصفه بالحقيقي لتفكيك منظومة الفساد في قطاع الصحة.
بدوره، قال الاتحاد العام التونسي للشغل، إنّ كلّ التونسيات والتونسيين صُدموا بالكارثة، مؤكداً على وجوب اعتماد الشفافية والمصارحة والوضوح في التحقيقات الجارية والإسراع بكشف كلّ الملابسات، وتقديم الحقيقة للشعب سواء كانت الكارثة بسبب تقصير أو خطأ طبي أو عمل إجرامي، وعدم التردد في تحميل المسؤوليات أو في اتخاذ كلّ الإجراءات القانونية ضدّ كلّ من يكشف عنه التحقيق. وذكّر بيان الاتحاد بأنّه سبق أن دقّ ناقوس الخطر أمام تردّي أوضاع المستشفيات العمومية ودعا إلى الإسراع بإنقاذها، وجدّد مطالبته الملحّة بإصلاح قطاع الصحّة العمومية وتخليصه من سياسة التدمير الممنهج التي تمارس عليه منذ عقود، مؤكّداً على أنّ المستشفى العمومي هو الخط الأمامي لضمان الأمن الصحي للتونسيات والتونسيين باختلاف أعمارهم ومناطقهم وانتماءاتهم الطبقية، وهو ما يستوجب التعجيل بإصلاحه قبل فوات الأوان. تابع أنّ الصحة في تونس باتت تفتقر إلى رؤية إصلاحية استراتيجية واضحة وتعاني من نقص فادح في الموارد البشرية اللازمة والتمويلات الضرورية والتجهيزات الحيويّة". وتراجع الوضع الصحي في تونس بشكل مخيف بعدما تتالت أزماته، وبات يتخبط في مشاكل كبيرة آخرها أزمة الدواء المفقود الذي كشفت التحقيقات أنّ جزءاً منه يجري تهريبه عبر قنوات تورطت فيها شبكات شملت نافذين مختلفين في القطاع، بالإضافة الى تآكل البنية التحتية للمستشفيات، والهروب الجماعي للأطباء من القطاع العام الى الخاص، وقلة أطباء الاختصاص في الجهات الداخلية، التفكير في انتداب أطباء من الصين، بينما يهاجر الأطباء الشباب إلى أوروبا التي تفتح ذراعيها لكفاءات أنفقت عليها البلاد أموالاً طائلة، واستثمرت فيها لسنوات قبل أن تقطف ثمارها دول أخرى.
وتحولت المأساة إلى ملعب للأحزاب التونسية في محاولة لاستثمارها سياسياً بين مدافع ومهاجم، ودعت حركة نداء تونس، الحكومة، إلى الاستقالة الفورية على خلفية الفاجعة، محملة إياها مسؤولية تردي الأوضاع على جميع المستويات والخوف من مغبة حصول "مزيد من الكوارث، نتيجة تفرغها لتأسيس حزب سياسي بدلاً من خدمة المواطن".
اقــرأ أيضاً
وقال بيان لوزارة الصحة التونسية: "بأسف شديد، سجلت 11 حالة وفاة بين الأطفال المقيمين بمركز التوليد وطب الرضيع في مستشفى الرابطة، خلال يومي 7 و8 مارس/ آذار 2019". تابعت الوزارة أنّ النتائج الأولية للتحقيقات بيّنت أنّ الوفيات يرجّح أن تكون ناتجة عن تعفّنات سارية في الدم تسببت سريعاً في هبوط في الدورة الدموية، وقد تمّ رفع العينات لدى المواليد والوسط العلاجي لتحديد نوعية ومصدر التعفّنات. وأكد البيان أنّه لم تسجل أيّ حالة وفاة خلال الـ24 ساعة الماضية (الجمعة - السبت) بهذا المركز كما تواصل تحرّياتها بهدف تحديد المسؤوليات.
وتحولت الحادثة إلى كارثة وطنية بامتياز، استدعت انعقاد اجتماع طارئ، ليلة السبت - الأحد، بمقر الحكومة انتهى باستقالة وزير الصحة، عبد الرؤوف الشريف، وفتح تحقيق في القضية. وأعلن سفيان السليطي، الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية بتونس، أنّ النيابة العمومية أذنت، السبت، بفتح تحقيق في حادثة وفاة الرضع.
وأعلنت "الجمعية التونسية للمحامين الشبان"، المجتمعة بصفة طارئة، مساء السبت، عن استعدادها "لتكوين لجنة دفاع عن أولياء الضحايا تتطوع مجاناً لشكاويهم أمام القضاء متى رغبوا في ذلك". واعتبرت الحادثة "جريمة في حق الطفولة وفي حق عائلات الضحايا"، مطالبة بـ"التعامل جدياً في إطار التحقيق المفتوح في الغرض، وتتبّع كلّ الضالعين في هذه الجريمة، سواء بالتقاعس أو الإهمال والتقصير".
بمرارة بالغة، يصف، علي لـ"العربي للجديد" ألم فقدان أول أبنائه، الذي أنجبه وهو في سن الخمسين، بعد سنوات انتظار وعلاج. يقول إنّه جاء مع زوجته إلى المستشفى من أجل وضع الطفل "الأمنية"، وولد الطفل سليماً معافى وطلب الطاقم الطبي إبقاءه من أجل المراقبة.
الطفل الراحل، هارون، انطفأت روحه بعد عشرة أيام من ولادته، رفقة 10 أطفال آخرين، من دون تفسير أو تعليل، بل اكتفت الممرضة بإعلان وفاته وامتنعت عن تقديم جثمانه لعائلته. وما زال علي منتظراً أمام مستشفى "وسيلة بورقيبة" انتهاء الفحوص والتشريح حتى يتسلم "هارون" من أجل دفنه. يؤكد أنّه ينتظر محاسبة الفاعلين ومحاكمتهم على اغتيالهم لأمنيته في المهد، راجياً عدم طمس الحقيقة ودفنها كما يحدث دائماً.
نجيبة موسى، خالة طفلة لم تسمَّ، فقد سلّم جثمانها إلى أهلها في صندوق كرتوني، من دون إذن بالدفن، وتقبع منذ ثلاثة أيام في منزل أختها تنتظر قرار وكيل الجمهورية لمواراتها التراب. تروي موسى لـ"العربي الجديد" أنّها رافقت اختها الحامل كي تضع مولودها في المستشفى لتتعكر حالتها الصحية نتيجة ارتفاع ضغط الدم، وبعد عناء، سيطر الطاقم الطبي على وضع الأم والمولودة، وجرى تسليمها حية لعائلتها. تسارعت الأحداث إثر ذلك، فمع تعكر حالة الأم واستحالة اطمئنانها على طفلتها، عادت العائلة ظهر اليوم التالي لتزور المولودة وفوجئت بنبأ الوفاة. تشدد موسى على أنّه لم يجرِ تفسير سبب الوفاة، بل اقتصر الإجراء على وضع الطفلة، التي كانت في حالة مزرية وعلى فمها بقع من الدم، في لحاف أبيض متسخ وصندوق كرتوني.
بدوره، اتهم رئيس "المنظمة التونسية للأطباء الشبان"، جاد الهنشيري، السلطات بـ"ارتكاب جريمة قتل". وقال الهنشيري في تصريح إذاعي: "أتهم السلطات بجريمة قتل، إذ سبق وأعلمنا وزارة الصحة بوجود العديد من المشاكل التي يمكن أن تؤدي إلى كارثة، وقُدمت إلى الوزارة أدلة على وجود صفقات فساد في بعض المنتجات الصحية... وهو ما يدخل الحادثة في خانة الإهمال والقتل عبر عدم مساعدة شخص في حالة احتياج". ولفت الهنشيري إلى أنّهم نبهوا منذ فترة من احتمالات الكوارث في قطاع الصحة، متهماً المسؤولين بـ"الاستهتار التام ومحاولة التزوير وتقديم صورة زاهية عن الواقع"، كما عبر عن أسفه لأنّ الاستفاقة لا تكون إلّا بعد وقوع الكارثة.
من جهتها، تقول الدكتورة شيماء رزيقي، من مستشفى الأطفال باب سعدون، التي عملت سابقاً في مستشفى الرابطة، لـ"العربي الجديد"، إنّ المعلومة شبه المؤكدة حالياً تشير إلى أنّ الأطفال توفوا نتيجة تعفن جرثومي نقل إلى أجسام الرضّع عن طريق الدم وانتشر في كامل أنحاء الجسم، وهو ما أشارت إليه النتائج الأولية التي تحدثت عنها وزارة الصحة. وتشير إلى أنّه بصرف النظر عما إذا كان السيروم (المصل) هو الذي كان يحتوي على الجرثومة أو التلقيح، فإنّ المؤكد أنّ هناك جرثومة نقلت إلى الأطفال عبر الدم.
توضح أنّ الأدوية تتطلب العديد من التحاليل، وتمر عبر كرّاس شروط، وإجراءات في المختبرات التي تصنع فيها، وهي مراحل طويلة جداً ومعقدة قبل الوصول إلى المستشفيات، وبالتالي فلا ذنب على الأطباء إن استعملوا تلك المنتجات، لأنّ هناك لجاناً تتولى التثبت وتحلل محتوى الأدوية، أما الطبيب فلا يتمكن من معرفة ما إذا كان الدواء فاسداً أم لا، وليس ذنبه إن كان المحتوى غير سليم. وتشدد على أنّ ذلك لا يعني الدفاع عن الأطباء، مضيفة: "إن ثبت تورط أو تقصير من جانب أي طبيب فتتوجب محاسبته في هذه الجريمة".
تشير إلى أنّ هذه الفاجعة ليست الأولى في تونس، إذ سبقتها حالات عدة، لكنّ عدد المتوفين الكبير دفعة واحدة، هذه المرة، لفت النظر إلى القضية. وتؤكد أنّ العديد من المستشفيات تعاني من فساد المنظومة الصحية ومن نقص التجهيزات، وإن لم يحصل تحرك سريع فالحوادث ستتكرر، لافتة إلى أنّ النقص يطاول أجهزة "السكانر" الضروري لتشخيص النزيف الدماغي. تتابع أنّ ميزانية وزارة الصحة تراجعت لتصبح من أضعف الميزانيات الوزارية، ما قاد إلى فقدان أبسط أدوات العمل الطبي وأدى وسيؤدي إلى حوادث كثيرة.
في الإطار نفسه، قالت المحامية حنان المطماطي، عن لجنة المحامين التي تكونت لمتابعة ملف وفاة الرضع الـ11، لـ"العربي الجديد" إنّ القضية تمسّ الرأي العام، وهي قضية إنسانية لا يمكن التغافل فيها عما حصل، مشيرة إلى أنّهم بصدد جمع الملفات والمعطيات اللازمة عن المأساة التي حدثت في مستشفى الرابطة.
وأوضحت المطاطي أنّهم تمكنوا حتى الأحد، من جمع 8 ملفات من عائلات الضحايا، في انتظار انضمام المزيد، خصوصاً أنّ أعداد الضحايا مرشحة للارتفاع، مبينة أنّ الأطفال من عدة محافظات تونسية كالرديف، وصفاقس، وتونس العاصمة. وأشارت إلى أنّ لجنة المحامين بصدد التنسيق مع جمعية المحامين لتوسيع اللجنة التي قد تضم أعداداً أكبر من المحامين المتطوعين لخدمة هذه القضية.
أكدت المطماطي أنّ التعامل مع عائلات الضحايا جرى بصفة فردية، وإذاً فهناك إرادة لعدم تجمع الأولياء أمام المستشفى، إذ حرصت إدارته على مقابلة كلّ طرف في أوقات وأماكن مختلفة عن بقية الأولياء، إلى جانب التعاطي الغامض معهم من دون تقديم الإيضاحات اللازمة. ولفتت إلى أنّ العديد من التونسيين تفاعلوا مع الملف، وقدموا إليهم كلجنة معلومات جرى التعامل معها بكلّ جدية، مبينة أنّ هناك من أبلغ اللجنة أنه فقد رضيعاً قبل 3 سنوات، مطالباً بفتح الملف.
من جهته، توقع النائب عن كتلة الائتلاف الوطني الداعمة لرئيس الحكومة، كريم الهلالي، أن تتخذ إجراءات توقيف خلال الساعات المقبلة ضدّ كل من يثبت تقصيره. وأشار إلى أنّ "11 رضيعاً هم ضحايا منظومة صحية مافيوية عجز 6 وزراء عن تفكيكها" مشدداً على أنّ رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، في امتحان وصفه بالحقيقي لتفكيك منظومة الفساد في قطاع الصحة.
بدوره، قال الاتحاد العام التونسي للشغل، إنّ كلّ التونسيات والتونسيين صُدموا بالكارثة، مؤكداً على وجوب اعتماد الشفافية والمصارحة والوضوح في التحقيقات الجارية والإسراع بكشف كلّ الملابسات، وتقديم الحقيقة للشعب سواء كانت الكارثة بسبب تقصير أو خطأ طبي أو عمل إجرامي، وعدم التردد في تحميل المسؤوليات أو في اتخاذ كلّ الإجراءات القانونية ضدّ كلّ من يكشف عنه التحقيق. وذكّر بيان الاتحاد بأنّه سبق أن دقّ ناقوس الخطر أمام تردّي أوضاع المستشفيات العمومية ودعا إلى الإسراع بإنقاذها، وجدّد مطالبته الملحّة بإصلاح قطاع الصحّة العمومية وتخليصه من سياسة التدمير الممنهج التي تمارس عليه منذ عقود، مؤكّداً على أنّ المستشفى العمومي هو الخط الأمامي لضمان الأمن الصحي للتونسيات والتونسيين باختلاف أعمارهم ومناطقهم وانتماءاتهم الطبقية، وهو ما يستوجب التعجيل بإصلاحه قبل فوات الأوان. تابع أنّ الصحة في تونس باتت تفتقر إلى رؤية إصلاحية استراتيجية واضحة وتعاني من نقص فادح في الموارد البشرية اللازمة والتمويلات الضرورية والتجهيزات الحيويّة". وتراجع الوضع الصحي في تونس بشكل مخيف بعدما تتالت أزماته، وبات يتخبط في مشاكل كبيرة آخرها أزمة الدواء المفقود الذي كشفت التحقيقات أنّ جزءاً منه يجري تهريبه عبر قنوات تورطت فيها شبكات شملت نافذين مختلفين في القطاع، بالإضافة الى تآكل البنية التحتية للمستشفيات، والهروب الجماعي للأطباء من القطاع العام الى الخاص، وقلة أطباء الاختصاص في الجهات الداخلية، التفكير في انتداب أطباء من الصين، بينما يهاجر الأطباء الشباب إلى أوروبا التي تفتح ذراعيها لكفاءات أنفقت عليها البلاد أموالاً طائلة، واستثمرت فيها لسنوات قبل أن تقطف ثمارها دول أخرى.
وتحولت المأساة إلى ملعب للأحزاب التونسية في محاولة لاستثمارها سياسياً بين مدافع ومهاجم، ودعت حركة نداء تونس، الحكومة، إلى الاستقالة الفورية على خلفية الفاجعة، محملة إياها مسؤولية تردي الأوضاع على جميع المستويات والخوف من مغبة حصول "مزيد من الكوارث، نتيجة تفرغها لتأسيس حزب سياسي بدلاً من خدمة المواطن".
في المقابل، طالب حزب حركة مشروع تونس (حزب وزير الصحة المستقيل) "الوزراء والمسؤولين الذين فشلوا في إدارة الملفات الموكلة إليهم بتقديم استقالاتهم فوراً من مناصبهم" لافتاً إلى أنّ ذلك سيتيح حماية البلاد من مزيد من التدهور. واعتبر الحزب في بيان له "تقديم وزير الصحة عبد الرؤوف الشريف استقالته شجاعة باعتباره تسلّم المنصب منذ أقلّ من أربعة أشهر ولا تقع عليه مسؤولية مباشرة في كارثة موت 11 رضيعاً في مستشفى عمومي".